"بي بي سي" تنشر أحدث ما توصل إليه العلماء بشأن علاج فيروس كورونا
سلطت شبكة “BBC” البريطانية الضوء على الجهود المضنية التي يبذلها العلماء من أجل التصدي لفيروس كورونا المستجد وإيقاف انتشاره حول العالم.
وأوضحت الشبكة البريطانية أن بعضهم استعان بنماذج محاكاة حاسوبية معقدة، لمتابعة أنماط انتشار الفيروس والتنبؤ بها، بينما يعكف علماء الفيروسات على تطوير لقاح جديد باستخدام أساليب التعديل الجيني، وفي الوقت نفسه تُجرى أبحاث على عقاقير لعلاج المصابين بالفعل بالفيروس.
وأشارت “بي بي سي”، في تقريرها إلى أن فيروسات كورونا أثبتت بعد عقود من محاولات القضاء عليها، أنها عدو صعب المراس، إذ ينتمي فيروس كورونا المستجد إلى فصيلة فيروسات كورونا أو الفيروسات التاجية، والتي تسبب مجموعة من الأمراض الأكثر شيوعًا وصعوبة في علاجها، مثل نزلات البرد، والذي لم نجد لها لقاحًا فعالًا أو علاجًا شافيًا حتى الآن، وكذلك متلازمة التهاب الجهاز التنفسي الحادة والفتاكة "سارس"، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس"، كما يصيب الفيروس كلًّا من البشر والحيوانات على حد سواء، وينتقل من الحيوانات إلي البشر والعكس، إذ سجلت أول حالة إصابة بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في عام 2012، حين أصيب طفل بالفيروس جراء مخالطة جمل حامل للفيروس، وتم تسجيل حالات إصابة عديدة بين البشر بعدها.
ويرجح العلماء أن فيروس كورونا الحالي، الذي يطلق عليه "فيروس كورونا المستجد-2019"، ظَهر في وقت ما في بداية ديسمبر الماضي، وكان العلماء في البداية يظنون أن الفيروس انتقل إلى البشر من الخفافيش، بعد العثور على فيروسين لدى الخفافيش يحملان الكثير من الصفات الوراثية لفيروس كورونا البشري، إلا أن آخرين يعتقدون أن مصدره الثعابين.
كما أن بعض العلماء اتهموا مؤخرًا "آكل النمل الحرشفي" المهدد بالانقراض والذي يتم استخدام حراشفه في الطب الصيني التقليدي، كمصدر محتمل للفيروس، ويرجح بعض الباحثين أن سلالة كورونا التي تصيب البشر الآن قد تكون نتجت عن اختلاط فيروسين أحدهما يصيب الخفافيش والآخر يصيب آكل النمل الحرشفي.
وقالت أخصائية علم الوبائيات بجامعة إمبريال بلندن وجامعة أكسفورد، كريستل دونلي: نعتقد أن الفيروس كان مصدره السوق المحلي في مدينة ووهان الصينية، بينما أوضحت الشبكة البريطانية أن الفيروس يصيب الجهاز التنفسي العلوي ويسبب مجموعة أمراض، قد تتضمن الالتهاب الرئوي، لكن ثمة أدلة تثبت أنه قد يتوغل في الجسم فيصيب الجهاز العصبي المركزي، ويسبب اضطرابات عصبية طويلة الأمد.
وتعتبر كلمة كورونا هي المقابل اللاتيني لكلمة تاج، حيث استمد الفيروس اسمه من شكله الحلقي المغطى بالنتوءات التي تشبه التاج، ويتضمن هذا الغلاف الشائك الحمض النووي الريبوزي "آر إن أيه"، والذي يمثل مادته الوراثية، وخلافًا لـ”دي إن إيه”، فإن الحمض النووي الريبوزي يتيح للفيروس التحور وراثيًا بسرعة، وهذا ما يساعده على اكتساب القدرة على التنقل من الحيوان للبشر أو العكس، بالإضافة إلى تغيير خصائصه مثل قدرته على الانتشار وحدة الأعراض التي يسببها، لذلك يصعب محاربة فيروس كورونا، والذي يظهر بين الحين والآخر في صورة سلالات جديدة، لأن اللقاحات والأدوية تعجز عن القضاء على عدو دائم التغير.
الصحة العالمية تطالب جميع الدول بعمل ما يمكن لوقف انتشار كورونا
وقدَّرت دونلي وزملاؤها قدرة فيروس كورونا الجديد على الانتشار بنحو 2.6، أي إن كل مريض نقل المرض لنحو 2.6 شخص آخر، مشيرة إلى أن كل ما يفوق الرقم واحد على مؤشر انتشار الأمراض، ينبئ بإمكانية تحول المرض إلى مرض متفشي.
كما أنه من الممكن أن تتفاوت أيضًا قدرة المريض على نقل المرض، إذ إن بعض المرضى لديهم قدرة استثنائية على نشر المرض بين أعداد كبيرة من البشر، وعلى سبيل المثال، إذا نقل أحد المرضى الفيروس المستجد لنحو 14 عامل رعاية صحية، هؤلاء المرضى سيسهمون بنصيب كبير في تفشي المرض، وذلك لأنهم ينشرون عددًا أكبر من الفيروسات عن طريق السعال والعطس، مقارنة بسائر المرضى، وقد لعب هؤلاء المرضى دورًا كبيرًا في تفشي عدوى "سارس" و"ميرس"، وعرقلوا جهود احتوائهما.
