رئيس التحرير
عصام كامل

لا صوت للرصاص.. كيف حول "كورونا" قطاع غزة إلى مدينة هادئة | صور

قطاع غزة في أيام
قطاع غزة في أيام كورونا

قبل أن ينتهي شهر مارس بنحو خمسة أيام، أعلنت السلطات الفلسطينية ظهور الحالات الأولى المصابة بفيروس كورونا المستجد كوفيد -19 لأربعة أفراد قادمين من الخارج، لتعلن بعدها بأيام قليلة إصابة 8 من أفراد الأمن كانوا قد خالطوا الحالات المصابة في وقت سابق، ليرتفع بذلك عدد الحالات إلى 12 إصابة.

ناقوس الخطر يدق في أرجاء القطاع المحاصر الذي لم يكن يهدأ يوما من التظاهرات والاحتجاجات وأصوات قصف الطيران الإسرائيلي، بات لا صوت يعلو فوق صوت سيارات التعقيم التي تجوب الشوارع التي كانت يوما تعج بعبارات الشجب والرفض والإصرار على استعادة الحق في الأرض.

هدنة إجبارية فرضها فيروس كورونا على قطاع غزة الذي لم يهدأ منذ فرض الحصار عليه قبل حوالي 14 عاما، لا مجال اليوم للاستيقاظ على دوي إنفجار ضخم إثر سقوط قذيفة إسرائيلية على هذا المبنى أو ذاك، لم يبادر أحدهم بكتابة منشور على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي يجمع فيه عدد لا بأس به من أبناء منطقته للخروج في المسيرات التي تنظم الجمعة من كل أسبوع تحت عنوان "مسيرات العودة"، "كان من ضمن خطة الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وفك الحصار أن يكون 30 مارس يوم تظاهرات في كل عموم القطاع بمناسبة يوم الأراض ومرور 3 سنوات على انطلاق المسيرات، لكن متمتش بسبب وجود 12 حالة إصابة بكورونا منهم 4 عائدين من الخارج، و 8 من رجال الأمن، فأصبح هناك تخوف كبير من الفيروس، حوالي 90% من الحركة في القطاع متوقفة في القطاع" يتحدث محمد الحجار ابن قطاع غزة وتحديدا وسط القطاع.

 

 

منذ أكثر من عشر سنوات لم يعهد محمد مثل هذا الهدوء في مدينته التي لم تعرف يوما سلاما ولا هدوءا، بين الغارات الجوية التي تطل عليهم بين الحين والآخر، التجمعات والاحتجاجات، الاجتياح الذي لم يزل أثره ف نفسه ونفس كل فلسطيني عالق في تلك المدينة الكبيرة، فكيف يصبح الحال هكذا بين ليلة وضحاها ؟!، كيف تنجح كورونا في تحقيق ما فشلت طاولات المفاوضات والأطراف المتناحرة وقوى السلام الدولية في تحقيقه، ذا ما لم يدركه أحد حتى هذه اللحظة، فيقول أمجد ياغي صحفي فلسطيني وأحد أبناء القطاع :" وكان من المفترض 30 مارس كان يبقى فيه مسيرات حاشدة ضمن مسيرات العودة وتكون داخل كل أرجاء غزة، ولازم بتخلف شهداء لكن مع كورونا تغير كل شيء واتقلبت كافة الحسابات".

 

 

ويؤكد ياغي على أنه وإذا استمرت الحالة مثل ما كان مرتب لها، سيكون هناك صراعات ومشاحنات ورد من كافة الفصائل ضد الإحتلال، لكن كورونا حولت المسار،  وكشفت حقائق الدول في مواجهة أزمات الوباء المرضية أكثر من المواجهات السياسية، فكان من المفترض يكون 30 مارس الماضي  يوم حافل في المواجهات الإسرائيلية لكن كورونا منحتهم بعض الوقت لإعادة ترتيب أوراق الصراع مرة أخرى، "اكتفينا  بنشر منشورات للاحتفال بيوم الأرض وتذكير بحادثة يوم الأرض، لذلك اليوم تحولنا للصراع لمواجهة كورونا أكثر من الصراع على استرداد أراضينا من العدو المحتل".

 

 

للخوف وجوه عدة، بين الحين والآخر يطل عليهم بوجه لم يعهدوه من قبل، إما خوف من سقوط صاروخ على إحدى البنايات، أو خوف من عملية مداهمة في الرابعة فجرا وربما الخوف من استقرار رصاصة غدر في منتصف الصدر، أما الآن فثمة خوف من نوع آخر، واجتياح غير الذي كان في مطلع يناير  من عام 2009، اجتياح فيروسي لوباء لم يمهل المدينة وقتا لتستعد لملاقاته، كأنها على موعد دائم مع اجتياحات بلا صافرات إنذار أو نواقيس خطر، " النظام الصحي في غزة بسبب الحصار من أسوء الأوضاع الصحية في العالم، اليوم كان فيه بيان لوزارة الصحة إنه لدينا 68 سرير عناية مركزية في القطاع وهذا مؤشر خطير في حالة انتشار كورونا في القطاع، أيضا تم إنشاء مراكز حجر متوزعة في القطاع واستخدموا بعض المدارس للحجر مع بناء مستشفى ميداني داخل الحجر، لكن في العموم القطاع الصحي في غزة لا يمكن أن يستوعب فيروس كورونا يهزمه إذا انتشر" يتحدث محمد الحجار.

 

 

لكن مع احتمالية زيادة عدد المصابين بالفيروس داخل القطاع ومع تهالك المنظومة الصحية هناك، يؤكد محمود الهمص مصور صحفي وأحد أبناء القطاع، على أن عمليات التعقيم والتطهير في القطاع لا تتوقف، وكذلك فرض التقيد على الحركة وإن كان تقيد غير مكتمل، فمحمود منذ أكثر من أسبوعين لا يستطيع الذهاب إلى عمله في المكتب الكائن على مقربة من المنزل، " أنا كصحفي بقالي أسبوعين مبروحش المكتب وبنشتغل من البيت، ومفيش أي تجمع في المكتب حتى لا يختلط الموظفون ببعضهم، بستخدم أثناء الشغل كل طرق الوقاية وما اقترب من أماكن الحجر اللي ممكن يكون بها إصابات". يلاحظ محمود أنه منذ بداية الأزمة في مطلع العام الحالي لم يسمع دوي لصوت صاروخ واحد، كل مشغول في مصيبته ومنكفأ عليها على حد تعبيره.

لم تتوقف الحياة السياسية في قطاع غزة فحسب، ولكن الحياة الإجتماعية أيضا وهي أهم ما يميز المجتمعات الفلسطينية، حيث دوام التجمع وتبادل الزيارات والمجاملات وغير ذلك، " تقريبا الناس بيمارسوا حياتهم الطبيعية ولكن بحذر توقفت الزيارات العائلية والمناسبات والسهرات وحفلات الزفاف، وبيوت العزاء أيضا توقفت تماما وأصابها الشلل، حتى على الصعيد السياسي البعيد عن الحروب والمنازعات ما عاد بنشوف أية قيادات من الذين اعتدنا على وجودهم في المشهد كل يوم".

 الصور تم التقاطها بواسطة المصور الصحفي الفلسطيني محمود عجور.

 

الجريدة الرسمية