بغنوة وصوت كمنجة.. طبيب يخفف عن زملائه في مستشفى أبي خليفة للعزل | صور
في تلك الفترة العصيبة وبينما أصبحت رائحة المرض والموت تزكم الأنوف أينما نولي وجوهنا، بات الكثيرون لا يملكون إلا أن يهونوا على بعضهم البعض ما يدور في تلك الأيام، ابتسامة وكلمة طيبة، أو غِنوة بصوت دافئ ومصري أصيل حتى وإن كانت صادرة من خلف قضبان حديدية لأحد مستشفيات العزل الصحي في محافظة الإسماعيلية.
خلف القضبان الحديدية للبوابة الرئيسية لمستشفى عزل "أبي خليفة" التي خصصت منذ مطلع مارس الماضي لاستقبال مصابي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 ، وقفت "فاطمة عبد الرحمن" 24 عاما إحدى أفراد طاقم التمريض تشدو بإحدى الأغنيات الوطنية بعد أن انقضت ساعات عملها المرهقة.
في تمام الثامنة من مساء أمس الأحد كانت فاطمة قد أنهت النوباتجية الخاصة بها في متابعة آخر التطورات التي تصل إليها حالة مصابي كورونا الذين حضروا إلى المستشفى يوم شاق وأوقات عمل قد تتجاوز العشر ساعات بلا انقطاع.
اتجهت فاطمة إلى السكن الملحق بالمستشفى حيث تقيم هي وزميلاتها من طاقم الطبيبات والممرضات، تنامى إلى سمعها صوت آلة الكمان الذي تعشقه بحكم حبها للغناء والموسيقى منذ كانت في السادسة من عمرها، ترددت بين الرفض والقبول حينما عرضت إحدى الزميلات عليها بأن تنزل إلى ساحة المستشفى وتغني مع إيقاع موسيقى الكمان.
"أنا وقتها كانت حالتي النفسية سيئة وأكيد كلنا كنا كدة بحكم ضغط الشغل وقلقنا طول الوقت على المرضى، نزلت ووقفت غنيت واتجمع كل الزملاء حولي وكانوا مبسوطين" .
شعرت فاطمة حينها أنها تسببت بإزاحة جزء من الحمل الثقيل عن كاهل هؤلاء الأطباء، فبعد أن ينتهي يوم يصارع فيه هؤلاء الموت حتى يتنحى جانبا عن مرضاهم يستحقون أن تقدم لهم.
حوالي ساعة قضاها إسلام عازف الكمان أمام بوابة المستشفى التي أسست منذ حوالي ستة أشهر وأصبحت في مطلع مارس مقرا لاستقبال مصابي كوفيد-19 في محافظة الإسماعيلية تصفيق وضحكات تعالت ربما لأول مرة في هذا المستشفى المعزول عن عالمنا الخارجي "إحنا من أول يوم تخصيص المستشفى دي لاستقبال المرضى كل يوم بنستقبل حالات جديدة لسه جوانا القلق والخوف يمكن الأول بكينا من شدة الخوف من إننا نفشل لكن حاليا أثبتنا نجاحنا ومن حقنا نسعد أنفسنا".
اعتادت فاطمة أن تجمع صديقاتها في فترات الاستراحة بعد انتهاء العمل وتغني لهن ما يرغبن في سماعه، في محاولة منهن لتمضية الوقت "إحنا بقالنا حوالي 45 يوما مخرجناش من هنا ولا شوفنا الدنيا برة".
خلف هذه الكواليس ثمة بطل يحيك تفاصيل الحكاية وينمقها لتخرج إلى مستحقيها بالشكل الذي يليق بهم، بدأت الأسئلة تتدافع على رأس فاطمة وزملائها "من صاحب فكرة عمل احتفال لنا في هذا التوقيت ؟" لتكون الإجابة على الفور الدكتور محمد هلال اخصائي الأمراض المعدية والأوبئة في مستشفى حميات الإسماعيلية والصديق الشخصي لعدد من أطباء مستشفى عزل أبي خليفة.
يقولون دائما إن أكثر من يشعرون بك هم من عاشوا في نفس ظروفك وبالفعل وجدت هذه المقولة صداها في هذا الموقف الإنساني من طبيب الإسماعيلية "أنا عارف الناس دي بتمر بإيه وإزاي يومها بيعدي وقد إيه صعب عليهم جدا إنهم بعيد عن أهلهم والحياة كانت أبسط هدية ممكن أقدمها لهم إني أعمل لهم مفاجأة وأستعين بعازف كمان يعزف لهم أمام المستشفى" لم يستطع محمد والعازف أن يعبرا بوابة المستشفى ظلا في الخارج بينما يصطف طاقم أطباء العزل على الجانب الآخر.
يؤكد محمد أنه يعيش حالة تشبه حالتهم باعتباره يعمل في المستشفى التي تستقبل المشتبه في إصابتهم بكورونا ويصبح مسئولا عن نقل الحالات التي يتم تأكيد إصابتها بالفيروس "إحنا الـ 24 ساعة بنحلل للناس وبنكتشف كل يوم حالات وبنحولها للأطبال اللي قاعدين جوة مستشفى أبو خليفة ، كل اللي بنعمله ميجيش حاجة جنب تعبهم هما لذلك ضروري إننا نقدرهم ونسعدهم قدر الإمكان".