الدكتور حسام موافي: جبر الخواطر أفضل عبادة تقرب العبد من الله.. وتسبق الصلاة والصيام والحج والعُمرة (حوار)
الدكتور حسام موافي، أستاذ الحالات الطارئة بطب قصر العيني ليس مجرد معالج ولكنه حكيم، لا تقتصر مهمته على فحص المريض واكتشاف ما يعانيه من خلل عضوي فحسب، بل تمتد إلى معرفة ما وراء الأعراض التي يشكو منها.
وإذا كان الأمر يتعلق بأسباب نفسية يساعده على التخلص منها، حصل على لقب المعلم المثالي ٦ مرات على مستوى كلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة، ومثلها على مستوى نقابة الأطباء، يتخذ من جبر الخواطر قاعدة في حياته كلها، ومنطلقًا لصناعة الأمل، مستلهمًا إياها من إمام الدعاة إلى الله الشيخ "محمد متولي الشعراوي" رحمه الله. و"جبر الخواطر".. خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، يُجبرُ المسلم فيه نفوسًا كُسرتْ وقلوبًا فُطرتْ وأجسامًا أُرهقتْ، فما أجملَ هذه العبادة وما أعظمَ أثرَها.
يقولُ الإمام سفيان الثوري: “ما رأيتُ عبادة يتقربُ بها العبدُ إلى ربه مثلَ جبر خاطر أخيه المسلم”، ومما يعطي هذا المصطلح جمالًا أنَّ "الجبرَ" كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسني وهو "الجبَّار"، وهذا الاسمُ - بمعناه الرائع- يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس، فهو سُبْحَانَهُ الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحةِ، والخَيبةَ والفشلَ بالتوفيق والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ. وجبرُ النفوس.. من الدعاء الملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم كان يقولُ بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني".
لقد عاتب اللهُ تعالى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه أعرضَ عن "ابن أمِّ مكتوم"، وكان أعمى، عندما جاءه سائلًا مُستفسرًا: علمني مما علمك الله، وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - مُنشغلًا بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرضَ عنه، فأنزل الله تعالى: "عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى"، يقول "القرطبي": "فعاتبه الله على ذلك؛ لكي لا تنكسر قلوب أهل الإيمان".
"موافي" من مواليد القاهرة كان يدرس في مدرسة الأورمان عندما كانت حكومية، دخل كلية الطب وتخصص في الباطنة، وعمل فى قصر العيني كطبيب متخصص في الحالات الحرجة، وشغل منصب عميد جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وهو من أمهر الأطباء المتخصصين في طب الحالات الحرجة، ويمتلك تاريخًا مشرفًا في النزاهة المهنية والطبية.
يعد الدكتور "موافي" شعلة تفاؤل يرفع المعنويات ويجبر خواطر، وظهر ذلك في كافة لقاءاته الإعلامية وإطلالاته.
*سألته لماذا تؤكد دائما عدم خوفك على مصر؟
رد : "أنا متفائل جدًا، النبي موسى من أكثر الأنبياء ذكرًا في القرآن الكريم، وهذا يعنى أن له معزة كبيرة عند الله تعالى، أمره الله تعالى أن يخلع حذاءه وهو داخل سيناء، هل تخاف على البلد بعد سماع ذلك قال الله له: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}، إياك أن تخشى على مصر أبدًا، انظر إلى البلاد الأخرى وما يحدث فيها من تدمير وانظر إلى مصر دائمًا محروسة، علمنا تلك الحقيقة منذ الصغر".
*لك قصة شهيرة مع جبر الخواطر، جعلتك تنتبه لهذا الباب الديني، ما حكايتها؟
طلبنى ذات يوم أحد رجال الدين المشاهير، نحن الأطباء ممنوع أن نقول أسماء المرضى، وأنا لم أذكر اسم هذا الإنسان أبدًا، ولكن البعض قد تخيلوا شخصية أخرى ليست هى الشخصية الحقيقية، سألنى عن مواعيد عيادتى كى يحضر للكشف، طلبت منه البقاء فى منزله وأنا سأذهب إليه، بعد الكشف سألته: ما أفضل عبادة تقربنى من ربنا سبحانه وتعالى خصوصا أننى فى أواخر عمرى؟ الشيخ قاله: خمن أنت يا دكتور حسام إيه أفضل عبادة؟ قلت: الصلاة؟ الشيخ قال لى: لا.. قلت: طيب الصيام؟ الشيخ قال لى: لا.. قلت: الحج والعُمرة؟ الشيخ قال لى: لا.. ثم تابع الشيخ قائلًا: أفضل عبادة هي جبر الخاطر، هل هناك ألعن من شخص يكذب بالدين، "يعنى مين ربنا لعنه أكتر من شخص بيقول مفيش ربنا ولا فيه رسول؟" فرديت: "فعلًا يا مولانا مفيش أصعب من كدا"، استكمل الشيخ قائلا: ربنا بيقول: {أَرَأَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}؟! شايف اللى بيكذب بالدين بيعمل إيه؟ {فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ} يعنى بيكسر خاطر اليتيم.. {وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ}.. يعنى بيطرد المساكين ومبيأكلهمش ومبيجبرش خاطرهم! بعد ذلك قال: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ}، إذا ذكر الله عز وجل جبر الخاطر أولًا ثم الصلاة.
