منتصر عمران يكتب: ذكريات التحول الفكري
في عام 1417 هجرية وبالتحديد في شهر رجب كنت قد انتهيت من كتابة كتيب متوسط الحجم من 75صفحة.. وكان يحمل عنوان: (الولاء والبراء.. والواقع المعاصر) وعمري وقتها لم يتعدَ تسعة وعشرين عاما.
والذي دعاني إلى الكتابة في هذا الأمر بالذات هو مارأيته عن معاينة وليس مخابرة أن عقيدة الولاء والبراء في وقتنا الحالي أصابها الدخن واعتلاها الران.. ودرست حالتين في أقصى اليمين والشمال (مجموعة عندها إفراط في الالتزام والأخرى تفريط).. وهاتان الحالتان هما: شباب الجماعات الإسلامية وجمهور كرةَ القدم من المسلمين.. ووجدت كيف في كل فريق يحب ويكره على أساس غير الأساس الشرعي!!
ففي شباب الجماعات وكنت واحدا منهم قبل أن أتخلى عن فكرهم.. فالفرد منهم أو العنصر يرى أن فكره هو الدين وأن منهجه هو العقيدة وأن أفراد جماعته هم أتباع الصحابة وأن قادته هم علماء الأمة الثقات!!
على الرغم من أن هؤلاء الذين يراهم علماء هم شباب لا يتعدى عمرهم الثلاثين سنة.. ولم يجلسوا إلى علماء ليأخذوا عنهم العلم الشرعي وليس عندهم أدوات الفتوى أو الاجتهاد.. ولكن هكذا زعموا أنهم علماء الأمة بل وقادتها.. وأن غيرهم من الجماعات على خطر عظيم، وأنهم بعيدون عن جادة الطريق... وعليه أصبحوا يحبون على من هو على فكرهم وإن كان على تقصير من أمور الدين!! ويكرهون من ليس منهم وإن كان على عبادة وعلم شرعي.
وعلى الجانب الآخر، رأيت جمهور كرةَ القدم كيف يتعصبون لناديهم.. يحبون على أساسه ويعادون خصومهم حتى ولو كانوا إخوانهم!! بل وصل بهم الأمر أن يجعلوا لهم شعارا، وهو (عندما ابطل اشجع اموت)!! أو في معنى ذلك.
بل بعضهم من وصل به الأمر أن يفقد حياته من أجل الفريق الذي يشجعه!! علاوة على أن يترك صلاته وصيامه من أجل السفر وراء الفريق الذي يشجعه!!!
جمعت ذلك علاوة على بعض مواقف للصحابة والتابعين من قضية الولاء والبراء مشفوعة بالأحاديث والآيات مع تعقيب مني وضعته في الخاتمة... وذهبت بذلك كله مكتوبا الى فضيلة الشيخ سلمان العلوان حفظه الله وفرج الله كربه.. وكان وقتها قد بزغ نجمه في عالم الدعوة والعلم الشرعي وكثر حوله تلاميذه.. وبعد صلاة العشاء وبعد نهاية مجلسه في مسجده سلمته كتابي.. فأخذه مني وطلب مني أن أعود إليه بعد أسبوع.. وبعد المدة المحددة رجعت إليه ورأيته أنه راجع الكتاب مع تعليق منه على ما جاء في الكتيب.. فعدت إلى المكتبة وسجلت تعليقه وكتبت على غلاف الكتاب: "راجعه وعلق عليه فضيلة الشيخ سلمان العلوان".
وجئت إلى الخطوة الأخيرة وهي اختيار دار النشر فأرشدني أصدقائي إلى دار مسلم بالرياض.. وبالفعل اتصلت بهم وعرضت عليهم الأمر وأخبرتهم أن الشيخ سلمان راجعه فرد عليَّ مسئول الدار هذا جيد.. تعالَ إلينا في مقر الدار بالرياض، ومعك مسودة الكتيب مع تفويض منك واتفقنا على الموعد.
وقبل الموعد المحدد بيوم أو يومين، لا أتذكر الآن.. داهمت منزلي بعد صلاة العشاء قوة من الأمن العام السعودي الكائن بمدينة بريدة بالقصيم.. وألقت القبض عليَّ ورحلتني إلى أحد سجون بريدة.. ومن ثَمَّ إلى سجن الرياض قبل ترحيلي نهائيا إلى القاهرة مقيدا.. وأثناء استجوابي من قبل الضابط السعودي أخبرني بأنه تم القبض عليَّ.. بناء على طلب من وزارة الداخلية المصرية.. وأكد لي أنه راقبني خمسة عشر يوما فلم يجد عليَّ أيَّ ملاحظات من حيث الوضع السعودي بل قال لي: لو أنهيت مشكلتك في القاهرة فأنت مرحب بك في السعودية. ومنها كانت بداية غربة السجن التي استمرت قرابة عشر سنوات متواصلة.
وغادرتُ المملكة بعد 6 سنوات كانت من أجمل حياتي، دنيا ودينًا، على طائرة موثقا بالكلابش من مطار الرياض إلى مطار القاهرة.. كل ذلك بعد سلبي مسودة كتيبي الذي أصبح بعد وصولي إلى القاهرة في 23/3/1997 ضمن إحرازات قضيتي التي كانت معروفة إعلاميا وقتها (العائدون من السعودية).