رئيس التحرير
عصام كامل

لعن الله من أيقظ الفتنة


المناخ الثقافى الذى نعيشه الآن يصبح التعبير عن الاختلاف "إثما"، ويصبح الرأى المغاير إهانة للفكر السائد، فحرية إبداء الرأى والاختيار أو تحليل أى فكر مكفول للجميع، والإشكالية هنا أننا لا نستطيع الفصل بين الذات والموضوع،  فأى صاحب رأى أو عقيدة تتوحد ذاته مع ما يعتنقه هذه فى مجلمها تعبر عن "الوصاية"، وصاية على العقل والإرادة الجماعية والقيام بدور الفلتر للمواد الثقافية.. حقيقة ما نراه الآن سياسة حمقا لأنها لا تحقق شيئاً من طموحات كل المصريين..


لذلك فالكل لايزال يتساءل إذا كانت السياسة التى تنتجها بعض التيارات الدينية الإسلامية غير الوسطية فهى سياسة حمقاء، فلماذا تصر بعض الرموز الدينية الإسلامية وبعض الشخصيات على تواصل ذلك؟! وأنا أعلم تماماً أن الشخص الذى لا يملك هدفاً يعيش لأجله يعيش ممزقاً وحزيناً ولديه صراع داخلى بينه وبين نفسه ثم بينه وبين الجماعة التى يمثلها، حيث يكون الصراع أشد لأن الكل يريد تحقيق مصالحه الشخصية.

وتثار هنا وهناك أخبار عن الاستياء الداخلى فى جميع محافظات الجمهورية مما يحدث من بعض الدعاة الإسلاميين بتوصيف الأقباط وكل من يخالفهم بالخيانة العظمى والكفر فى ممارسة حقوقهم السياسية وأحوالهم الشخصية،  الأمر الذى أدى الى خوف الأقباط واعتقاد البعض منهم بأن هناك مؤامرة من التيارات الدينية ضدهم بوحى من فكر سفلى وإخوانى أو نوع فكرى قديم للمدارس الفقهية الإسلامية المتشددة بالترويع والتعدى على ممتلكاتهم ودور عبادتهم، ما يشجع البعض للعدوان على إخوانهم الأقباط الأمر الذى وضع الأقباط فى جو خانق من الألم والإحباط.. يخشى أن يؤدى إلى عواقب وخيمة لا يعلم مداها إلا الله وحده ..

إن لم تتحرك القيادات المنوطة بحماية أمن البلاد من الداخل والخارج.. والسلطة التنفذية والسلطة القضائية وكل من هو مسئول فى موقع وكذلك الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية للحفاظ على أمن مصر وسلامة وحدته بجميع أطيافه وليس الحفاظ من أجل سلامة الأقباط فقط شركاء الوطن.. نحن نعلم جميعاً بكل ثقة "الحامى والحافظ على النفس المسيحية والنفس المسلمة هو الله وحده"، لأنه خالق الكل ورب الكل.

نحن فى هذه الأيام الصعبة حينما نتأمل فيها نجد كل الأزمات والصعوبات التى نواجها  سببها الحقيقى هو البعد عن الله، فنرى غضبه يحل علينا من كل ناحية.. وللأسف الشديد منا الكثير والكثير يعبد الله بشفتيه أما قلوبهم بعيدة كل البعد عن محبته وسماحته وتنفيذ وصاياه، الله لا يدخل قلوب الأشرار بل يدخل ويسكن فى قلوب الأنقياء والأتقياء الذين يعيشون حسب مشيئته.

* الفتنة الطائفية هى سلاح الإنسان الفاشل.. وهى المدخل الرئيسى لتخريب الأمم وتمزيق الشعوب، وأمثلة كثيرة من بلاد العالم مزقتها الصراعات الطائفية والتناحرات المذهبية، إن الله لم يدع أبداً الى روح الفرقة ولكنه دعا إلى المحبة والتعايش بين الجميع.

والقرآن الكريم يعترف بأن المسيحيين هم أهل الكتاب وهم أقرب الناس مودة وهم أخوة فى الله والوطن.

