تعلموا الدرس.. ولو من الصين
لو تنبأ أحد فى أواخر عام 2019 بسيناريو "كورونا" المرعب لاتهمناه بالجنون، ولكن ما كنا نعتبره قبل أيام قليلة "جنونا" لا يصدقه عقل أو منطق، صار حقيقة وواقعا..
إننا أمام وباء عالمى يأتى فى خطورته بعد وباء الطاعون الأسود الذى قتل ما يزيد على 20 مليون شخص في عام 1350، وبعد وباء الكوليرا الذى انتشر في القرن التاسع عشر وتسبب في مقتل عشرات الملايين من البشر وأشد فتكا من فيروس "سارس" الذى أصاب أكثر من 8 آلاف شخص في عام 2003، ومن سلالة إنفلونزا "إتش وان إن وان" وأنفلونزا الخنازير في عام 2009، ومن فيروس الإيبولا الذى انتشر فى عام 2014 بغرب إفريقيا.
وكأننا فى نهاية العالم أو إرهاصات يوم القيامة، الحياة على مشارف التوقف أو الإصابة بالشلل، حالة حظر تجول ومنع السفر وإغلاق مطارات وحظر الخروج للشوارع وإيقاف الدراسة فى المدارس والجامعات وتجميد الأنشطة الكروية وإغلاق المحلات، بل ومنع الصلاة فى المساجد والكنائس، ولا أحد يعلم متى سينتهى هذا الكابوس المرعب، فى ظل عجز العالم كله عن إيجاد مصل أو دواء لهذا الفيروس.
اقرأ أيضا: الشعب يريد "دخول الحمام"
ما هذا الرعب الذى يحاصرنا من كل جانب، كلما شاهدت نشرات الأخبار حول العالم تشعر بأن النزول من المنزل أصبح مغامرة ومقامرة، إذا ركبت باصا أو أتوبيسا به بشر أو مترو الأنفاق المزدحم عن آخره قد تصاب بالعدوى من شخص مصاب، ولو تناولت كوبا من الشاى لم يتم تعقيمه فى عملك أو على مقهى فسوف تنتقل لك العدوى..
بل لو دخلت الحمام فى عملك واستعملت دورة المياه أو لامست الحنفية المعدنية فقد تصاب ما لم تكن اتخذت كل الاحتياطات اللازمة من تعقيم وخلافه، ولو لامست سطحا معدنيا أو حتى تحدثت مع شخص من مسافة أقل من متر، ولو تناولت ساندوتش من أحد المطاعم قد يكون ملوثا بالعدوى، ولو دخنت شيشة على مقهى لم يتم تعقيمها جيدا فقد تصاب بالعدوى، الخطر يحاصرك فى كل مكان به بشر، ولا حل سوى العزلة لحين انقشاع تلك الغمة التى أحلت بالعالم بأسره.
اقرأ أيضا: لماذا يحب أصحاب المناصب منافقيهم؟!
الطريف فى الأمر أن الصين التى كانت منشأ الفيروس أعلنت شفاء جميع المصابين لديها، بينما يضرب العالم كله "حيص بيص" ويتخبط بحثا عن مصل أو دواء شاف، كما لا يوجد أى دليل علمى أو طبى حتى الآن على أن تناول المواطنين الصينيين للخفافيش هو مصدر العدوى باعتبار أن بداية الوباء كانت فى حى لبيع المأكولات البحرية فى مقاطعة ووهان.
صحيح أن أصابع الإتهام تشير إلى الصين باعتبارها مسئولة عن نشر الوباء فى كل أنحاء العالم لعدم شفافية سلطاتها، ولتأخرها فى الإعلان عن وجود فيروس خطير لتحذير العالم وتنبيهه الى الاستعداد، واتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة، ولكن مهما كانت الاتهامات الموجهة للصين علينا أن نتعلم الدرس منها، بعد أن ضربت مثلا رائعا فى كيفية منع تفشى الوباء داخل أراضيها ومحاصرته، من خلال تحديد إقامة نحو 60 مليون مواطن وعزل مقاطعات بأكملها وتحميل تطبيقات على الموبايلات بحيث يعرف كل مواطن صينى ما إذا كان يقف بجواره شخص مصاب بالفيروس.
اقرأ أيضا: عندما قالت الممرضة "مين قال له يعمل حادثة"
فضلا عن إلغاء معظم أشكال النقل ووضع الطرق داخل المدينة وخارجها تحت المراقبة المستمرة، وكذلك من خلال كاميرات المراقبة التى تملأ كل الشوارع والميادين، بحيث مكنت الحكومة من السيطرة على تحركات مواطنيها وحظر تجولهم، حتى أن الرئيس الصينى زار ووهان المدينة المنكوبة بعد تمام شفاء كل المرضى، كما أن وجود حكومة مركزية قوية وانضباط المواطنين والتزامهم بالتعليمات الصارمة ساعد فى محاصرة الوباء وعدم تفشيه.
وتوجد اعتقادات لدى المسئولين الصينيين بأن مصدر الوباء قد تم نقله إليهم من خارج بلادهم، بما يؤكد نظرية المؤامرة فى مسألة نشر الفيروس، حتى أن المتحدث باسم الخارجية الصينية فى تغريدة له على حسابه على "تويتر"، وباللغة الإنجليزية اتهم الجيش الأمريكي باحتمال إدخال فيروس الكورونا إلى مدينة ووهان التي كانت الأكثر تضررا بتفشي المرض.
اقرأ أيضا: وزير التموين من الإحسان إلي “الأنعرة”
لقد جاء 2020 ساخنا بأوبئته وعواصفه وسيوله، هناك شركات طيران وأندية كروية قد تشهر إفلاسها خلال هذا العام، وشركات ومؤسسات اقتصادية قد تجمد نشاطها، وتيرمات دراسية وبطولات عالمية سيتم إلغائها فى كل العالم، وكل قرار احترازى اتخذ باعتباره مؤقتا سيصبح دائما لأن الأسوأ -من وجهة نظرى- لم يأت بعد..
وأول مصل سيتم اختباره معمليا لعلاج الفيروس القاتل لن يخرج الى النور قبل 6 شهور، بما يعنى أن علينا - أشخاصا ودولا ومؤسسات- تهيئة أنفسنا لشطب 2020 من دورة الحياة واسقاطها من الحسابات، وهذه هى الحقيقة المؤلمة التى تشير كل الدلائل إلى حدوثها بكل أسف.
حتما سيرحل وباء كورونا إن آجلا أو عاجلا مثل غيره من الفيروسات، ولكن سيأخذ معه السر دون أن يعرف العالم الحقيقة، ودون أن يجيب عن السؤال المهم، هل هو وباء أم مؤامرة كونية؟ هل هو جائحة أم هجمة بيولوجية؟