خبير أمني صومالي: إغلاق المدارس المصرية جزء من مشروع تركيا الإخواني
كشف الخبير الأمني الصومال آل كارسى عن أسباب التحركات المفاجئة التى قامت بها السلطات الصومالية مؤخرا فيما يتعلق بالعلاقات مع مصر وبعض الدول العربية، مشيرًا إلى أن الصوماليين لا ينسون دور مصر فى استقلال بلادهم وحفظ هويتها.
وأوضح الخبير الصومالى فى حوار مع وكالة «فرات» للأنباء، طبيعة الأطماع التركية فى الصومال والقرن الأفريقى، وكيفية تطبيق أردوغان لمشروع العثمانية الجديدة فى هذه المنطقة، من أجل السيطرة على سواحل الصومال وجعلها مركزا لتجارة السلاح غير المشروعة، وكذلك التنقيب عن الثروات فى أراضيه ومياهه كما يسعى لذلك فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى تحويله إلى محطة لتوزيع المقاتلين سواء فى اليمن أو ليبيا أو غيرها من مناطق التدخل التركى، ونرصد الحوار فيما يلى:
كيف توضح لنا بدايات التوغل التركى فى منطقة القرن الأفريقى وصولا إلى حضورها العسكرى وتدخلاتها التخريبية حاليا؟
التحركات التركية فى القرن الأفريقى والمحيط الافروآسيوى عام 1998، بدأت بعمل منهجية فى العلاقات السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية حيث أعد جهاز مستشارية الخارجية التركية عام 2003 إستراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية، ما مكن تركيا من الحصول على منصب مراقب للاتحاد الأفريقى عام 2005، وفى 12 أبريل 2005 كلفت أنقرة سفارتها فى إثيوبيا بأن تكون السفارة التركية المعتمدة لدى الاتحاد الأفريقى والتى تم اعتمادها رسميا فى الاتحاد الأفريقى عام 2008، وتم إعلان تركيا شريكا إستراتيجيا للاتحاد الأفريقى، وذلك فى مؤتمر القمة العاشرة الذى عقد فى أديس أبابا فى شهر يناير عام 2008، ومكنها أيضا من الانضمام إلى منظمة إيجاد والتى تشرف قواتها على الامن فى الصومال فى يونيو 2008، واعتمدت سفارتها فى دار السلام لدى مجموعات دول شرق أفريقيا EAC.
وحصلت تركيا على عضوية بنك التنمية الأفريقى والممول لعدة مشاريع فى الصومال، وقامت كذلك بعقد القمة التركية الأفريقية عام 2008 والتى ساهمت بأن تفتح أهم سفارتين لها فى أفريقيا، وكانتا فى مقديشو وأديس أبابا، وذلك فى نفس السنة، ثم افتتحت بعدها أكثر من 25 سفارة وملحقية قنصلية وهذا غير مراكز تعليم اللغة التركية مجانا، وهذا يتزامن مع اهتمام تركيا المنصب فى القرن الأفريقى والتى بنت عليه خطواتها التالية واسمتها الخطة التنفيذية المشتركة للتعاون التركى الأفريقى (2012-2014)، وهذا غير أن تركيا خصصت يوم خاص تنظمه سنويا وهو يوم أفريقيا، كما نجحت تركيا فى التغول فى عضوية مجالس صداقات برلمانية أفريقية، مما اهلها بأن تستغل الأزمة العالمية المالية، وتستضيف مؤتمر الصومال الذى عقدته الأمم المتحدة عام 2010 فى إسطنبول حيث أظهرت تركيا نفسها خلال الأزمة العالمية، وسط انشغال العالم باقتصاده، حيث عملت على الظهور على أنها منقذة لدول القرن الأفريقى، كما قامت باستقطاب دبلوماسيين افارقة تحت ستار "البرنامج التعليمى الدولى الدبلوماسى الشبابي" تحت إشراف الخارجية التركية.
