"أمير إسطنبول" و"مجموعة مراد".. مليشيات في خدمة "العدالة والتنمية".. أردوغان يواجه تراجع شعبيته بصناعة تيارات جهادية محلية
لم يعد أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خيارات بديلة من أجل الاستمرار في الحكم، إلا وضع قدميه في النار، والسير في طريق التطرف للأبد، فدعم الإرهاب خارجيًا، لا يمكنه من مواجهة المؤسسات العلمانية القومية والمتجذرة في البلاد منذ عقود مضت.
والتي لن ينفع معها التغيير البطيء الذي اتبعه منذ صعوده للحكم في بداية الألفية الثانية، وبات في حاجة إلى مفارخ للتطرف داخل تركيا، تدعم فكرته وتبقيه رئيسا حتى الموت، وتمكن للإخوان من بعده.
شبكات تنظيمية
لذلك لجأ أردوغان، إلى خلق شبكات تنظيمية داخل تركيا، يجند فيها الأتراك والعرب، وخاصة الذين لجأوا إليه مؤخرًا من ويلات الثورات العربية.
ودشن حتى الآن نحو 17 مجموعة مختلفة، تضم تيارات دينية بمختلف أفكارهم بما فيهم الإخوان، وحتى يهرب من المساءلة الداخلية أعطى لهم نفس أسماء التنظيمات التي شكلها للحرب في سوريا وليبيا، للتشويش على المعارضة العلمانية، وتشتيتها بين الداخل والخارج، ومحاصرتها بشعارات قومية ترمي المخالف بالخيانة، وتصمه بالعار إذا ما اعترض على سياسات جعلت البلاد رهن حصار غير مسبوق من قبل المجتمع الدولي.
تعديل الدستور
منذ سنوات يدرك أردوغان وأنصاره أنه قارب على فقدان دعمه الشعبي، ومع طموحه لتعديل الدستور في الفترة المقبلة، لمنحه المزيد من فترات الحكم، بعدما بقي على رأسه تحت راية مناصب مختلفة، ما يقرب من عقدين من الزمان.
لجأ إلى إجراءات استبدادية إضافية للحفاظ على السلطة، وتثوير قطاعات كبيرة من الشباب التركي والعربي، عبر خطاب رجعي جهادي، مهمته في المقام الأول تقويض مؤسسات الحكم العلمانية، وتصعيد خطاب ديني، معاد للغرب والبلدان العربية التي لا تدور في فلكه.
خطاب متطرف
وهذا الخطاب المتطرف أصبح هو المعبر الرسمي عن جهاز الدولة بالكامل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والجيش والشرطة والقضاء.
وحتى تكتمل هذه الخطة، عمل أردوغان وحزبه على إنشاء هياكل متكاملة لميليشيات غير نظامية، تساعده في السيطرة على الشارع التركي وإسكات المعارضين بل وإخراسهم إذا لزم الأمر، ولهذا أنشأ مجموعات عدة خلال السنوات الماضية، على رأسهم أمير إسطنبول، ومجموعة مراد، وهذه المجموعة تحديدا تحتل الآن مساحة كبيرة من التواجد على الحدود السورية.
الإرهاب
رائحة الإرهاب لا تختبئ كثيرا؛ فقد عرفت النخب والمعارضة التركية بأمر هذه المجموعات، فلجأت حكومة العدالة والتنمية في المقابل، لتعطيل عمل هذه المنظمات، وفعّلت الشرطة بعض الإجراءات الصورية ضد أشخاص معروفبن بنشاطهم الإرهابي، ولكن تم إطلاق سراحهم جميعًا.
المعارضة التركية
مما دفع أحزاب المعارضة التركية والصحفيين والأكاديميين إلى الحديث بصوت عال عن هذه الظاهرة، بعدما أصبح قرار الشرطة، أسيرا لتوجهات الحكومة الإخوانية، التي لم تعد تتصرف لحماية القانون وإنفاذه، وإنما بما يحفظ عمل هذه الشبكات الجهادية الخطيرة، لكي تمرر حكومة العدالة والتنمية سياستها في تشكيل ميليشيات داخلية، تلعب على ورقة «الإرهاب» الذي ضرب الأتراك على مدار العقود الماضية، باعتبار أنها تسعى بهذه الطريقة إلى مهادنة التطرف، وتفكيك الفكر الجهادي، الذي نما في تركيا قبل تولي الإخوان الحكم، حتى لو كانت الأرقام تؤكد أن نحو 2200 تركي، انضموا إلى داعش والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة خلال السنوات القليلة الماضية.
وهي تنظيمات مدعومة بشكل أو بآخر من أردوغان، وهو رقم مرتفع وغير مسبوق في تاريخ تركيا، مما يعني أن التطرف زاد بشدة في أردوغان وليس قبل مجيئه للحكم.
في المقابل، تكشف المعارضة هذه المسرحيات الإخوانية التركية، وتدلل على نمو هذه الشبكات الإرهابية، بنهج حكومة العدالة والتنمية، منذ عام 2014 في استئصال الآلاف من ضباط شرطة مكافحة الإرهاب ذوي الخبرة.
