خطورة "الحقوق والحريات" على البنيان الوطني
حرية التعبير عن الرأى لا يقتصر أثرها على صاحب الرأى وحده, بل يتعداه إلى غيره وإلى المجتمع ومن ثم لم يطلق الدستور هذه الحرية وإنما أباح تنظيمها بوضع القواعد والضوابط التى تبين كيفية ممارسة الحرية بما يكفل صونها فى إطارها المشروع دون أن تجاوزه إلى الأضرار بالغير أو بالمجتمع.
وإذا كان الدستور قد كفل حرية التعبير عن الرأى بمدلول عام ليشمل حرية التعبير عن الآراء فى مجالاتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا أن الدستور مع ذلك عنى بإبراز الحق في النقد الذاتي والنقد البناء باعتبارهما ضمانتين لسلامة البناء الوطني, مستهدف بذلك توكيد أن النقد، وأن كان فرعًا من حرية التعبير.. وهي الحرية الأصل التى يرتد النقد إليها ويندرج تحتها.
الأزمة الحائرة بين طارق شوقي والدكتور يوسف عامر
إلا أن أكثر ما يميز حرية النقد «إذا كان بناءً» إنه في تقدير واضعي الدستور ضرورة لازمة لا يقوم بدونها العمل الوطني سويًا على قدميه، وما رمى إليه الدستور في هذا المجال هو إلا يكون النقد منطويًا على آراء تنعدم قيمها الاجتماعية كتلك التى تكون غايتها الوحيدة شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية أو التي تكون منطوية على الفحش أو محض التعريض بالسمعة.
والدستور المصري مسايرًا في ذلك الاتفاقيات الدولية المقررة لحقوق الإنسان قد كفل حرية التعبير بمدلوله العام, وفي مجالاته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبجميع وسائل التعبير وضمانًا من الدستور لحرية التعبير والتمكين من عرضها ونشرها بأى وسيلة.
وعلى ذلك فإن هذه الحرية لا تنفصل عن الديمقراطية, وأن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه غير مقيدة بالحدود الإقليمية على اختلافها, ولا تنحصر فى مصادر بذواتها بل قصد أن تترامى إقامتها, وأن تتعدد مواردها وأدواتها معصومة من ثمة أغلال أو قيود، إلا تلك التى تفرزها تقاليد المجتمع وقيمه وثوابته بحسبان أن الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور ليست حريات وحقوق مطلقة، وإنما هي مقيدة بالحفاظ على الطابع الأصيل لقيم المجتمع وثوابته وتقاليده والتراث التاريخي للشعب والحقائق العلمية والآداب العامة.. وللحديث بقية.