رئيس التحرير
عصام كامل

قصر فؤاد سراج الدين باشا وغيره


فجرت مسألة بيع قصر فؤاد سراج الدين باشا، في الأسابيع الأخيرة مشكلة المباني الأثرية مرة أخري، وكما يحدث في كل مرة خاصة بعد الثورة يتحمس الشباب الرائع لمقاومة الحدث الذي يكون قد وقع بالفعل دون أن يعلم عنه أحد أي شىء من قبل، يذهبون ويقيمون السلاسل البشرية التي تستنكر ذلك ويرفعون شعارات الاحتجاج، وهو الأمر الجديد في حياتنا بعد ثورة يناير.


ونعود الي الأسي القديم الذي بدا مع حقبة السبعينيات في عهد الرئيس السادات، حين فتح الباب لسياسة الانفتاح الاقتصادي الذي أظهر نوعا جديدا من التجار والسماسرة دون أي قيود، بحثوا عن الربح السهل وليس تطوير الصناعة القائمة ولا الزراعة، وكانت أسهل درجات النهب هي الهروب بقروض البنوك وأسهل درجات الثراء هي بناء العمارات والمولات فيما بعد علي أنقاض الفلل الجميلة التي بنيت فى فترة ما قبل ثورة يوليو 1952 مستوحية حضارة البحر المتوسط وعمارتها مع العمارة الإسلامية في بعض الأحيان، انقض السماسرة والمقاولون علي أجمل الفلل في القاهرة بالمعادي والزمالك والدقي ومصر الجديدة وكذلك في الإسكندرية بخط الرمل أو منطقة وابور المياه وكذلك في بورسعيد وفي الصعيد بالمنيا وأسيوط وأسوان وغيرها.

في مصر وزارة للآثار، كانت تابعة لوزارة الثقافة ثم صارت مستقلة الآن بعد الثورة، لكن وزارة الثقافة والآثار لم تستطع أن تفعل شيئا عبر أربعين سنة هي عهد مبارك والسادات، لأن التجار والمقاولين كانوا يجدون الطريق سهلا مع المحافظين ورؤساء الأحياء لهدم ما يريدون والقانون يساعدهم، فمعظم هذه المباني الجميلة لم تتحول إلي أثر أي لم يمر عليها مائة سنة، وحتي لو كانت كذلك فما أسهل أن يتم العمل علي تشويهها وإضعافها ليصبح وجودها خطرا ومن ثم تتم إزالتها.

ماذا يريد أصحابها الأصليون أو ورثتهم الذين بلا شك تغيرت أفكار أكثرهم فصارت مثل الأفكار السارية في المجتمع وهي الربح بأسهل الطرق، يريدون الربح من بيعها الذي صار مغريا. 

طيب ماذا يحدث في الدول التي تعرف قيمة ما لديها من تحف معمارية وحضارية وتاريخية؟ تقدم لهم المال المطلوب وتدخل هذه المباني في حمايتها وتستخدمها استخداما لا يتلفها وتواظب علي ترميمها وتجديدها بنفس الأسلوب التي كانت عليه، هل فعلت الدولة ذلك؟ لم تفعله عبر الأربعين سنة حجتها قلة المال رغم أن ما تصرفه الدولة ورجالها علي مؤتمراتهم التافهة يكفي شراء كل المباني، والأهم من ذلك أنها لم تشرك المجتمع معها في شراء هذه المباني العظيمة بدلا من هدمها وإقامة العمارات والمولات القبيحة.

كان يمكن لها أن تعلن فتح باب التبرعات من الداخل والخارج، وتقوم بحملة مناسبة ومستمرة لذلك وتقدم أفكارا إنسانية مثل إعلان أسماء المتبرعين وكتابتها علي جدران هذه التحف المعمارية أو الإشارة اليها بأي طريقة في كتيبات أو صور وغير ذلك من الأفكار، وكان يمكن لها أيضا فتح باب الشراء لمن يشاء من رجال الأعمال بشروط علي رأسها إحالة الملكية فيما بعد للدولة نظير استخدامها استخدامات تشرف عليها الدولة ولا تؤثر سلبا فيها.

وغير ذلك كثير جدا من الطرق التي تحافظ علي تاريخنا الثقافي في صورتيه المادية والروحية، لكن الدولة منذ أربعين سنة وحتي الآن تتحالف مع الجهل والسمسرة والمقاولين، دولة فرطت في بحيراتها العظمي ماذا تنتظر منها، دولة جعلت التجارة أهم من الثقافة وأصبحت الآن في يد من يرون أن تسعة أعشار الربح في التجارة، وليس مهما قيمة أي أثر.

لقد تغيرت الأحوال في مصر وصار هذا الموضوع هما عظيما لجيل الشباب، أقاموا له المواقع علي الإنترنت ولم يتأخروا عن المواجهة بالقلم والتظاهر، لكن للأسف لايزال دولاب العمل القديم علي ما هو عليه رغم وجود وزاة للآثار وجهاز للتنسيق الحضاري ولجان للحفاظ علي التراث في المحافظات، متي يتولي أمر هذه البلاد رجال قرأوا يوما كتابا واحدا في الفن أو الجمال.. نحتاج ثورة جديدة.
IBRAHIMABDELMEGUID@HOTMAIL.COM
الجريدة الرسمية