العميد البطل السيد وجدي فى ذكرى يوم الشهيد: ألازم غرفتى بـ"المعادي العسكري" منذ 47 عاما .. والسيسى والسادات ومبارك كرمونى | حوار
لا يمكن أن أنسى دور جيهان السادات في رعاية مصابي الحرب.. وأطلقنا عليها "أم الأبطال" لهذا السبب
القوات المسلحة لا تترك أبناءها أبدا.. وكل وزراء الدفاع زاروني هنا في غرفتي ويطمئنون على بصفة دائمة"
العميد السيد وجدي، أحد أبطال اللواء 25 مدرع بحرب أكتوبر، بطل آخر من أبطال القوات المسلحة، ضحى بنفسه، وكاد أن يفقد حياته دفاعا عن تراب الوطن، ونال شرف الإصابة في ميدان القتال.
العميد وجدي يرقد في مستشفى المعادي منذ إصابته بشلل ثلاثي جراء إصابة دبابته بصاروخ أثناء محاولة إغلاق الثغرة التي قام بها العدو من الغرب للشرق يوم 17 أكتوبر 1973، حيث أصابته 13 شظية في أماكن متفرقة في جسده وتم نقله للمستشفي، وأجريت له عشرات العمليات في الداخل والخارج، وحتى الآن 47 عاما من الصبر والأمل يتحدي الأيام بالقراءة والاطلاع ولم تفارقه الضحكة أبدا.
عندما تراه للوهلة الأولى تشعر أنك تعرفه منذ سنوات فيعلو وجهه ضحكة بشوشه تنم عن الرضا والإيمان الكامل، فأنت في حضرة بطل من نوع خاص حاضر الذهن مثقف. داخل غرفته استقبلنا والابتسامة لا تفارقه قائلا: "أنا لا أحب الحديث في الإعلام كثيرا برغم أنني كنت من الكتاب في جريدة الأخبار بعد إصابتي بسنوات قليلة كانت القراءة هي المتعة الوحيدة التي أقوم بها، وكنت اقرأ كل الكتب الجديدة، وأقوم بعمل ملخص بسيط عنها في صفحة الثقافة بالأخبار تحت عنوان قرأت لك، ثم انقطعت عن الكتابة منذ سنوات".
*بداية احكى لنا عن مسيرتك في القوات المسلحة؟
أنا من أسرة مصرية تعشق أرض مصر الطاهرة والدفاع عنها، ولدت في 26 ديسمبر عام 1948 بحي شبرا ترتيبي الرابع في أسرتي، تخرجت في المرحلة الثانوية وكنت وقتها أتدرب على الطيران الشراعي لالتحق بالكلية الجوية، ولكن لم يحالفني الحظ ، والتحقت بكلية اللغات قسم الترجمة ثم حدثت نكسة 5 يونيو 67، فتركت الكلية مثل الكثير من شباب مصر وقتها، وذهبنا للالتحاق بالكلية الحربية التي كانت طوابير الشباب فيها لا تعد، الكل يريد الالتحاق بمصنع الرجال، وكان الطالب وقتها بدرجة مقاتل.
كان الشعور بالغيرة والاستباق إلى صفوف المقاتلين، وبالفعل تم قبولي وتخرجت عام 1970 ضابطا في سلاح المدرعات، وتم إلحاقي بأحد الألوية المدرعة على طريق الزعفرانة البحر الأحمر، وكانت التدريبات على الحرب شاقة جدا كنا نجتازها بنجاح حتى نتفوق على العدو الذي اغتصب أرضنا الطاهرة، قبل الحرب بعام تقريبا تم تسليمنا دبابات جديدة وهي T62 وكانت وقتها أحدث دبابة في مصر، وتلقينا فرقة سريعة عن كيفية استخدامها، وكانت الفروق بسيطة بينها وبين الدبابة القديمة".
*هل تتذكر تفاصيل ما حدث قبل الحرب بأيام؟
تقدمنا إلى الأمام من جبهة القتال في جبل عتاقة في منطقة تجمع خلف الجيش الثالث الميداني في منطقة جنيفة، وكنا نسير ليلا على بلادوس الدبابة، وهو ضوء خافت مثل ضوء السيجارة حتى لا ترانا رادارات العدو على الجبهة الشرقية، وقد أبلغنا وقتها أننا سنقوم بإحدي المناورات بالذخيرة الحية على مشروع العبور.
