رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة بلا مفكر وبلا قائد


لا ندرى بمن كان يفكر الرئيس بشار الأسد عندما تساءل من هو «مفكر هذه الثورة ومن هو قائدها؟». هل كان يفكر فى الثورة الفرنسية، أم فى الثورة الروسية، أم في ثورة 8 آذار - مارس؟ إذا كان فى الأولى، فلم يكن لها مفكر واحد، بل مجموعة كبيرة ومديدة من المفكرين، تتفاوت خلفياتهم ما بين روسو ومنتسكيو. وإذا كان يفكر في الثورة الروسية فقد كان آباؤها تولستوى وغوركى قبل ماركس ولينين. وإذا كان يفكر في ثورة 8 آذار - مارس فإن مفكرها ميشال عفلق، حكم عليه بالإعدام أيام والده ومنع من العودة إلى سوريا طوال عمره، فى حين قتل شريكه فى تأسيس حزب البعث، الدكتور صلاح البيطار، فى باريس، بعدما ظل هو الآخر منفياً لعقود.



يقول أومبرتو إيكو إن الأدب هو الذى يولد الثورات. أولئك الذين يعبرون عن مشاعر الناس وأحاسيسهم، وليس من الضرورى أبداً أن يدل المفكرون البسطاء هذا العالم على فلسفة الثورة. لقد نشأ حزب البعث فى صفوف المفكرين ونقل مخفورا إلى الثكنات. وبدأ مع هموم الناس وصار فى غايات العسكر. وكان حزب الأمة فتحول إلى حزب المنطقة.
هذه ثورات ضد «الفكر» الذى حاصرها بالإنجاز اللفظى منذ أكثر من نصف قرن. ولو لاحظ الرئيس الأسد الخط البيانى الذى كان مقتنعا بأنه فقاعة لن تصل إلى سوريا، لرأى أن الذى فجر ثورة تونس كان بائع ثمار على عربة، لا يملك حتى دكاناً. وأن الذين فجروا ثورة ليبيا لم يكن بينهم قائد واحد كما جرت العادة فى الثورات المعهودة. والذين ملأوا ميدان التحرير كانوا من طبقة وائل غنيم وليس لينين.

زمن الثورات التى تهتف لرجل واحد، مثل زمن الأنظمة التى تهتف لرجل واحد، قد ولّى. ما من أحد يعرف اسم رجل حرك سقوط الاتحاد السوفييتى وأوروبا الشرقية. وبعض قادة الصين اليوم تمتلك عائلاتهم نحو 200 مليار دولار ربحتها في اقتصاد السوق وليس فى الاحتكار ولا فى التسلط.

فى سوريا مجموعة كبرى من الأدباء والمفكرين لم نكن نعرف بهم من قبل لأنه لم يكن مسموحاً لهم أن يكتبوا أو أن نقرأ لهم. هؤلاء يساهمون الآن فى الصحافة العربية بأرقى المستويات وأغنى العطاءات. وهم يظهرون الآن على حقيقتهم الناصعة وليس كعملاء ومارقين ومحرضين على أمن الدولة. هؤلاء مجموعة مفكرين وليسوا مفكراً .

نقلاً عن الشرق الأوسط

الجريدة الرسمية