كيف تعكس التوسعات التركية تطبيق مشروع أردوغان التوسعى أو ما يسمى الخلافة العثمانية الجديدة؟
هذه التدخلات التركية فى القرن الأفريقى بدأت مع مخططات نشر الفوضى فى الوطن العربى بواسطة "الخريف العربي" والفوضى التى تدعمها تركيا، وتقول إنها تستجيب لتطلعات شعوب القرن الأفريقى، وأنها تملأ الفراغ الناتج عن التغيرات الناتجة عن انتهاء الحرب الباردة، وظهور نظام دولى متعدد الاقطاب مما يعنى الحصول على فرصة للتدخل المباشر فى الشأن الصومالى، وتمرير اجندتها أثناء عضويتها فى منظمة الأمم المتحدة فى الدول غير العضوية الدائمة عام 2009-2010 مترادفا مع خططتها الخبيثة فى السيطرة القرن الأفريقى، كما أرسلت مساعدات فى الصومال فى نفس الفترة أثناء الأزمة الإنسانية، كما تتذرع تركيا وتروج بوجود قبور عثمانية تاريخية فى القرن الأفريقى، وتواصلت مع أصحاب الطرق الصوفية، وافهمتهم انهم أصحاب الحق فى القبور المحيطة بقبر النجاشى رحمة الله، وهذا منشور مع السفير الإثيوبى لدى انقرة عام 2008، حيث قال إن تاريخ تركيا يخلو من أي خلفية احتلالية، كما جندت تركيا طواقم من الطرق الصوفية التركية، خصوصا عند قبر النجاشى الموجود فى إثيوبيا، ورفعت اعلامها التركية فى جوار قبره، ورممت محيطه لتختزل تاريخ النجاشى وتوهم الناس أنه تاريخ وشخصية عثمانية، وهذا خبث واستغلال لتاريخ شخصية معروفة منذ مطلع الإسلام، وهذا نفس ما يجرى فى الصومال فعندما تزور مسجد الأركان الأربعة فى مقديشو سترى العلم التركى على بابه، وهو المسجد الذى بنى قبل 771 سنة وقد رفع فى عام 2016 العلم التركى عليه لتضليل الشعب الصومالى، وإظهار انهم من بنوا المسجد، وإظهار انهم فاتحين الإسلام فى الصومال، وأنه مسجد تركى وليس صومالى.
كما قامت تركيا عبر منظمة "الاسراء" التركية، وهى منظمة تابعة للمخابرات التركية والتى تعمل على قدم وساق مع منظمة "تيكا" التركية للتوغل فى دول القرن الأفريقى، ووظفت مجندين فى أماكن حساسة فى المنافذ الجوية والبحرية فى دول القرن الأفريقى، وهذا يوضح سياسة أردوغان لتتريك القرن الأفريقى ونشر الأفكار المتطرفة الاخوانية التى تدعمها تركيا، وإعطاء ذريعة التدخل العسكرى الأجنبى، وتعقيد الأزمات والمشكلات الاقتصادية التى تعانى منها دول القرن الأفريقى.
كيف كان تاريخ العلاقات المصرية الصومالية؟
بالإشارة إلى العلاقات الصومالية المصرية، سأضرب لكم مثالا واحد، وهو الشهيد بإذن الله السفير المصرى محمد كمال الدين صلاح، والذى استنجد به الصوماليين والزعامات القبلية والقيادات السياسية قبل الاستقلال من الاحتلال البريطانى والإيطالى لدعمهم ومساعدتهم على الحفاظ على الإسلام واللغة العربية والهوه العربية، حيث طالباه الرئيسان الصوماليان عبد الله ادم وعبد الرشيد شرماركه، بضرورة حضور مصر فى الصومال ومخاطبة المحتل المندوب الممثل للاحتلال للسماح بتعليم وتدريس اللغة العربية بعد رفض الأخير، وسط حالة من عدم وجود أي ميزانية وتسهيلات لتدريس اللغة العربية والإسلام، لتأتي مصر وتجبر المحتل، مشيدًا بموقف الشهيد الذى طلب من الرئيس جمال عبد الناصر إرسال ما يحتاجه الشعب الصومالى من احتياجات لتعليم طلابه علوم الإسلام واللغة العربية وامر ببناء مدارس تعليمية على نفقة الحكومة المصرية، وهذا كان فى عام 1953-1954، كما أن التاريخ يشهد أن الشهيد محمد كمال الدين قد سافر إلى أمريكا واسيا بغية دعم استقلال الصومال عن المحتل، كما سافر إلى عدة دول أفريقية لشرح قضية استقلال الصومال عالميا، ما اغضب القوة الغربية والأجنبية، فأرسلت من يغتاله رحمه الله.
