منتصر عمران يكتب: هارون الرشيد.. الخليفة المفترى عليه!
حاول المستشرقون تشويه صورة خليفة المسلمين هارون وتصويره بما لا يليق كحاكم مسلم.. فقد اتسعت في عصره رقعة الدولة الإسلامية حتى إنه كان يخاطب السحاب قائلا لها: شرِّقي أو غرِّبي فسأيتيني خراجك..
ولكثرة الفتوحات الإسلامية التي قادها بنفسه ترتب عليها كثرة السبايا من النساء وكان هذا الأمر معمول به في حروب عصره ولم يكن بدعا من الفعل.. فعندما تنتهي الحرب بالنصر لقائد جيش يحصل على غنائم وسبايا من الجيوش المنهزمة... هذا ما حدا بإعدائه لوصفه بأنه كان زيرا للنساء ويستمع الي الطرب وكل ذلك مغالطات ما انزل بها من سلطان..
لكن الحقيقة التي ترويها كتب السير والتاريخ للمسلمين تؤكد على أن هارون الرشيد كان من أعظم خلفاء بني العباس. وكان شديد التقوى والخوف من الله عز وجل حتى إنه كان يحج عامًا ويغزو في سبيل الله عامًا. بل في حجه لم يكن مرفهًا بل كان يحج ماشيًا. ويصلي في كل يوم مائة ركعة.
منتصر عمران يكتب: تحديد مصائر البشر ليست بضاعتنا
والعجب في ذلك أنه كان يروي الحديث بالسند المتصل إلى النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وكان- رحمه الله- يجل العلماء ويجالسهم ويستمع منهم الحديث والموعظة فيبكي حتى يبتل الثرى بدموعه.
يقول ابن العماد: "كان الرشيد رحمه الله يحب الحديث وأهله، وسمع الحديث من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الزهري، وأكثرُ حديثه عن آبائه، وروى عنه القاضي أبو يوسف والإمام الشافعي رضي الله عنهما".
ومما رواه الرشید من الحدیث قال الصولي: حدثنا عبد الرحمن بن خلف حدثني جدي الحصین بن سلیمان الضبي سمعت الرشید یخطب فقال في خطبته حدثني مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتقوا الله ولو بشق تمرة". وقال حدثني محمد بن علي عن سعید بن جبیر عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "نظفوا أفواهكم فإنها طريق القرآن". يغزو عامًا ويحج ماشيًا.
ومن أقوال العلماء والمؤرخين الثقات في حق هارون الرشيد وبعضهم كانوا ممن عاصروه أو قابلوا من عاصروه:
حيث ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن هارون الرشيد: "كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة".
باحث: مهمة الحاكم تعيين القائمين على شئون الإفتاء والقضاة
وقال الإمام الذهبي في التاريخ: "سنة تسع وسبعين ومائة وفيها اعتمر الرشيد في رمضان ودام على إحرامه إلى أن حج ومشى من بيوته إلى عرفات". وقال الغزالي في فضائح الباطنية: "وقد حُكي عن إبراهيم بن عبد الله الخراساني أنه قال: حججت مع أبي سنة حج الرشيد فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسرٌ حافٍ على الحصباء، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول: “يا رب أنت أنت وأنا أنا، أنا العوّاد إلى الذنب وأنت العوّاد إلى المغفرة، اغفر لي".
قال الإمام السيوطي في كتابه "تاريخ الخلفاء": كان أبيض طويلًا جميلًا مليحًا فصيحًا يحب العلم وأهله ويعظم حرمات الإسلام، كثير الغزو والحج، حج تسع مرات وكان إذا حج حج معه الفقهاء وأبناؤهم وجمع كبير، وإذا لم يحج يحج عنه ثلاثمائة رجل معهم كسوة الكعبة الباهرة، وبذلك اشتهر عنه إنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا".
في حين قال عنه الإمام الطبري: "إنه غزا سبع مرات وجهز عشرين حملة للجهاد في البر والبحرين وظل عهده ممزوجًا بين جهاد وحج حتي إذا جاء عام 192 هـ فخرج إلى خراسان لإخماد بعض الفتن والثورات التي اشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة طوس اشتدت به العلة وتوفي في 3 من جمادي الآخرة 193 هـ.. 14 أبريل عام 809 م، بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وتعتبر هذه الفترة العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.
رحم الله خليفة المسلمين هارون الرشيد.