"الاستثمارات الخليجية".. توجه بوصلتها نحو القاهرة.. مصر أصبحت الأكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر في قارة أفريقيا
ما بين التهديدات الأمريكية والأزمات الصينية، ضاعت الاستثمارات الخليجية، فالمناعة الاقتصادية للأسواق الخليجية، باتت تتأثر بأي أزمة تحدث بين واشنطن وبكين، وما أكثر الأزمات في الوقت الحالي.
السوق المصري
ولهذا لم يكن غريبًا أن يكسو «اللون الأحمر» غالبية شاشات البورصات الخليجية، ليس هذا فحسب، لكن الشواهد كافة، تشير إلى أن جرح الخسائر الذي انفتح في جسد الاقتصاد الخليجي لن يلتئم سريعًا، وسيواصل النزيف، ما لم تتحرك قيادات هذه الأسواق بحثًا عن أرض جديدة أكثر آمنًا من الأراضي الأمريكية أو الصينية.
وهنا برز السوق المصري، ليكون بمثابة المنقذ، غير إنه تزامنًا مع هذا الحل، طفى على السطح سؤال مهم هو “هل يستطيع السوق المصري تنفيذ هذه المهمة بنجاح؟”.
الفرص المتاحة
إلى ذلك.. يرى محمد كمال جبر، خبير الاستثمار والتنمية، رئيس البناء العربي للتنمية والتطوير أن الفرص كبيرة أمام مصر خلال تلك الفترة، لا سيما في ظل الحروب الطاحنة خارجيًا، وعلينا استغلال الفرص في مضاعفة الإنتاج وتعزيز الصادرات، والعمل على جذب كبار المستثمرين الذين يضخون استثماراتهم في أوروبا.
والاستثمارات العربية تمثل فرصًا كبيرة لمصر، لأنها أصبحت مركزًا لجذب الاستثمارات الأجنبية، والأكبر جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر في قارة أفريقيا خلال النصف الأول من العام الماضي، حيث اجتذبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 3.6 مليار دولار، والاستثمارات العربية فرس الرهان خلال المرحلة المقبلة.
سوق آمن
وأضاف «جبر»: الوضع الحالي في مصر أصبح مطمئنًا ومشجعًا على جذب الاستثمارات العربية، ومصر أصبحت سوقًا آمنًا وعليها أن تستغل الفرص حاليًا في الحروب الاقتصادية العالمية وتدعيم الاقتصاد المصري بمليارات الاستثمارات العربية التي يتم توجيهها للخارج في ظل قوانين الاستثمار الجديدة وجهود هيئة الاستثمار التي تسعى لجذب مزيد من الاستثمارات خلال الفترة المقبلة.
كما أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بلغت في النصف الأول من 2019 نحو 650 مليار دولار بزيادة نحو 24 % عن النصف الأول من 2018، وهناك توقعات بحدوث زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على المستوى العالمي، ولكن بشكل ضعيف في ظل وجود مخاطر الحرب التجارية لكن مناخ الاستثمار في مصر أصبح جاذبًا بعد الإشادات التي تلقاها مؤخرًا من البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
دعم الاقتصاد المصري
ومن جهته أكد محسن عادل، الرئيس السابق لهيئة الاستثمار، أن الاستثمارات العربية وجذبها لمصر أحد الحلول الكبيرة أمامها خلال هذه الفترة لتدعيم الاقتصاد المصري والتقدم به للأمام، خاصة بعد المراكز الاقتصادية التي وصلنا إليها بشهادة غالبية المؤسسات الاقتصادية الدولية.
وأضاف: مصر تتحرك بشكل سريع في تحقيق أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي، وهذا ظهر أثره بشكل كبير في تحسين مرتبتها دوليًا بين الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية مؤخرًا بفضل التشريعات الاقتصادية وقوانين الاستثمار الجديدة، وإنهاء حالة الرتابة والروتين في الإجراءات، والمستثمر أصبح لديه مراكز استثمار تنجز مهامه في ساعات، عكس ما كان يحدث قبل سنوات.
وأوضح «عادل» أن «تراجع معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر جاء كنتيجة للأحداث الاقتصادية التي يشهدها العالم والحرب التجارية العالمية الدائرة بين كل من أمريكا والصين، وتصاعد نزعة الحماية التجارية»، مؤكدًا أن التوترات التجارية العالمية عادة ما تحد من تحركات رأس المال.
السوق الأمريكي
فيما أكد إسلام علي، الخبير في الاقتصاد والاستثمار، أن استغلال السوق الأمريكي أفضل بكثير خلال الوقت الحالي من السوق الصيني لزيادة فرص تصدير المنتجات المصرية للخارج.
وشدد على أننا بحاجة إلى مضاعفة فرص الإنتاج خلال هذه المرحلة، واستغلال الحرب التجارية الدائرة بين الصين وأمريكا، ومصر تمتلك فرصًا استثمارية واعدة لزيادة فرص التصدير للسوق الأمريكي.