وما كان إلا أن قال الرئيس المصرى جمال عبد الناصر للمعزين من الوفد الصومالى نحن سبعة وعشرين مليون كمال الدين، ومستعدين للتضحية من أجل حرية شعب الصومال الشقيق، لذلك نحتفل فى كل عام بيوم 16 أبريل، بيوم الشهيد المصرى الصومالى، وهو عرفان لمكانة الشهيد محمد كمال الدين، والذى منحه الرئيس الصومالى الجنسية الصومالية له ولعائلته، مشيرًا إلى أن مصر كانت ممثل الصومال وصوته فى كل المحافل الدولية فى الخمسينات والستينات وهذا يوضح عمق العلاقات الصومالية المصرية.
هل يعانى الصومال من غياب للدور العربى مقابل حضور الاجندات التوسعية الإقليمية؟
نعم الصومال يعانى غياب عربى فى الاعلام العربى وداخل الصومال وخارج الصومال، الا قليلا يتحدث عن حقيقة ما يحصل داخل الصومال وسط تكتم وتضليل الرأى العام الصومالى من قبل النظام الحاكم الذى يدعى أنه حيادى وعادل ويلتزم بالدستور الصومالى والقوانين الدولية، ولكن الواقع ما يفعله هو مناقض للمصلحة الوطنية الصومالية، حيث تسيطر عليه مصالح قطر وتركيا، ويغلبها على المصالح الوطنية الصومالية وهويته الوطنية ومصيره العربى المشترك، وظهر ذلك جليا فى قرارات عدة اتخذها الرئيس "الإخوانجي" فرماجو وحكومته المخترقة والمعينة من قبل قطر وتركيا، تمثلت فى رفض فرماجو دعم مصر فى موقفها فى سد النهضة، كما رفض إدانة قطر بأى اتهام رغم وجود أدلة قطعية على تورط قطر فى العمليات الإرهابية داخل الصومال.
وفاة رئيس الوزراء الصومالي الأسبق بعد إصابته بفيروس كورونا في لندن
لقد قرأت مؤخرا عدة مقالات لكتاب صوماليين بوسائل اعلام تركية وقطرية توجه انتقادات لمصر، ولاحظت تزامن ذلك مع قرار حكومة فرماجو بإغلاق المدرسة المصرية فى مقديشو، وذلك تزامنا أيضا مع تسجيل الصومال تحفظه حول القرار العربى الداعم لمصر فى موضوع سد النهضة، برأيك ما سر هذا الهجوم المفاجئ؟
الاقلام التى تكتب ضد مصر هى اقلام مستأجرة، ولا تمثل حقيقة حب الصوماليين للمصرين ولا ينسى الصوماليون ما قدمته مصر للصومال لتحقيق استقلاله، أن ما يحدث هو معركة مفصلية فى تاريخ الصومال، فإغلاق المدارس العربية والمصرية الذى يقوم به نظام فورماجو "الإخوانجي" هو تكمله لمشروع تتريك الصومال، وعزله عربيا وإبعاده عن التيار العربى الذى هو منه، كما لاحظنا عدم اهتمام الحكومة الصومالية بالمدارس العربية التى تمولها الحكومة المصرية بناء على بروتوكولات ومذكرات تفاهم عام 2008 و2015 وتم تجديدها عام 2018 بموافقة حكومة فورماجو، ولكن فى ظل انبطاح الحكومة وتغلغل عناصر اخوانجية إرهابية فى مفاصل الدولة الصومالية والتى تم تعيينها بواسطة مذيع قناة الجزيرة ومدير مكتب الرئيس فورماجو سابقا ومدير جهاز المخابرات الفيدرالى الصومالى فهد ياسين، ورغبة تركيا فى الاستحواذ والسيطرة على ثروات وخيرات الشعب الصومالى والسيطرة على الممرات البحرية، حيث تمول تركيا عمليات إرهابية وترسل إرهابيين لدول القرن الأفريقى بمساعدة التدخلات الإثيوبية، بحيث تستغل تركيا الاتفاقية العسكرية مع الصومال فى الالتفاف على حظر شراء السلاح على عدة دول بالقرن الأفريقى، وهو ما يهدد بخلق ازمات ونشوء حروب وزعزعة الامن لدول القرن الأفريقى، كما أن أنقرة تستغل الاتفاقية العسكرية الصومالية التركية لبناء عدد غير محدود من القواعد التركية داخل الصومال وعلى سواحلها للتدخل فى المنطقة وتهديد أمن البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب وقناة السويس.
