فكري صالح يكتب: «الجوهري» الهرم الرابع وسند المصريين في الغربة
"لا كرامة لنبي في وطنه".. تلك المقولة التي طالما قالها لي الكابتن العظيم محمود الجوهري.. كان يضعها نصب عينيه ويؤمن بها تمامًا، فقد كُرم في حياته في الأردن، وكُرم بعد مماته في الأردن، أحد أكبر الشوارع هناك يطلق عليه اسم الجوهري، وكذلك أكبر الملاعب، أما في بلاده فلم نر شيئًا من هذا القبيل.
فكري صالح يضع خطة لتدريبات حراس المرمى بالمنزل
أحتاج لمجلدات لكي أكتب عن محمود الجوهري، الهرم الرابع لمصر، والذي أسعد جموع الشعب العربي، فهناك الكثير لا يعلمه الناس عن هذا الجنرال العظيم؛ أخلاقياته وكرمه ووطنيته، كان يعشق مصر بشكل غير طبيعي، ولم لا فقد كان أحد رجال المؤسسة العسكرية التي أتشرف أنا ايضًا بالانتماء إليها.
استفدنا جميعًا من هذا الرجل العظيم وأنا بشكل شخصي، فقد استقيت من الخبرات ما جعلني مستمرا في النجاح حتى هذه اللحظة في مجالي كمدرب لحراس المرمى ومحاضر، تعلمت منه العطاء دون ملل أو تعب لمدة 40 عاما، كل هذا كان بفضل الله أولًا ثم الجنرال العظيم محمود الجوهري.
كانت الغربة سببًا في اقترابي من محمود الجوهري، وتوطيد علاقتي به.. الحياة في مصر لم تمنحنا الوقت الكافي للاقتراب فقد كنا نلتقي في التدريبات والمعسكرات ومن ثم نعود لبيوتنا، ولكن في الأردن عيشنا لسبع سنوات معًا، وكما يقال: "في الغربة يتعرى الإنسان".
الجوهري كان قائدًا للمصريين في الأردن.. لم يتردد لحظة في مساندة أبناء وطنه، ويقدم لهم المساعدات ويحل يوميًا مشاكل وأزمات المغتربين هناك. فأذكر له أنه عوَّدنا عندما نمر عليه أنا والمدرب العام علاء نبيل بالسيارة لنتجه معًا لمقر اتحاد الكرة بشكل يومي أن يقول لنا: "هل جهزتم أنفسكم؟".. فنتساءل عن السبب، فيعرض لنا مشكلة لأحد المصريين، وعلينا المساهمة في حلها.. على سبيل المثال، رجل يحتاج لتذكرة سفر، أو شيء من هذا القبيل، فيكون الجوهري بعد عرض الأزمة أول من يعرض مساهمته: "سأدفع كذا"، فأتبعه: "وأنا سأدفع كذا".. ويزيد علاء: "وأنا سأساهم بكذا".. حتى نكمل المبلغ المطلوب.
كنا نداوم على تلك الأعمال بشكل شبه يومي لدرجة أن الجوهري رحمة الله عليه أدهشنا بمشكلة لأحد المصريين الذي ساهمنا سلفًا في حل أزمة تذكرة سفره، وطالبنا بجمع مبلغ مالي مرة أخرى ليشتري هذا الرجل هدايا قبل عودته لمصر، عندها توقف علاء نبيل بالسيارة وسأله مازحًا: "هل أتينا للأردن لتدريب المنتخب أم لفتح جمعية خيرية؟!".
ولكن أكثر ما يحزنني في تلك الأيام العزوف عن تكريم هذا الرجل العظيم الذي تسبب في التفاف الشعب حول علم مصر في كأس العالم 1990، وكأس الأمم الافريقية عام 1998، وشارك في حرب أكتوبر المجيدة.
أتمنى من كل قارئ لهذا المقال أن يقرأ الفاتحة على روح الجنرال، وأدعو الله أن يغفر له ويسكنه في أعلى الدرجات.