ونصح الخبير الاقتصادي، بأن يتم تسهيل القوانين المصرية لجذب المستثمر العربي والأجنبي، مشيرًا إلى أن «الدول الخارجية مثل أمريكا والصين تحقق مكاسب كبيرة سنويًا من الاستثمارات العربية، والوقت الحالى هو الأنسب للاستعداد لجذب الاستثمارات العربية لمصر في ظل الأزمات والحروب الاقتصادية الدائرة حول العالم».
كورونا
في حين أكد الدكتور كمال الدسوقي، نائب رئيس غرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات، أن الأزمة الحالية التي تمر بها الصين الآن وتتمثل في انتشار فيروس كورونا سوف تؤثر على الاقتصاد العالمي والاقتصاديات الناشئة بما فيها الدول العربية ومصر، ولا بد من وضع حلول للمواجهة، وألا نكتفي بالاعتماد على سوق واحد والذي يتمثل في استيراد معدات الإنتاج والمستلزمات الاستثمارية فلا بد من التنوع والبحث عن البدائل.
وتابع: لا بد من اتخاذ إجراءات حالية لجذب أنواع جديدة من الاستثمارات سواء العربية أو العالمية، من خلال تحسين مناخ الاستثمار وممارسة وتعزيز الشفافية وتعزيز مناخ بيئة الأعمال والمنافسة بين القطاع الخاص والعام والعودة بالفوائد على القروض البنكية إلى المعدلات العالمية، مع الأخذ في الاعتبار أن المستثمر عندما يواجه أي مشكلة فإن هذا يؤثر سلبيًا على قراره الاستثماري بضخ أمواله في هذا السوق.
أما محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، فأوضح أن «ما حدث من انتشار فيروس كورونا بالطبع ترك تأثيرًا سلبيًا على حجم علاقاتها الخارجية مع غيرها من الدول سواء الأفريقية أو غيرها، ومن المتوقع أن تنتهي الأزمة التي تواجهها الصين في غضون شهر أو شهرين، وهو ما يحتم علينا التفكير في إيجاد بدائل أخرى بهدف التواجد في أسواق جديدة، ومن ثم الحصول على مزايا، وبالتالي تمهيد للعميل بأن يستخدم البضائع المصرية.
آليات محددة
وأكمل «البهي»: دعوة الاستثمار تأتي من خلال آليات محددة بعيدًا عن الحديث منفردين بمعزل عن العالم، فجذب الاستثمار يحتاج إلى قوانين ثابتة للتعامل، وأي تعديل في القوانين بلا شك يترك تاثيرًا واضحًا على منظومة الاستثمار، مما يتطلب ثبات القوانين، كما أن إجراء إصلاحات ضريبية تؤثر إيجابيًا على بيئة الأعمال.
ومن جهته قال هيثم طلحة، عضو منتدى رجال الأعمال بالصين، عضو الغرفة التجارية بالاتحاد العام للغرف التجارية: الحكومة تعطي حاليًا اهتمامًا لملف الاستثمار، ونأمل بعد ما تم من نقل لتبعية ملف الاستثمار لرئيس الوزراء والإشراف عليه عقب التعديلات الوزارية التي تمت مؤخرًا، أن يؤثر ذلك بخطوات إيجابية وجيدة على المدى الطويل على المناخ الاستثماري في مصر وعلى جذب الاستثمارات إلى السوق المصري.
وأضاف أن «الحكومة اتخذت بعض الخطوات لدعم ملف الصناعة، والتي من بينها إجراءات سداد ومستحقات المصدرين وتوفير الأراضي الصناعية وإطلاق خريطة الاستثمار الصناعي، والمبادرات التي أطلقتها الحكومة مع البنك المركزي لدعم الصناعة بهدف دعم وتشجيع الصناعة المحلية.
تشجيع الاستثمار المحلي
وشدد «طلحة» على أهمية جذب الاستثمارات الخارجية وتشجيع المستثمرين المحليين على توسيع استثماراتهم، وضخ استثمارات جديدة، في السوق المصري، لافتًا إلى المرحلة المقبلة تتطلب التركيز على الاستثمارات العربية خلال المرحلة المقبلة، وذلك بالتواكب مع الاستثمارات الأوروبية خاصة بعد بعض الاضطرابات التي تشهدها بعض البلدان، وهذا الأمر لا بد من العمل عليه من الآن.
كما أن مصر تتمتع بمزايا سواء فيما يتعلق بحجم السوق والاتفاقيات التجارية المنضمة إليها مصر مما يتطلب أهمية استغلالها لجذب الاستثمارات إلى السوق المصري.
يشار هنا إلى أن تقرير صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار أكد أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من الدول العربية، ارتفعت بنسبة 4.27%، لتصل إلى 47.8 مليار دولار عام 2018، وبحصة بلغت 2.7% من الإجمالي العالمي البالغ 1014 مليار دولار، لافتًا إلى أن السعودية والإمارات كانتا ضمن المصادر الرئيسية للتدفقات الصادرة من المنطقة، بنسبة 76% لعام 2018، والذي شهد إنشاء 876 مشروعًا استثماريًا أجنبيًا جديدًا في الدول العربية، بزيادة 56 مشروعًا عن 2017، بتكلفة استثمارية تقدر بنحو 83.5 مليار دولار، في حين وفَّرت تلك المشروعات نحو 134.2 ألف فرصة عمل.
نقلًا عن العدد الورقي...