"تاجر الوباء".. هكذا انفجرت قنبلة كورونا في مدينة قم الإيرانية
في بداية أزمة تفشي فيروس كورونا الذي بدأ بمدينة ووهان الصينية، نالت إيران نصيب الأسد من الإصابات بالفيروس بعد الصين، وتحولت مدينة قم التاريخية إلى ثاني بؤرة للوباء في العالم.
تفشي كورونا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي كانت سببا لتصديرها لباقي دول منطقة الشرق الأوسط، ظل حتى أمس لغزا كبيرا وغير مفهوم، وجنحت بعض التحليلات إلى نظريات المؤامرة، معتبرة أن الفيروس ضرب الصين ومن بعدها إيران كدول أعداء للدولايات المتحدة الأمريكية.
لكن مع تفشي المرض دوليا وتوجه كورونا إلى أمريكا، التى تفوقت على الصين في تسجيل الإصابات، طرح مجددا السؤال المتعلق بسبب تفشي كورونا بشكل مخيف في إيران متخذا من مدينة قم نقطة انطلاق.
وفي هذا الصدد، قالت مصادر مسئولة، في وزارة الصحة الإيرانية ومسؤول وزاري سابق وثلاثة أطباء: إن السلطات الإيرانية تجاهلت تحذيرات الأطباء في أواخر ديسمبر ويناير من تزايد عدد المرضى الذين يعانون من الحمى الشديدة والتهابات الرئة في مدينة قم التاريخية والتي تحولت إلى بؤرة انتشار لفيروس كورونا في إيران.
ووفقا لمسئول رفيع مطلع مباشرة على الأمر ضمن المتحدثين لوكالة "رويترز"، فعندما علمت السلطات بالحالات المحلية لفيروس شبيه بالإنفلونزا في أوائل يناير كانون الثاني، لم تعلن عن الأنباء إلا بعد أسابيع، خشية أن يؤدي نشر معلومات مفصلة إلى إثارة مخاوف الرأي العام قبيل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 21 فبراير.
وقال المسئول، آخر شيء كنا بحاجة إليه هو جائحة. الروح المعنوية كانت منخفضة بالفعل.
وأضاف المسؤول الرفيع وأحد مسؤولي وزارة الصحة، أنه علاوة على ذلك، كان هناك سبب آخر للقلق، فالفيروس نشأ في الصين، وإيران لا تريد المخاطرة بزعزعة علاقاتها التجارية والدبلوماسية الحيوية مع بكين الحليف القوي لها فى ظل الأزمات التى تتعرض لها.
وتأتي التفاصيل الجديدة عن تحذيرات الأطباء ولماذا لم تكشف المؤسسة الإيرانية في وقت مبكر عن انتشار الفيروس في أعقاب مزاعم بعض الإيرانيين، بمن فيهم مسؤولون سابقون وعاملون في القطاع الطبي، بأن الحكومة أعلنت حصيلة منخفضة للوفيات.
وتسلط هذه الرواية التي تستند إلى مقابلات مع مسؤولين وأطباء في إيران، الضوء على كيفية قيام الحكومات، سواء كانت ديمقراطية أو استبدادية، بأخطاء مماثلة في الحسابات.
وردا على "رويترز" حول ما إذا كانت الحكومة علمت بأمر وصول الفيروس إلى إيران في وقت أبكر مما هو معترف به، قال علي رضا مير يوسفي، المتحدث باسم بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ظهور فيروس كورونا وانتشاره السريع أخذ كل بلد، بما في ذلك الدول الغربية، على حين غرة. لم تكن إيران استثناء.
وأضاف، فكرة إخفاء الوقائع بشكل متعمد أمر مناف للعقل، وذكر أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن الإجراءات الإيرانية صارمة.
وقال مسؤولو منظمة الصحة العالمية في أوائل ومنتصف مارس ، إن استجابة إيران للفيروس كانت منسقة وتتطور في الاتجاه الصحيح، لكن هناك حاجة لعمل المزيد.
