في ذكرى مولده.. قصة محنة "ابن رشد" وحرق كتبه
تحل اليوم الثلاثاء، الموافق 14 أبريل، ذكرى ميلاد المفكر والفيلسوف والفقيه الأندلسي ابن رشد، والذي ولد عام 1126 م، في مدينة قرطبة، حيث يعد من كبار علماء المسلمين، خلال فترة حكم الأندلس، والتي امتدت لثمانية قرون.
أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد، نشأ في أسرة من كبار أسر الأندلس، والتي عرفت بالمذهب المالكي، حفظ موطأ الإمام مالك، وديوان المتنبي، كما درس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري.
ويعد ابن رشد من أهم فلاسفة المسلمين، حيث دافع عن الفلسفة وصحح للعلماء فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو.
طرق ابن رشد أغلب العلوم الإنسانية، في زمانه، وأسهم في علم الأخلاق من منطلق مذهبي أرسطو وأفلاطون، كما ألف العديد من الكتب في علم النفس، وأسهب فيه، بالإضافة إلى علم الفيزياء حيث وصفه مؤرخ العلوم، "روث جلاسنر" بعالم مفسر استحدث عدة فرضيات جديدة عن الطبيعة عن طريق مناقشة الكتابات القديمة.
عاصر ابن رشد، حكم دولة الموحدين في الأندلس والمغرب العربي، حيث كان مقربا من بلاط الخلافة، وتولى القضاء عام 1169م في إشبيلية ثم في قرطبة.
واستدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف إلى مراكش مقر حكم الموحدين، وجعله طبيبه الخاص، وقربه منه وقضى فيها قرابة عشر سنوات، وكان الخليفة أبو يعقوب يستعين به للقيام بمهام رسمية عديدة.
ولما توفي أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه يعقوب المنصور، دخلت دولة الموحدين في مرحلة انحطاط ثقافي وفكري وعلمي، وبدأ الهجوم على علوم الفلسفة والمنطق، حيث حرض بعض رجال الدين بدولة الموحدين الخليفة الجديد على ابن رشد وأفكاره، وحثه على محاكمته، فيما عرف بعد ذلك بمحنة ابن رشد
ويقول الكاتب إرنست رينان في كتابه "ابن رشد والرشدية"، عن محنة "ابن رشد": "لا يمكن الشك في أن الفلسفة كانت عامل محنة ابن رشد الحقيقي، ذلك أنها صنعت له من الأعداء الأقوياء ما جعلوا صحة اعتقاده موضع شبهة لدى المنصور".
وبالفعل أمر المنصور بتقديمه للمحاكمة، وأدين بالزندقة ونفي إلى قرية يهودية في الأندلس تسمى أليسانة، وأصدر قرارا يأمر فيه بإحراق كتب ابن رشد، وكتب الفلسفة وعلومها.
وبعد سنوات عفا المنصور عنه وعاد إلى مراكش، وذلك بعد أن شهدت جماعة من الأعيان بإشبيلية لابن رشد أنه على غير ما نسب إليه.
ويروي عدد من المؤرخين أن الخليفة يعقوب المنصور علم متأخرا أهمية مكانة ابن رشد، حيث عفا عنه عام 1198م، لكنه توفي في نفس السنة.
ويقول محمد يوسف موسى في كتابه ابن رشد الفيلسوف: "كان ابن رشد إمام عصره في الفقه وعلوم الفلسفة، وكان مع ذلك أشد الناس تواضعا، وأخفضهم جناحا، فهل هذا علة ذاك أم العكس؟ أي إنه كان كبيرا في علمه فكان كبيرا في تواضعه".
ويضيف: "عرف العالم فضله في الوقت الذي كان ينكره ولا يعرفه فيه العرب، وما تأخروا إلا بتركهم ملكة العقل التي يعد ابن رشد أحد أبرز روادها".
تمثال ابن رشد في مدينة قرطبة بإسبانيا