تجارة النفط
وفي الوقت نفسه ألحقت الآلاف من الضباط عديمي الخبرة، والموالين بالكامل للحزب الحاكم، ويشبهونه في العقيدة والفكر، وهؤلاء متهمون من قبل المعارضة بتسهيل حركة التيارات المتطرفة والجهادية على الحدود، والسماح بتجارة النفط غير القانونية، والسماح كذلك للمقاتلين الجرحى بالعبور للعلاج دون أوراق داخل المستشفيات التركية والخروج دون مراقبة أمنية.
تسمين الجهاديين
المسئولية الرسمية التركية عن تسمين الجهاديين داخل تركيا، رصدها المجتمع الدولي منذ عام 2014، وتزايدت الانتقادات الشرسة بحق حكومة أردوغان، ليخرج وقتها أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا ــ المعارض لأردوغان حاليا ــ ويهاجم المخاوف الدولية من الدعم التركي للتطرف، ويعتبرهم مجرد مجموعات من الرجال الغاضبين، لأسباب سياسية واجتماعية.
وكان أوغلو يحاول إيجاد تبريرات لمزارع التطرف المنتشرة داخل تركيا، والتي يهدف منها حماية النظام الحاكم، وتحفيز المشاعر العامة التركية في العودة للماضي، والالتفاف حول أردوغان ومشروعه لإعادة التراث العثماني، الذي لا يمكن إحياؤه إلا بتثوير السياسة الداخلية للعدالة والتنمية والخارجية على حد سواء.
ولهذا يعمل أردوغان على توسيع نفوذه في جميع أنحاء المنطقة، لحماية مشروعه الأيديولوجي، الذي يبدأ من الداخل بشبكات موالية له، ويرتكز أيضا على شبكة إقليمية من الوكلاء في الخارج.
والغريب أن أردوغان استمر في بناء شبكات داخلية للتطرف، رغم تعرضه لطعنة كبرى من هذه الميليشيات عام 2015، بعد أن تفاجأ بتصرف منفرد لإحدى الجماعات السلفية التركية بمحافظة أديامان، التي قامت بتجنيد مقاتلين للحرب في سوريا دون إخبار الحكومة التركية.
وعندما حاولت التضييق عليها، لمجرد خروجها من حظيرة الإخوان، نفذت هجوما انتحاريا قتلت فيه عشرات القتلى والجرحى من الأنراك العزل.
المفاجأة الكبرى التي كشفتها هيئة الاستخبارات الرسمية للاتحاد الأوروبي، أن عناصر حزب العدالة والتنمية، كانت متواطأة في هذا الهجوم السلفي، بعد أن تم تغييب الشرطة عن قصد، لعدم محاسبة هؤلاء، وبالتالي انكشاف أمرهم ومن يحركهم، ولهذا تواجه حكومة حزب العدالة والتنمية ضغوطًا سياسية متزايدة في الداخل، وكذلك من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لبذل المزيد من الجهد ضد شبكة الجهادية داخل البلاد وخارجها.
وكان من نتيجة لذلك انضمام حكومة أردوغان إلى التحالف الدولي ضد داعش منذ عام 2015. ورغم المشاركة العلنية في الحرب على الإرهاب، لم يرتدع أردوغان، واستمر في محاولة تغيير بنية المؤسسات الحاكمة في بلاده، ليصبح تولي المناصب وفقا للقناعات الأيديولوجية والسياسية.
الجيل الجديد
وقد يصبح أردوغان نفسه ضحية تعطشه للقوة والنفوذ، بسبب عدم معرفته جيدا بالجيل الجديد في تركيا، الذي يهتم بالعالم الحر، ويربط نفسه في طريق واحد معه، بخلاف «الجيل التقي» الذي يعمل الرئيس التركي على إعادة هندسة أفكاره بالقناعات الإخوانية والسلفية والجهادية، وهو طريق لايحمد عقباه، وكل من سار على دربه فشل أو قتل.
الدكتور عبد الله العوضي أستاذ علم الاجتماع الجنائي، يرى خطورة تيارات الإسلام السياسي، والأصولية المتزمتة والمتطرفة في محاولاتها الدائمة لإعادة إنتاج الماضي في الحاضر والمستقبل، لافتا إلى أن أردوغان وغيره من حركات الإسلام السياسي، تقطع طريق المجتمعات التي يعيشون فيها، والموصلة إلى ربهم، وتوقفها على جماعتهم، بمختلف المسميات.
ويوضح العوضي أن الإخوان تموضع نفسها في تركيا، وسائر بلدان المنطقة وليس الإسلام كما يزعمون، لافتا إلى أن هذا الفهم المغلوط يعرقل حركة الإسلام، فهو يعلو ولا يعلى عليه، ويجب أن يظل الأعلى دائما، على حد قوله.
نقلًا عن العدد الورقي...