*كيف علمتم بموعد الحرب؟
يوم 6 أكتوبر الساعة 12 ظهرا قام قائد الكتيبة بعقد اجتماع، وأخبرنا بميعاد الحرب وفي الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرا، وجدنا الطائرات تحلق فوق رؤوسنا على ارتفاع منخفض، ووجدنا أنفسنا نهتف تلقائيا : الله أكبر الله أكبر، وكأن الطيار يسمع هذا التكبير ليكون حافزا للنصر، وزاد من سعادتنا تحويل أرض سيناء إلى كتل من اللهب، والتفجيرات فوق راس العدو الإسرائيلي المغتصب.
*ماذا كان دورك فى العبور؟
جاء دوري في العبور حيث كنت أول دبابة تعبر القناة من منطقة معبر جسر أحمد حمدي فجر يوم 7 أكتوبر ، وكانت أهم لحظة تاريخية في حياتى ، عندما عبرت الدبابة فانها تصعد خط بارليف المرتفع بميل ومقدمتها فوق وبقيتها يصعد الساتر ورأيت السماء فوقي وكأنني في لحظة لا يوجد بيني وبين ربي سوي الغيوم فدعوت بأعلي صوتي يارب انصرنا ، وعندما اعتدلت الدبابة رأيت عناصر المشاة كأنهم زهور أمامي يضربون دبابات العدو بكل قوة وجسارة، حتى لا تتعرض للقوات العابرة وأرض سيناء أمامي كالجنة تدعوني للدخول، هذا كان إحساسي عندما وطأت دبابتي الضفة الشرقية بعد العبور، وانطلقنا لقتال العدو ولدينا يقين بالنصر أو الشهادة.
*ماهى المهمة التى كنتم مكلفين بها؟
كانت مهمتنا تدعيم قوات المشاة التي عبرت في الموجة الأولى للعبور على الأقدام وحمايتها من مدرعات العدو والاشتباك معه"، وفي الأيام الأولى للقتال كانت كتائب الصواريخ الإسرائيلية ذاتية الحركة تقوم بالتعامل معنا بكل شراسة، ولأن الدبابات تعتبر هدفا سهلا كنا نتفادي الضرب بالاختباء خلف ثنية أرضية أو تبة لأن دبابات العدو تحتل المرتفعات وكانت الاشتباكات مستمرة يوميا، ولكننا كنا نخاف على كل طلقة تخرج من فوهة مدفع الدبابة إلا لتدمير دبابات العدو، كانت قذائفنا مركزة وقاتلة، وفي يوم 9 أكتوبر بدأ العدو عمل حيل استفزازية لاستهلاك ذخيرتنا، ولكننا لم ننساق وتوقفنا عن الضرب، وبدءوا التقدم نحونا ببطء
*إحكى لنا عن قصة دبابة العدو التى نجحت فى اصطيادها سليمة بعد قتل طاقمها ، وتم عرضها في معرض الغنائم بالنصب التذكاري ؟
بعد أن بدأ أفراد العدو فى التقدم نحونا ببطء ، أبلغت قائد الكتيبة بخطتي في استدراج دبابات العدو لمرمي نيراننا، فأعطاني تفويضا بإعطاء أمر الضرب وتقدم العدو وكان مندهشا لعدم حركتنا نحوه، حتى أصبحت أهدافه واضحة، فأعطيت أمرا بالضرب بطلقة تسمي "سابو" 23 مم تقوم هذه الطلقة بإحداث فتحة صغيرة ببرج الدبابة ولا تقوم بتفجيرها وتفريغ الهواء بداخلها، وينتج عنها قتل جميع الموجودين بالدبابة بانفصال بجزع المخ وحدوث نزيف في الأنف والأذن دون انفجار جسم الدبابة نفسه.
وبالفعل أصابت طلقتي إحدي دبابات العدو والأخري فرت هاربة وكان وقتها قبل آذان المغرب بدقائق، فأرسلت أحد جنودي وهو المجند محمد توفيق بالزحف إلى الخط الأمامي وإحضار الدبابة فقام بإخراج جثة سائقها وأحضرها لنا وكانت من أهم غنائم حرب أكتوبر وتم عرضها في معرض الغنائم بالنصب التذكاري، وكان لي الفخر بانني قمت بأسرها سليمة بعد قتل طاقمها، وكانت معركتنا مع العدو صعبة وشرسة في منطقة مضيق متلا والجدي، وهدفنا الرئيسي تحرير الأرض المغتصبة بنيل إحدي الحسنيين إما النصر أو الشهادة".
