رئيس التحرير
عصام كامل

اللعب بالنار.. خفايا الصراع بين ترامب ومنظمة الصحة العالمية

ترامب
ترامب

اتهمت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخرا منظمة الصحة العالمية بتقديم توصيات خاطئة لواشنطن بشأن مواجهة وباء كورونا المستجد وهددت بتعليق المساهمات الأمريكية فى دعم ميزانية المنظمة.

وحسب وسائل إعلام فى بكين، إن منظمة الصحة العالمية حافظت، فور اندلاع الوباء في الصين، على الاتصالات الوثيقة مع بكين، وحصلت على التسلسل الجيني للفيروس خلال وقت قصير، وأرسلت خبراء إلى مدينة ووهان في جولة تفقدية، وأعلنت المرض حالة طوارئ صحية عالمية، في الثلاثين من يناير الماضي، موجهة بذلك إنذارا للمجتمع الدولي للاستعداد للوقاية من الفيروس المعدي.

ومع ذلك، فإن هذا الإنذار العلمي المبكر لم يؤخذ على محمل الجد من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، ولم يعلن البيت الأبيض عن "حالة طوارئ وطنية" إلا في الثالث عشر من مارس، أي بعد 43 يوما من إصدار منظمة الصحة العالمية تحذيرا عالميا.

وإزاء هذا الاتهام غير المبرر من قبل الجانب الأمريكي رد مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم قائلا، إن تسييس الوباء يشبه اللعب بالنار، مطالبا بالفصل بين الفيروس والسياسة، كما أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بيانا دعا فيه الدول إلى دعم منظمة الصحة العالمية في ظل تفشي الوباء، ما عبر بوضوح عن انتقاد المجتمع الدولي ورفضه لهجوم الجانب الأمريكي على منظمة الصحة العالمية.

وفي فبراير من العام الحالي اقترحت الحكومة الأمريكية، خلال تقرير الموازنة الفيدرالية لعام 2021 الذي قدمته للكونجرس، خفض التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية من 123 مليون دولار إلى 58 مليون دولار، وهو ما انتقدته أصوات معارضة داخل الولايات المتحدة، مؤكدة أنه تصرف غير مناسب أمام مخاطر الوباء في العالم. 

ومن المفارقات، أن الولايات المتحدة تدعي أنها أكبر مساهم في منظمة الصحة العالمية، إلا أنها في الواقع ووفقا للبيانات التي كشفت عنها المنظمة، كانت متأخرة في سداد رسوم العضوية لعام 2019، حتى الـ29 من فبراير من هذا العام، مع تجاوز المتأخرات المالية المستحقة عليها 70%، كما كان يتعين على واشنطن أن تسدد حوالي 120 مليون دولار أمريكي كرسوم عضوية لهذا العام بحلول 1 يناير الماضى، غير أنها حتى الآن لم تدفع سنتا واحدا. 

فهل سيكون هجوم بعض السياسيين الأمريكيين على منظمة الصحة العالمية هذه المرة، بمثابة ذريعة للتهرب من سداد المستحقات المالية للمنظمة على بلادهم؟.

وما يجب التأكيد عليه هو أن استثمار الولايات المتحدة في منظمة الصحة العالمية، ليس صدقة أو محبة بأي حال من الأحوال، ولكنها التزامات دولية واجبة عليها باعتبارها أكبر دولة متقدمة في العالم. 

إن الولايات المتحدة غالبا ما تهدد بـ "تعليق التمويل" في محاولة لممارسة ضغوط سياسية على المنظمة، وجوهر هذه التصرفات هو وضع المصالح الأمريكية فوق المصالح العامة العالمية، وهو انعكاس آخر لما يسمى "الولايات المتحدة أولا".

والحكومة الأمريكية تتبنى في المرحلة الحالية سياسة أحادية تتمثل في الاستهانة بالنظام العالمي متعدد الأطراف، والاستخفاف باللوائح الدولية المعنية، وشكلت التصرفات الأمريكية التي شملت الانسحاب من معاهدة باريس لمواجهة تغير المناخ، والخروج من الاتفاق النووي الإيراني، والانسحاب الثاني من منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، حجر عثرة في سبيل الجهود الدولية المبذولة في مواجهة التحديات الخطيرة، وهو ما عرض واشنطن لاتهامات وانتقادات واسعة النطاق، وها هي تحاول الآن ممارسة الضغط على منظمة الصحة العالمية، في خطوة أخرى نحو الأحادية الدولية.

الجريدة الرسمية