محمد فودة يكتب: هارون وموسى(عليهما السلام)
استوقفني قول الحق سبحانه وتعالى "فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ" الآية ٧٠ من سورة طه، وتوقفت أكثر عند قول الحق "هارون" الذي جاء ذكره قبل سيدنا موسى عليه السلام في تلك الآية، وتوقفت عند أسباب ذلك التقديم وهل له دلالات معينه؟
• الفاصلة القرآنية علل قسم كبير من المفسرين سبب التقديم في الآية السابقة وهي الوحيدة التي تقدم فيها ذكر هارون على موسى إلى الفاصلة القرآنية، والتي تكون آخر كلمة في الآية، وهي بمثابة السجعة في النثر، وبمنزلة القافية في الشعر، وسميت فاصلة لأنها فصلت بين الآية التي قبلها والآية التي بعدها، ولعل هذه التسمية أخذت من قوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} (هود:1) وقد عرَّف ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" الفاصلة القرآنية بأنها: "الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها، وتكررت الفاصلة في سورة طه تكرراً يُؤْذِن بأن تماثلها أو تقاربها مقصود من النظم في آيات كثيرة متماثلة".
ومن فواصل الآيات في سورة طه، إذ أواخرها الألف المقصورة مثل: (ألقى، الأعلى، أتى، أبقى، الدنيا، يحيى، العلى، تزكى) ونعود مرة أخرى لسياق الترتيب الذي يقوله عنه الدكتور فاضل السامرائي، أستاذ النحو والتعبير القرآني في جامعة الشارقة، إن سبب التقديم والتأخير أولاً للعلم ليس بالضرورة أن يتقدم من هو الأفضل أو ما هو أفضل وقد يتقدم المفضول بحسب السياق ويتأخر ما هو أفضل ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل إنما السياق يحدد ذلك، ولعل التقديم في سورة طه يرجع للفاصلة القرآنية، باعتبار أن سورة طه أغلب آياتها في الألف. • سياق القصص وذهب قسم آخر وعلى رأسهم الدكتور حاتم المطيري أستاذ علم التفسير والحديث بجامعة الكويت إلى أن القرآن قص في كلا الموضعين ما قاله سحرة فرعون فمنهم من قال (آمنا برب هارون وموسى)، لمعرفتهم بهارون وشهرته بينهم في مصر إذ عاش موسى في مدين سنين طويلة، وهارون أكبر من موسى وأفصح، وقال آخرون (آمنا برب موسى وهارون) لتصديه لهم، ولسحرهم؛ فكان هو الداعي بمعجزته لهم، الذي كان آنذاك أمامهم، فيكون القرآن قد ذكر كل ما قيل من كل فريق على نحو معجز في سياقه للقصة مع تكررها.