في ذكرى وفاة العندليب.. قصة مقدمة "حليم ومفيد فوزي" المكتوبة ليلة إنهاء حرب العراق والكويت
"حين أرسل لي الصديق الفنان مفيد فوزي مخطوطة هذا الكتاب لأكتب مقدمته، أدركت على الفور صعوبة المهمة، فليست هذه أول مقدمة أكتبها لكتاب يعتز بي كاتبه، ولكنها مقدمة لكتاب عن عبد الحليم حافظ".
بتلك الكلمات بدأ الكاتب الراحل يوسف إدريس مقدمته التمهيدية لكتاب "حليم" للإعلامي مفيد فوزي الذي كتبه عن العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والذي تتزامن ذكرى وفاته مع اليوم، ليسرد لنا مدى الصعوبة التي واجهها لإعداد كلمات مناسبة في وصف محتوى الكتاب، لا سيما أيضًا قراءته في ظل ظروف سياسية وعربية صعبة.
فتلك المخطوطة الأولية للكتاب بقيت على مكتب يوسف إدريس لفترة لا بأس بها، لم يكن وقتها قادرا على القراءة ولا يملك من المزاج ما يتيح له فعل القراءة أو الكتابة من الأساس، وتبين المقدمة أن السبب الرئيسي وراء هذا الفتور، لا يتعلق بمؤلف الكتاب ولا بالعندليب، وإنما يتمحور حول الظرف السياسي الصعب الذي كانوا يعيشونه في بداية تسعينات القرن الماضي، خلال حرب العراق والكويت .
يقول إدريس: "ووصلنا إلى الليلة الفاصلة، ليلة استجابة صدام للإيقاف الكامل للحرب بعد ان تدمر جيشه وسلاحه... ليلة لا اعتقد أنها مرت عليّ أبدا في حياتي، بل إنني أؤكد أنها لا يمكن أن تمر أبدا ما حييت... ولمحت أمامي على المكتب "عبد الحليم" داخل كتاب مفيد فوزي، وأمسكت به، وفي بضع ساعات كنت قد انتهيت منه وأنا مشدود بكل ما يملك من فن الكتابة.. لم أجده كتابا عاديا ولا قصة حياة يرويها كاتب عن فنان موسيقي، ولكني غرقت تماما في العلاقة النادرة بين مفيد وعبد الحليم، وهي علاقة لم أكن أعرف عنها شيئا مطلقا، وفوجئت بأدق تفاصيلها في الكتاب" .
وبطول المقدمة، يسرد يوسف إدريس مدى اندهاشه من تعرفه إلى شخصية عبد الحليم للمرة الأولى بهذا القرب، فيقول: "هذا الكتاب أطول رسالة حب كتبها فنان لفنان، وكتبها بكل ما يملك من ذرة قدرة وإخلاص في التعبير.. وأحسست بعد الانتهاء من الكتاب أنني لم أكن أعرف عن عبد الحليم سوى حنجرته وذكائه... ولكن مع قراءتي لهذا الكتاب، أردكت أن عبد الحليم لم يكن مجرد "مؤدٍّ" صاحب صزت رائع، ولكنه كان قائدا لهذا الفريق الموسيقي الجديد، فكان هو العقل المدبر المفكر والمبتكر الذي يستطيع ان يشعل حماس أصدقائه "الطويل والموجي وبليغ وأحمد فؤاد، بل استطاع أن يشعل حماس أكبر أستاذ للموسيقى العربية الحديثة محمد عبد الوهاب، فيلحن له على منهجه - منهج عبد الحليم - وعلى هواه" .
وختم يوسف إدريس تلك المقدمة التي خطها ليلة وقف حرب العراق والكويت، بقوله: "أعتقد ان المكتبة العربية حين تضم هذا الكتاب، تضم في الوقت نفسه نموذجًا يحتذى للكتابة عن الفن والفنانين، الرؤية عن حب عميق، ويشمل الفنان وأحلامه وأسرته ومنشأه وحتى أخطاءه".