د. محمود فوزي: روشتة التخطيط الإستراتيجي لبرامج المسئولية الاجتماعية
لقد تحوّلت مجالات وبرامج المسئولية الاجتماعية للشركات من الطابع الاختياري "الطوعي" إلى كونها شبه إلزامية، خاصًة على مستوى الشركات العاملة علي النطاق الدولي والتي صارت ملزمة بتطبيق معايير الحوكمة ومواطنة الشركات، لا سيما مع اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية التي تعاني من نقص الوعي بأبعاد مفهوم المسئولية الاجتماعية، وآليات تطبيقه.
كما صارت العديد من الشركات تعاني من الخلط بين مفهوم المسئولية الاجتماعية، الذي أصبح ملازمًا للتنمية المستدامة بشقيها الاقتصادي والبيئي، وبين مفهوم العمل الخيري، وهو ما يمثل اختزالًا للمسئولية الاجتماعية للشركات ودورها في عمليات التغيير الاجتماعي.. على مستوى البيئتين الداخلية و الخارجية للشركات.
وقد أشار (السيد تركي 2014) إلى هذه الإشكالية، مؤكدًا أن بعض الجوانب في قانون العمل المصري وطريقة تنفيذه قد يكون لها تأثير سلبي على التنافسية، وهو ما يمثل تحديًا أمام الشركات الخاصة والحكومية.. فعلى سبيل المثال نجد أن حسن معاملة الموظفين يساعد على تنمية ولائهم وتحسين ومضاعفة الإنتاجية، بينما تتيح تشريعات العمل الصارمة فرصًا لأصحاب الأعمال للالتفاف حول القوانين والتخلص من الأعباء غير المنطقية، والتى تحد من قدراتهم التنافسية، هذا إلى جانب كثرة عدد مؤسسات الأعمال العاملة في القطاع غير الرسمي.. وبالطبع يصعب على الحكومة مراقبة تلك المؤسسات وإلزامها بمعايير العمل.
في المقابل فإن أغلب الشركات الخاضعة للحكومة تواجه هي الأخرى إشكالية عدم الاستقلالية التامة للمنظمة؛ مما يفرض عليها اتساق وارتباط برامج مسئولياتها الاجتماعية مع الاستراتيجية الحكومية.. ومن ثم تغليب بعض المبادرات ومنحها أولوية خاصة على حساب الأنشطة الموجهة نحو كل من الموظفين و العملاء؛ فضلًا عن الحد من القدرة التنافسية للمؤسسة، وتقليص مساحة الحرية أمام المدراء والمسئولين، الذين يتحتم عليهم الالتزام بجوانب المسئولية الاجتماعية، وإن تعارضت مع اتجاهاتهم ومعتقداتهم الأيديولوجية والليبرالية؛ مما قد يسبب معوقًا لها.
قد يبدو الحل بسيطًا وهو تقديم مقترح للتخطيط الاستراتيجي لبرامج المسئولية الاجتماعية، كي تتفادى الشركات مثل هذه التحديات، مع ضمان الارتقاء علي نحو مواز بفاعلية وكفاءة برامجها ومبادراتها التنموية، وترتكز جوانب هذا التخطيط الاستراتيجي على أربعة أركان.
الأول هو الحكومة التي عليها أن تضطلع بأعمال الرقابة الإدارية والتنفيذية على برامج المسئولية الاجتماعية للشركات والجمعيات، وإرساء استراتيجية تنفيذية سنوية لبرامج المسئولية الاجتماعية بالتنسيق مع ممثلي الشركات وفقا للأهدف القومية للدولة، فضلًا عن تشكيل لجان تنفيذية متخصصة لفحص المبادرات المجتمعية وتيسير الإجراءات الإدارية لتنفيذها.
والثاني هي الشركات التي عليها أن يلتزم أصحابها بتوجيه برامج مسئولياتهم المجتمعية نحو الأهداف القومية للدولة ومصلحة المجتمع، على أن تراع خطط الشركة التوازن الاستراتيجي في تغطية الجوانب المتعددة لبرامج المسئولية المجتمعية، وتجنب الدعاية الزائفة وتوقيع شراكات، فضلًا عن إصدار تقارير دورية لمؤشرات التنمية المستدامة من واقع رقابتها الذاتية على مخرجات ونواتج أعمالها.
والثالث هي الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، التي يتحتم عليها الوقوف على الأهداف الدقيقة لبرامجها التنموية لكل من الشركات والمواطن من واقع دراسات بحثية ومنهجية دقيقة، والحرص على تأهيل متخصصيين في الأعمال الإدارية والتنفيذية للمبادرات التنموية، وكذلك التفاعل مع المواطن المستهدف من البرامج التنموية، وفتح قنوات حوارية متواصلة معه.
ويتمثل الجانب الرابع والأخير في وسائل الإعلام وما تقوم به من تغطية موضوعية محايدة بشقيها الخبري والتحليلي لجميع مبادرات المسئولية الاجتماعية، مع مراعاة التوازن في عرض جانبي مقدم الخدمة ومتلقي الخدمة، وتخصيص برامج وصحف دورية في تغطية برامج المسئولية الاجتماعية للشركات، إلي جانب تسليط الضوء علي المبادرات التنموية الهادفة، ونقد الجوانب السلبية فيها، مع مراعاة بساطة المضمون الإعلامي في تغطية برامج المسئولية الاجتماعية لأنها موجهة بالأساس نحو المواطن البسيط.