مع انتشار عمليات المنافسة التركية مع خصومها فى الصومال وانطلاقا من أراضيه كيف حولت تركيا وجودها فى الصومال إلى محطة استخباراتية ونقطة ترانزيت لنقل السلاح إلى القرن الأفريقى؟
بعد أن فشلت تركيا فى نهب النفط وخيرات ليبيا، قال أردوغان لصحفيين ولمرافقيه بعد خروجه من قمة برلين فى الشأن الليبى لا يهمكم فلدينا خيارات أخرى، وهذا ما ظهر بتزامن من استثمارات قطرية فى كينيا، وسوء استخدام تركيا للاتفاقية العسكرية مع الصومال بحيث تستخدم ميناء مقديشو الذى يديره صهر أردوغان ووزير المالية التركى الحالى بيرات البيرق، ومن ثم ترسل الاسلحة إلى مناطق الصراع العرقية والقبلية والطائفية والسياسية داخل القرن الأفريقى ومحيطه، حيث يقدم النظام التركى أموال طائلة للمرتزقة لإرسالهم إلى كل من اليمن براتب شهرى 5000 دولار و2000 دولار إلى ليبيا و1500 داخل القرن الأفريقى، وتشرف منظمات تركيا على أهم منفذ بحرى فى البحر الأحمر فى ميناء جيبوتى، وهذا يفسر ضبط اسلحة تركيا فى ليبيا وإثيوبيا.
كيف ترى علاقات مصر والإمارات بإقليم أرض الصومال وهل ذلك سبب فى الخصومة مع حكومة مقديشو؟
ان العلاقات المصرية والإماراتية مع كل الاطراف فى الصومال هى علاقات متوازنة وتتمتع بقبول مجتمعى، وهى مبنية على احترام القوانين الدولية والمصلحة الوطنية للصومال، والإمارات كانت أول من يرسل قوات لحفظ السلام فى الصومال عند انهيار الصومال فى التسعينات، وقامت الإمارات بأكبر حملة إنسانية لإنقاذ الصومال فى أزمة جفاف الصومال عام 2011، كما أن العلاقات الصومالية الإماراتية تمتد لمئات السنين وكذالك بينا عمق فى العلاقات المصرية الصومالية.
كيف يمكن أن نفهم ماهية العلاقة بين "حركة شباب المجاهدين" وحكومة الرئيس الصومالى وكل من تركيا وقطر؟
من أخطر ما يواجه الصومال هو الفساد التى تعانى منه الحكومة الصومالية، وظهر ذلك جليا فى رفض الرئيس فورماجو ورئيس حكومته، إدراج حركة الشباب الصومالية الإرهابية فى قوائم الإرهاب الدولى لدى منظمة الأمم المتحدة، كما يواجه الصومال خطر افساد فورماجو وسحب قضية النزاع البحرى مع كينيا من محكمة العدل الدولية، إرضاء لقطر وإثبات ما يشاع بلسان الحكومة التركية عن نيتها التنقيب فى المياه الصومالية وبذلك ستكون مهددا رئيسيا لأهم ممر بحرى، "ممر خط الحرير" والذى تمر به 60% من التجارة، وسط تنازعات من عدة دول ضاغطة تسعى للتنقيب عن النفط فى المنطقة، وفى جنوب الصومال المتنازعة بحريا مع كينيا، وهذه الامتيازات كانت النرويج تطمح لها فى الثمانينات.