*ماذا عن المواقف الأخرى المتعلقة بجبر الخواطر؟
يستكمل الدكتور حسام: "فى اليوم التالى كان يوم إجازتي ورن التليفون الأرضي فى تمام الساعة الثامنة صباحًا، كانت مكالمة من جار يقول لى: "أنا عارف يا دكتور حسام إن النهارده إجازة بس جبر خاطر خالة مراتى 92 سنة أرجو أن تمر عليها في قصر العيني هى داخل الوحدة عندك، غلبنى النوم.
استيقظت الساعة العاشرة، كنت ارتدى تيشيرت وجينز يوم العطلة، ولم أكن مستعدا لأن أرى مرضى، ذهبت إلى وسط البلد وقمت بالتسوق، وأنا فى ميدان لبنان تذكرت مكالمة جاري وكلمة جبر الخواطر.. شعرت أنها رسالة من ربنا أرسلها لي بالفعل قررت الذهاب إلى المستشفى الذى أعمل به، وذلك لزيارة المريضة، وجدت الأسانسير به عطل، فقمت بالصعود على قدمي، وبعد أن دخلت الوحدة جاءتنى أزمة فى القلب.
أخذت الدواء بعد ثانية، اكتشفت أن الله تعالى أرسلنى لنفسى وليس من أجل تلك المرأة، خاصة أنه إذا جاءتنى الأزمة وأنا فى منطقة وسط البلد لم أستطع الحصول على الدواء بسرعة، وبالتالى كنت سأموت: فسبحان الله وكأن ربنا يقول لى جبرت بخاطر جارك وخدت بالنصيحة.. جبرت أنا بخاطرك وأنقذت حياتك.
*دائما ما تربط بين الدين والدنيا والطب ولك تجليات فى ذلك؟
يكمل طبيب الغلابة : النبي محمد صلى الله عليه وسلم له معجزة فى مسألة علمية تخص ضغط دم الإنسان، وهناك ارتباط بين انفجار الأوعية فى المخ وتحذير النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الجرى أثناء الذهاب للصلاة ونهيه عن ذلك، فعند الجرى يرتفع الضغط لكن سبحان الله المخ بشكل تلقائى يغلق الشرايين ويدخل دم قليل، ولكن عند الانحناء يرتفع الضغط وستكون الكارثة لأن الضغط سيرتفع أكثر.
*ما هى الفوائد الصحية لجبر الخواطر باعتباره من مكارم الأخلاق؟
يجيب: يضيع القلق النفسى وضغوط الحياة، لأن «الأدرينالين» يزداد جدا مع وجود قلق نفسى، ويتسبب فى التعرق وزيادة ضربات القلب، لذا بمجرد زوال التوتر وجبر خاطر الشخص القلق يقل "الأدرينالين" وتطمئن النفس، ويخطئ من يعتقد أن جبر الخاطر يريح الإنسان المجبور بخاطره فقط، فهو يريح "الجابر" أيضا.
وللتغلب على الصدمات النفسية والقلق، عليكم بذكر الله الذى يقول فى محكم آياته: «الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَة قَالُوا إنّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»، كما يجب أن نعلّم أولادنا أن الحياة ليست جميلة فى المطلق، وتدريبهم على وسائل التغلب على أي صدمة.
*باعتبارك حكيما ولست طبيبا فقط، كانت لك مواقف كثيرة فى جبر الخواطر، ما هى؟
جاء شاب فى العيادة يشكو من ألم فى صدره وبعد الفحص تبين أنه سليم، سألته: "هل هناك ما يزعجك؟"، فبكى وقال: "والدى يريدنى أن أطلق زوجتى"، فسألته "هل هى منحرفة السلوك؟"، قال: "لا، لكن والدى لا يرتاح لها"، فطلبت منه إبلاغ والده بأننى أريد مقابلته، بالفعل استجاب والده وحضر، وعلمت منه أنه متكفل بمصاريف بيت نجله، فقلت له: "طلقه من مراته، لأنك صنعت ذكرا وليس رجلا، وشتان بين الذكورة والرجولة".
وفى موقف آخر جاء لى شخص وطلب مني إدخال والده العناية المركزة، فأخبرته بأن حالته لا تستدعى ذلك، ففاجأنى باعتراف أنه وأسرته سيذهبون إلى المصيف لمدة شهر، ولا يريد اصطحاب والده معه، نظرًا لعدم اتفاقه مع زوجته فتعجبت، إلى أن جاء انتقام الله تعالى من هذا الشخص كبيرا وسريعا، بأن فقد كل ثروته وكنت شاهدا على ذلك.
*لك مقولات مأثورة.. ما أقربها إلى قلبك؟
"الطب مهنة إنسانية أكثر من كونها "آكل عيش"، يتعامل فيها الطبيب وفقا لحاجة المريض، ولا يبالغ فى أسعار الكشف، فالإنسانية تحتم أن أرى المريض وأكشف عليه وأصف له العلاج، "حتى لو ببلاش"، نحن «أقوى» من الصحابة، لأننا نؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم دون أن نراه، فقد قال صلى الله عليه وسلم مخاطبا الصحابة: “سيأتى بعدكم قوم إن تمسكوا بعشر ما أنتم عليه نجوا”.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"...