الشيخ محمد عمران.. ملك المقامات.. حُرم من نعمة البصر بعد عام واحد من ولادته.. وسجل اسمه بين عمالقة المبتهلين
لم يحقق الشيخ محمد عمران من الشهرة والانتشار ما يليق بمكانته في دولة التلاوة ، ربما بسبب عمره القصير نسبيًا ، لكنه استطاع أن يحفر اسمه بحروف من نور في جيل عمالقة المبتهلين والقراء باعتباره آخر العباقرة بلا منازع، فقد حباه الله بصوت عذب، عريض يتسع لكل تعبير، بالإضافة إلى معرفته الواسعة بالمقامات والنغمات.
فقدان البصر
وُلد محمد عمران في طهطا بسوهاج في عام 1944 ، وحُرِم من نعمة البصر بعد عام واحد من ولادته، ليلتحق بأحد الكتاتيب فأتم حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة على يد الشيخ عبد الرحيم المصري.
وكان عمران في طفولته يحب اللعب ويأتي إلى داره الشيخ عبد الرحيم المصري ويقول له أتريد أن تهرب لتلعب وأنت الذي سأدخل بك الجنة، بعدها أتقن علوم التجويد على يد الشيخ محمود جنوط في مدينة طهطا.
وقد غادر "عمران" سوهاج قبل أن يتم عامه الثاني عشر ، والتحق بمعهد القراءات بطنطا، ثم التحق بمعهد المكفوفين للموسيقى، حيث تعلم أصول القراءات والإنشاد وعلم النغم والمقامات الموسيقية وفن الإنشاد الديني على يد سيد موسى الكبير، وحصل على الثانوية الأزهرية، وكان يحب القراءة والاطلاع، وبحثًا عن لقمة العيش.
قراءة القرآن
عمل الشيخ عمران في شركة حلوان للمسبوكات، فجعلته قارئًا للقرآن الكريم بمسجدها الكائن بموقع الشركة، وذاع صيته وانتشرت شهرته بين العمال، فتقدم بعد ذلك لاختبار الإذاعة المصرية في بداية السبعينيات، وتم اعتماده مبتهلًا بعد نجاحه وتميزه في امتحان الأداء.
ولُقب الشيخ عمران فيما بعد بنساج المقامات الموسيقية وملك الإنشاد، فقد أنشد وشارك في الغناء للعديد من البرامج الدينية الغنائية، وفي الاحتفالات بالمولد النبوي وآل البيت والأمسيات والمناسبات التي أقيمت بدار الأوبرا المصرية، وسجل في الإذاعة عددًا كبيرًا من الأناشيد والابتهالات، التي منها "أسماء الله الحسنى" و"أدركنا يا الله" مع الشيخ سعيد حافظ، بالإضافة إلى بعض التترات للمسلسلات الدينية.
كما أنه سجل أيضا دعاء الصالحين وابتهالات أخرى عدة، في أوائل السبعينيات، وبدأ بألحان الموسيقار حلمي أمين، ثم شاركه بصوته في ألحان برامج دينية غنائية، قبل أن يؤدي ألحانا أخرى للشيخ سيد مكاوي، وعندما سمعه الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب أثنى عليه، وسجل معه بعض الابتهالات.
الابتهالات الإذاعية
وبدأت بصمات الشيخ عمران تتجسد عبر الابتهالات الإذاعية في أسماع الناس، وذاع صيته في دولة التلاوة من خلال مشاركته في إحياء المناسبات الدينية المذاعة وغير المذاعة، وتعاقدت معه إحدى شركات الكاست لتسجيل بعض سور القرآن الكريم بصوته، قبل أن يشارك في إحياء عدة ليال بدار الأوبرا.
واختير الشيخ عمران قارئا للسورة بمسجد الحاج أحمد عبد المنعم خلف كوبرى الجامعة بالجيزة، وحرصت عدة إذاعات عربية على تسجيل القرآن جنبا إلى جنب مع الابتهالات بصوت الشيخ عمران، في البحرين وأبوظبي وعمان وغيرها، فقد استطاع أن يُخلد اسمه بين عظماء تاريخ الإنشاد الديني، الذي تربع على عرشه الشيخ على محمود، والمشايخ إبراهيم الفران ومحمد الفيومي وعبد السميع بيومي وسكر والفشني والنقشبندي، ليكون في مقدمة الصفوف باعتباره مزيجا متفردا من كل هذه الأصوات المتميزة وأحد أبرز الأصوات الجميلة المعطاءة التي كان المسلمون يستيقظون عليها لأداء شعائر صلاة الفجر من الإذاعة المصرية.
سورة مريم
كانت سورة مريم أحب سور القرآن لقلب الشيخ محمد عمران، حيث كان يؤديها كل مرة بمزاج عال للغاية، وكان له عدد من الابتهالات التي لا يمكن نسيانها بسهولة مثل(سبحان من عنت الوجوه لوجهه، الله ربي للهدى يهديني، الليل أقبل والوجود سكون، أنا يا الهي ما عبدت سواك، فكم لله من لطف خفي).
ووفقا لكتاب "عباقرة التلاوة في العشرين" لشكري القاضي، يرى الشيخ محمد عمران أن المنشد لابد أن يكون قارئا للقرآن الكريم في الأساس، وأن معظم المنشدين المقيدين بالإذاعة في ذلك الوقت كان لا يصلح منهم إلا عدد قليل يعد على أصابع اليدين.
وعلي الرغم من الموهبة التي رزقها إياه المولى عز وجل والتي أجمع عليها الجميع إلا أنه لم يأخذ الشيخ "عمران" نصيبه في الشهرة داخل مصر، وقد يكون السبب وراء ذلك هو علاقة الشيخ بالإعلام والإعلاميين في ذلك الوقت، حسبما قال الكاتب شكري القاضي في كتابه "عباقرة التلاوة في العشرين"، فهو يقول:"إنه قد حالت ظروف الشيخ الخاصة بعد أن كف بصره في سن مبكرة، ثم أصيب بمرض السكر في عنفوان شبابه، دون مزيد من العطاء القرائي، قد تكون قد أثرت على مزاجه بالسلب في بعض الأحيان وأثرت أيضا على علاقته بالإعلام والإعلاميين إلى حد يدعو للأسف".
رحيله
ويقول شكري القاضي: إنه وعندما فاضت روح الشيخ محمد عمران إلى بارئها في أواخر 1994 لم تتطوع جريدة أو مطبوعة واحدة بنشر خبر رحيله، واكتفت في ذلك الوقت جريدة اللواء الإسلامي التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم بنشر خبر على العمود بصفحتها الثانية وباقتضاب شديد عاش الشيخ محمد عمران 50 عاما ما بين مولده في مركز طهطا بمحافظة سوهاج وحتى رحيله في 15 أكتوبر عام 1944.
وكما ذكر في الكتاب فإنه لم يغادر مصر على الإطلاق سوى مرة واحدة سافر فيها إلى الأراضي المقدسة لأداء العمرة.
نقلًا عن العدد الورقي...