وأوضح المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، على التلفزيون الرسمي في أوائل مارس أنه تم تنبيه روحاني في 24 يناير، إلى التقارير التي تفيد بوجود فيروس كورونا في الصين وبعض الدول المجاورة وإلى أن إيران لديها سياح من تلك الدول.
وأضاف أنه بعد يومين، أمر الرئيس حسن روحاني، باتخاذ الإجراءات اللازمة.
ترتبط مدينة قم، التي تعد من أهم مدن إيران، بصلات وثيقة بالصين وتستضيف العديد من الصينيين.
وقال وزير الصحة الإيراني علنا إنه يعتقد أن الفيروس وصل من الصين عن طريق تاجر من قم توفي بسبب الفيروس.
وقالت ممرضة في مستشفى قم إنه في أواخر ديسمبر وأوائل يناير، شهد المستشفى زيادة في عدد الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي. ورفضت سلطات المستشفى التعليق.
وقالت الممرضة، مات العشرات منهم في غضون أسبوع، أبلغ طبيبنا كبار المسؤولين في وزارة الصحة، لكن طُلب منا أن نمنحهم أدوية ونصرفهم.
وأوضح مسئول بوزارة الصحة، إنه بحلول منتصف يناير، تلقى كبار المسؤولين في الوزارة رسائل من الأطباء تحذر من المشكلة في قم، تلتها تحذيرات مماثلة من مشهد ومدن أخرى، وقال المسئول، لكن الوزارة أسكتت الجميع.
وذكر مسئول أخر بوزارة الصحة في قم، أنه علم بإبلاغ الوزارة بوجود زيادة حادة في عدد المرضى في أواخر يناير.
وأشار أحد كبار أخصائيي أمراض الرئة في قم، الذي يعمل في مستشفى خُصص لاستقبال حالات كورونا، إن أعدادا كبيرة من الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الرئة كانوا يأتون إلى المستشفى كل يوم تقريبا، قبل إعلان الحكومة في 19 فبراير بوقت طويل.
مضيفا، لم نكن نعرف ما هو. كنا نظن أنها الإنفلونزا، لكن لم تفلح معها أي من أدوية الإنفلونزا.
وقال نائب وزير الصحة رضا مالك زادة للتلفزيون الحكومي في مارس، إنه يعتقد أن الفيروس دخل إيران منذ فترة.
وأضاف ”لكن لأنه كان لدينا وباء إنفلونزا في البلاد، ولأن الصين لم تعلن عن أي انتشار لفيروس كورونا... لم يفكر أحد في فيروس كورونا“.
عندما بدأت أنباء انتشار الفيروس على مستوى العالم، بوغت الزعماء الإيرانيون بمقتل القائد العسكري الكبير قاسم سليماني، الذي قتلته الولايات المتحدة في العراق في 3 يناير، وفي الوقت ذاته، تراجعت ثقة الإيرانيين في قادتهم بعد حملة دامية ضد الاحتجاجات في نوفمبر، والاعتراف المتأخر بإسقاط طائرة ركاب أوكرانية في يناير، مما أسفر عن مقتل 176 شخصا كانوا على متنها.
وقدمت الصين شريان حياة اقتصاديا لطهران منذ عام 2018، عندما سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 بين إيران وست قوى عالمية وأعاد فرض العقوبات على طهران. وحثت الصين، وهي طرف في الاتفاق النووي، واشنطن على رفع العقوبات عن إيران في ظل انتشار الوباء.
وقال المسؤول الصحي السابق إن المؤسسة الحاكمة لم تلق بالا للتحذيرات بشأن الفيروس لأن ذلك كان يعني تعطيل السفر والأعمال بين إيران والصين.
تسجيل 2875 إصابة جديدة و124 وفاة بكورونا في إيران
وتعمل عشرات الشركات الصينية في إيران، بما في ذلك الشركة الصينية لهندسة السكك الحديدية التي تبني خط قطارات فائقة السرعة عبر قم موطن الوباء.
كما ساهم المرشد الإيراني، آيه الله علي خامنئي في تفشي الفيروس بعدما دعا الشعب للمشاركة في الانتخابات، معتبرا كورونا مؤامرة على الدولة الإيرانية.