سر الإنقلاب !!
الشخصية المصرية تتقبل السخرية، و"التريقة".. وفي مصر يمكن لأي صحفي أن يكتب مقالا يسخر فيه من شخصية عامة أو مسئول، مهما كان مركزه.. و"يمكن لأي إعلامي أن يمازح الجمهور بسخرية مريرة من نصف المجتمع مثلما فعل مقدم أحد برامج التوك شو حين قارن مقارنة - مؤسفة بكل المعايير ـ ما بين الكورونا والزوجات..
ويمكن لأي مسرحية فكاهية أن تسخر من مواطني الجنوب "الصعايدة"، وتصفهم بتدني الذكاء وقلة التحضر.. لو حدث هذا في أي بلد في العالم لاشتعلت الشوارع بالتظاهرات، وتم تقديم هؤلاء الى المحاكمة، لكن لا أحد يغضب من الطرفة والفكاهة في مصر! النساء من الزوجات والحموات والفنانات والمواطنون من الصعايدة يوفرون مادة دسمة للفكاهة والضحك في مصر المرحة لكن الحد الأدنى أن (الزعل ممنوع)".
(الفقرة بين التنصيص استعرتها من الكاتب الصحفي السوداني محمد عثمان إبراهيم.. الذي وضع يده على أحد أهم مواطن الداء في العلاقات المصرية مع العرب والأفارقة، وبالذات السودانيين!)..
حب الدعابة، وسيطرة الابتسامة، جزء لا ينفصم من الشخصية المصرية، التي توارثتها على مر العصور.. وروح الفكاهة لدى المصريين تسبب الكثير من الأزمات.. ذلك أن بعض الشعوب تفهمها بشكل خاطئ، وتأخذها على سبيل الجد لا الهزل.. وتعتبرها إهانة لا تغتفر!! وبعض تلك الشعوب مصابة بالإحتقان التورم، بصورة مبالغ فيها، متهمة المصريين، حكومة وشعبًا، بالتعالي والتكبر، ومن ثّمَّ فإنها تنتظر أول فرصة لتبدي شماتتها، وترد الصاع صاعين!!
المصريون بدورهم، لا يفهمون السر في التحول الرهيب والانقلاب السريع لدى الشعوب التي كانت بالأمس القريب، صديقة.. إنه الفهم الخاطئ للشخصية المصرية. والغريب أنه لا أحد، من قادة الرأي، والسياسيين والخبراء والأكاديميين، يتطوع للشرح وتنبيه الشعب المصري إلى موطن الداء.. رغم أن العلاج شديد السهولة!!
يقول محمد عثمان إبراهيم، في صحيفة "الصيحة" السودانية: "للتعامل مع مصر نحتاج أن نفهمها بأريحية وطيبة خاطر".
وإذا كان الوضع كذلك، فإنه من الطبيعي أن يكون للسودانيين نصيبهم، فيظهر السوداني كبواب أبله لا يحسن النطق باللغة العربية، وفي أغلب الأفلام والمسلسلات تظهر المرأة السودانية زوجة للبواب، لا أكثر.. وتصدر منها تصرفات مضحكة.
الفن يعتمد على المبالغة لا على نقل الواقع، وإذا كان أغلب السودانيين لا يحسنون نطق اللهجة العامية المصرية، فإن السينما والمسرح والتليفزيون في مصر يبالغون في إظهار هذا، ويركزون عليه، وإذا كانت بشرة السوداني سوداء فإن الإفراط في إظهار سوادها هو نفس الإفراط في تصوير كيد الحموات ونكد الزوجات وشغف الخليجيين بالنساء ومجون الأوروبيات!
حتى الإسرائيليين سخر منهم المصريون، ولا يزالون.. بداية من إظهار اليهزدي في الدراما شخصا شديد البخل والجبن، ينطق اللهجة العامية بطريقة يبعث على الضحك.. قد يكون ذلك الأسلوب انتقاما مما فعلوه بنا، واغتصابهم فلسطين.. إلا أن رد الفعل لدى الإسرائيليين كان مفاجئًا.. وعلى سبيل المثال قابل السفير الإسرائيلي في مصر مشاهد السخرية من شخصيته في فيلم الزعيم عادل إمام "السفارة في العمارة"، بالضحك!!.
الأزمة الراهنة التي نعيش جميعا آلامها.. وتختلف مواقفنا منها.. وبروز بعض التعليقات المؤسفة.. مثلا أن اتهام الحكومة المصرية بالتعتيم على أعداد المصابين بفيروس "كورونا"، وهو ما لم يحدث، لكنه الاحتقان الذي راكمه الغضب من الإعلام والدراما والنكتة المصرية!
واجب الإعلام وصناع السينما والتليفزيون أن يتنبهوا لهذه الفجوة التي تتسع شيئًا فشيئًا، وأن يعملوا على رتق ما تمزق، وسد الثغرة قبل أن تصل إلى مرحلة القطيعة، والفرقة، لا قدر الله.