* أفيقوا قبل فوات الآوان مصر لكل المصريين والوطن للجميع بكل انتمائاتهم والأقباط ليسوا كفارا بل الكفار هم الذين يكفرون الآخرين، فالله القدوس القوى لم يعط توكيلا لأحد من البشر للدفاع عنه.. بل نحن نستمد منه الحياة والقوة والحق والعدل والنعمة والغفران والآخرة الصالحة!

* التساؤل هنا والسؤال يطرح نفسه تلقائياً الآن وهو "من أقامكم أوصياء على عقولنا وإراتناً؟!
الإجابة معروفة تماماً وهى مساحة بيضاء !!

*وها نحن الآن أمام مشهد صعب.. مصر الوطن جسد تنخر فيه روح التعصب والحقد والعنف والكراهية والجهل ليأكل نفسه.. بينما انشغل الساسة بمصالح شخصية فوق مصلحة الوطن للأسف .. مصر الحبيبة فى أشد الحاجة من الكل إلى الخروج من هذا النفق ودخولها فى عصر جديد.. عصر الحرية الحقيقية.. حرية الدين وشرع الله الذى عرفناه من الأجداد والآباء منذ قرون من الزمان ولا هم كانوا يعيشون فى ضلال مبين؟!

الإجابة معروفة! كذلك حرية الرأى والتعبير والاختيار الكامل والكرامة والعزة والمساواة وتكافؤ الفرص.. وهذه المبادئ هى التى نادت بها الأديان السماوية.. وتفعيل دور المواطنة على أرض الواقع طبقاً للنصوص القرآنية والإنجيلية .. ليس حبرا على ورق .. أساس نظام مصر.. ديمقراطى تعددى.

وإن كنت أخالف بعض إخوانى المسيحيين رأيهم من تلك المخاوف لعدة أسباب، ومنها أن أغلبية إخواننا المسلمين العقلاء المعتدلين الذين يخافون الله لن يسمحوا بتلك الهواجس التى ترويعهم، ومازلت أقول وسأقول حتى المنتهى إن مصير الأقباط على هذه الأرض الطيبة مرتبط بمصير إخوانهم المسلمين ..كلنا فى مركب واحد .. لأننا نعيش فى شارع واحد وهو نهر النيل العظيم .. وأزمته الآن سببها عدم محبتنا لبعض، والضرر هنا لم يأت على المسلم فقط بل على الكل!

*اتقوا لله فى هذا الوطن.. مصر أصبحت فى خطر ولا تتحمل هذا الخطر أرجو العودة إلى الرشد.. لا تغيروا هوية مصر ..من يريد أن يزرع الفتنة يدمر ويمزق هذا الوطن فهو ليس مصريا حقيقيا بل إنه يحمل الجنسية المصرية بالحبر فقط.. فهل تحدث معجزة من الله القادر على كل شىء ونبدأ نظاما جديدا بالإصلاح المنشود للوصول إلى بر الأمان! فالإصلاح يبدأ أولاً وقبل كل شىء بدستور جديد عصرى توافقى يجمع كل المصريين ولا يفرق بينهم، بل يعطى الجميع حقوقه وكرامته.. ويسمى بالدستور المصرى الحديث وليس دستور الإخوان أو أى فصيل منفرداً.

نريد أيضاً عودة ثقافة الروح المصرية وبيئتها الأصلية وقيمها الروحية والاجتماعية المتأصلة فى أعماق شعبها المؤمن صاحب العلم والحضارة والثقافة والتحرر من ثقافة التكالب والتكابر والتعصب والتحزب والهدم والتخلف والانحطاط والحقد والكراهية والنفاق والكذب والخداع والترويع والتميز العنصرى.. نحن الآن بأمانة شديدة أمام مفترق الطرق، فيجب علينا دعم الجبهة الداخلية المتماسكة بالتكاتف السلمى الذى يحقق لنا القوة والشجاعة والحكمة للخروج من هذه المرحلة الطاحنة لكى نعبر منها بسلام إلى بر الأمان .. الاتحاد قوة .. وأى مساس بهذه الجبهة هو ثغرة لا يستفيد منها سوى أعداء مصر من الداخل والخارج ,,
حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
الجريدة الرسمية