*ماذا حدث يوم الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث ؟
يوم 16 أكتوبر قام العدو بتطوير الهجوم بإحداث ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث وعلمنا بها، وبدأت أولى خسائرنا في هذا اليوم، حيث خرجت إحدي الكتائب لصد الهجوم وسد الثغرة، وفي اليوم الثاني تحرك فوج من الدبابات تحت قيادتي، وكانت أمامنا دبابة دورية مهمتها استطلاع واستكشاف الطريق، فأمرت بإرجاعها للخلف وتقدمت أنا بدبابتي عن باقي القوة.
وقال لي قائد الكتيبة أمن نفسك يا وجدي واترك دبابة الاستطلاع أمامك، وكنت اقول له خليها على الله يا افندم الرب واحد والعمر واحد، وأثناء سيري في المقدمة رأيت بالمنظار علي مسافة نحو 5 كيلو مترات دبابات العدو لديها حائط صد، وتنزل في مياه القناة، فأبلغت قائد الكتيبة وأمرني بتحديد المسافة فأصدرت أمرا بإطلاق طلقة حتى أستطيع تحديد مدي دبابات العدو، وقمت بتحديد الإحداثيات وإبلاغ القائد بها.
*ماقصة اصابتك فى الحرب؟
أثناء تحدثي في التليفون مع قائد الكتيبة أطلق رامي دبابتي الطلقة الثانية دون إذني مما سهل تحديد موقعنا، وسقطت دانة مدفع العدو على دبابتي وأصبت بـ13 طلقة في جسدي بالرئة وأسفل الظهر، وتم نقلى للمستشفي الميداني ،وبعدها إلى مستشفى المعادي حتى يومنا هذا لا أخرج منه مطلقا إلا يوما واحدا في الأسبوع، اجتمع خلاله بزملائي في الدفعة، أو من خلال سيارة الإسعاف إلى المطار للسفر لإجراء عملية جراحية بالخارج، حيث سافرت إلى أمريكا وإنجلترا وفرنسا لإجراء عمليات جراحية، ومطلوب مني عمليات أخرى، ولكنني أرفض فقد اكتفيت بما قمت بإجرائه وأحاول أن أعيش ماتبقي من حياتي هادئا بدون عمليات".
*ماهو شعورك بعد كل هذه الأعوام من الإصابة والألم؟
عندما أصبت كان عمري وقتها 22 عاما، ولكن مصر أغلي من الحياة ورغم أنني لم أنل شرف الشهادة إلا أنني لست نادما، فما قمت به واجب تجاه بلدي يقوم به أي مصري يتم وضعه في مكاني، والأمثلة كثيرة حتى وقتنا هذا أبطال القوات المسلحة المصرية يهبون أرواحهم وحياتهم من أجل كل حبة رمل من أرضنا الغالية، وبعد الحرب تم تكريمي من جميع رؤساء مصر الرئيس البطل أنور السادات والرئيس مبارك والرئيس السيسي، فالقوات المسلحة لا تترك أبناءها أبدا وكل وزراء الدفاع زاروني هنا في غرفتي ويطمئنون على بصفة دائمة".
*ماذا عن علاقتك بالسيدة جيهان السادات؟
السيدة جيهان كانت تزورني منذ وصولي إلى المستشفي بصفة دورية، وتزور كل المصابين وتطمئن على أحوالنا من وقت إلى آخر حتى أصبحت أتواصل معها بصفة شخصية، وتدعوني إلى الغذاء في منزلها وشهادة حق للتاريخ هذه السيدة من العظماء الذين أنجبتهم مصر، وقد شاركت معها في إنشاء فرع الوفاء والأمل بمدينة نصر لعلاج مصابي العمليات الحربية، والموجود حاليا لرعاية كافة ضحايا الحروب، ولم تبخل أبدا بوقتها للاطمنئان الدوري على كافة المصابين، وقد اطلقنا عليها أم الأبطال لأنها الأم الحنون لكافة مصابي الحروب المصرية وعطاءها لا يتوقف أبدا.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"