بالإضافة إلي أن قدرة المرضى على نشر الفيروس بهذا الشكل تتوقف على عوامل عديدة، منها الخصائص البيولوجية، ونوع الفيروس والبيئة التي يعيشون فيها، وقد يحمل بعض الناس بفضل أنظمتهم المناعية القوية، الفيروس لفترة دون أن تظهر عليهم إلا أعراض قليلة أو معتدلة، وهذا يتيح لهم السفر والتنقل لمسافات طويلة رغم أنهم مصابون بالمرض، وعلى النقيض يعاني آخرون من أعراض شديدة بمجرد الإصابة بالفيروس، تجلعهم يعطسون ويسعلون وينشرون المرض بين عدد أكبر من الناس، وقد تسهم التدابير الوقائية العامة، مثل ارتداء أقنعة الوجه وغسل اليدين وحجز المرضى في الحجر الصحي، في الحد من انتشار المرض.
وأشارت الشبكة الأمريكية إلى أن التشخيص المبكر للحالات المصابة بالفيروسات في المقام الأول يساعد في احتواء تفشي المرض، كما ابتكر المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية، مجموعة أدوات تعتمد على تحليل الحمض النووي للكشف عن فيروس كورونا المستجد، وتعتمد هذه الأدوات على تقنية جديدة تظهر النتائج في غضون أربع ساعات فقط.
ويعمل الباحثون بجامعة كاليفورنيا وعدد من شركات التكنولوجيا الحيوية على تطوير طرق تشخيص حديثة تعتمد على تقنية "كريسبر" للتعديل الجيني لرصد الفيروس لدى المصاب قبل ظهور أعراضه، أما عن العلاج فإن العلاج الرئيسي لهذه الفيروسات حتى الآن هو "مضادات الفيروسات"، التي تضعف قدرة الفيروسات على دخول الخلايا وتمنعها من التكاثر والتضاعف داخل الخلية أو الانتقال من الخلايا المصابة إلى غيرها.
ويجري في الوقت الحالي بعض العلماء أبحاثًا عن عقار "ريمديسفير"، وهو مضاد للفيروسات واسع النطاق، أي إنه فعال في منع فيروسات عديدة من التضاعف، وتم تطوير هذا العقار خصيصًا لمكافحة انتشار فيروس إيبولا، وعندما أعطى الباحثون عقار "ريمديسفير" لأول حالة إصابة بفيروس "كورونا المستجد 2019"، في الولايات المتحدة، تماثل للشفاء في غضون أيام، وأيدت أبحاث أخرى فاعلية هذا العقار في علاج الفيروس.
وأثبتت الفحوص المخبرية أن عقار "ريمديسفير" كان فعالًا في منع الفيروس المستجد من إصابة الخلايا البشرية، لكن العقار لم يعتمد من الجهات التنظيمية بعد للاستخدام لدى المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد.
وأشارت نفس الدراسة إلى أن "كلوروكين"، العقار الذي يستخدم في علاج الملاريا والوقاية منها، كان فعالًا أيضا في علاج فيروس كورونا المستجد.
ويجري أطباء في أحد مستشفيات ووهان في الصين تجارِب سريرية على عقارين يستخدمان في علاج فيروس نقص المناعة البشرية، ولكن الخوف الآن من تطور فيروسات كورونا، وخلق مناعة ضد مضادات الفيروسات.
وفي الوقت نفسه، يجري العلماء دراسات على استخدام النقاط الكمية، وهي أشباه موصلات لا يتعدى حجمها بضعة كيلومترات، لتقدير مدى فاعليتها في منع فيروسات كورونا البشرية من إصابة الخلايا، وبالتوازي مع هذه الدراسات، يسابق علماء الزمن لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا المستجد لكبح انتشاره.
وتساعد اللقاحات النظام المناعي على التعرُّف على بعض سمات الفيروس، مثل تركيبة البروتين على غلافه الخارجي، وتطوير أجسام مضادة لمقاومته حال الإصابة به، لكن هذه الفيروسات التي تغير شكلها باستمرار قد تفلت بسهولة من أنظمتنا المناعية، ولهذا لم يُطور حتى الآن لقاح ضد نزلات البرد.
وأعلن ائتلاف ابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة عن منحة قدرها تسعة ملايين دولار لشركة "إنوفيو" للأدوية لتطوير لقاح لفيروس كورونا في غضون 16 أسبوعًا، إذ يطور الباحثون في الشركة اللقاح عن طريق إنتاج كميات كبيرة من تسلسلات الأحماض النووية، للتنبؤ بالتحورات التي قد تحدث في الفيروس وتساعده على إنتاج سلالة جديدة.
لكن ثمة طريقة أخرى لتطوير اللقاح تتمثل في استخلاص بعض الخلايا من مريض تعافى من المرض وفحصها، لاستخراج أجسام مضادة منها، ثم تستنسخ الأجسام المضادة لبحث مدى فاعليتها كلقاح للفيروس.
ولا يزال البحث مستمرًا عن علاج أو لقاح لفيروس كورونا المستجد، وقد تستغرق الأبحاث شهورًا أو سنوات، لكن حتى هذه اللحظة ليس بوسعنا سوى مراقبة الفيروس ومحاولة كبح انتشاره.