مصر بعد "كورونا"
نجحت حكومة الدكتور مصطفى مدبولي إلى حد كبير في حربها ضد فيروس كورونا المستجد.. فيما فشل نسبة كبيرة من المصريين.. سلوكياتهم لم تتغير.. العشوائية غلبت عليها.. زحام الأسواق، ووسائل المواصلات استمر كما هو.. وكأننا لسنا في ظروف استثنائية.. ولم يدركوا أن الاستهتار عواقبه وخيمة، وأن دولًا، مثل إيطاليا، تسبب عدم الالتزام من أهلها في كارثة، دمرت الدولة وسكانها واقتصادها..
مشاهد أخرى استفزتني.. في الأجهزة والهيئات التي يسمح فيها بالتناوب بين العاملين بها في مسألة الحضور.. تحول الموقف إلى أشبه بـ "السداح مداح".. نسبة غالبية من الموظفين أباحوا لأنفسهم الغياب، وتعطيل مصالح المواطنين، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التفكير في الخسائر التي يمكن أن يتكبدها الناس، جراء ذلك الداء اللعين، المتجذر في الكثير من النفسيات المصرية؛ الإهمال!!
هذا إذا تغاضينا عن مؤامرات الجماعة الإرهابية، ومحاولاتها التي لا تهدأ لاستثمار الأزمة لتنفيذ أغراضها الخبيثة.. وتأليب الناس على الحكومة، وإثارة نفوسهم من خلال شائعات مغرضة، وأكاذيب رخيصة.
اقرأ أيضًا: حرب الراديو في أفريقيا
اذهب إلى أي مصلحة حكومية لن يستقبلك فيها إلا عمال النظافة والسعاة والفراشين!! يحدث هذا على صعيد المصالح الحكومية.. والهيئات الخدمية، حيث تتراخى القبضة الرقابية والإشرافية على العاملين بها.. على العكس تمامًا من الوضع في القطاع الخاص.. حيث لا يُسمح على الإطلاق، بأي تصرف يمكن أن يؤدي إلى فقدان إيرادات..
فالشركات الخاصة لا تعرف سوى لغة الأرباح.. لا مجال فيها للتهاون و"التهريج"، وإضاعة الوقت.. كل دقيقة لها ثمنها، وينبغي أن يكون لها ربحها.. أي موظف أو عامل يجب أن يؤدي عمله على أكمل وجه، وإلا فإن هناك العشرات على أتم استعداد لأن يحلوا محل المقصر.
كان أستاذنا صلاح قبضايا، رحمه الله، يردد دائمًا أن نظام الحكومة في العمل، والحقوق اللانهائية التي تمنحها للمنتسبين إليها، تتسبب في تشجيعهم على التسيب والإهمال.. وكان يرى أن تلك المنظومة لا تؤدي إلا إلى الفشل الذريع!! على النقيض من نظرية القطاع الخاص التي لا يفكر أصحابها إلا في النجاح.. فلا استمرارية إلا في ظل النجاح..
من هنا يجب أن تكون هناك أفكار خارج الصندوق دائما وأبدًا.. فالمنافسة مستمرة، والصراع داخل الأسواق على أشده.. أما الحكومة فلا صاحب لها، وموظفوها لا رقيب عليهم، وحقوقهم، بكفالة القانون، كثيرة جدًّا، ولا يستطيع المدير، إن أراد تغيير الواقع المؤلم، أو حتى علاج مشكلة، ومحاسبة مخطئ، أن يفعل شيئَا إزاء تلك الغابة التشريعية التي تغل يديه لصالح مرؤوسيه..
فتجد العامل، أحيانًا، أقوى من رئيسه.. حيث يقول له، إن أراد عقابه، أو محاسبته: "أنا مثلك في نظر القانون.. وليس من حقك أن تفعل كذا وكذا".. والعقوبات على الأخطاء والمخالفات مضحكة.. مثل خصم يوم أو ثلاثة أيام من الراتب كعقوبة على جريمة جسيمة، أو اللوم أو الإنذار.. عقوبات تافهة، وغير حاسمة.
اقرأ أيضًا: السودان.. هل يستوعب الدرس؟!
آن لقانون الخدمة المدنية أن يتم تفعيله، وأن يُحترم، ويتم تطبيقه بكل حزم، فيستأصل الفاشل، ويتم تصعيد المجتهد، وأن يتم تمكين الشباب، وأن تكون معظم القيادات منهم.. بحيث يتم استبعاد من يتجاوزون الخمسين من كل المناصب القيادية، باستثناء الحقائب الوزارية، وأن يتم تمييزهم في المرتبات، ويؤخذ برأيهم في المشكلات التي تتطلب حلولًا تحتاج إلى خبرات، أو يتم تعيينهم كمستشارين..
لا بد من عملية تغيير دماء شاملة.. وأن تكون هناك ثورة إدارية حقيقية في جميع أنحاء البلاد.. ما سيؤدي إلى تنمية شاملة في كافة القطاعات.. عقلية القطاع الخاص يجب أن تتحكم في إدارة المصالح التي تتبع الحكومة والقطاع العام.. والضرب بشدة على أيدي الفاسدين والفاشلين والمهملين.
نتمنى أن تكون مصر بعد "كورونا" عكس ما كانت عليه قبلها.