اللواء كمال حجاب في ذكرى يوم الشهيد: الفريق عبد المنعم رياض قدَّم نموذجًا لـ"القائد الشجاع" وتواجد بالصفوف الأمامية (حوار)
في التاسع من مارس من كل عام تحتفل القوات المسلحة المصرية بيوم الشهيد، هذا اليوم الذي يوافق ذكرى استشهاد الفريق البطل عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة عام 1969، وسط جنوده في الصفوف الأولى للقتال في سابقة لم يشهد العالم مثلها بوفاة جنرال عسكري كبير مقاتل مع جنوده جنبًا إلى جنب.
وفي الحوار التالي ننشر شهادة حية لبطل خدم في صفوف القوات المسلحة وقدَّم تضحيات كبيرة من أجل الوطن.
إنه اللواء كمال حجاب أحد أبطال مصر، الذي عاصر 5 حروب، وعمل مع الفريق عبد المنعم رياض كمساعد له قبل حرب 5 يونيو 67، وسافر معه إلى الأردن حيث عيِّن وقتها قائدًا للقوات المشتركة التي كانت تتكون من مصر والأردن وسوريا. والى تفاصيل الحوار:
*بداية ما هي شهادتك عن الفترة التي قضيتها مع "الجنرال الذهبي" قبل استشهاده؟
عبد المنعم رياض عندما شاهد القوات الإسرائيلية تتحرك متجهة إلى مصر يوم 5 يونيو قام بالإبلاغ عنها من محطة رادار عجلون، ولكن البلاغ لم يصل وقتها، ولكنه لم يسكت وأمر بنشر عناصر الصاعقة التي دفعت بها مصر إلى الأردن لمحاولة التخفيف من الهجوم على مصر.
وقامت هذه العناصر بالفعل بتنفيذ عمليات كبيرة أحدثت خسائر ضخمة في العمق الإسرائيلي، حتى جعلت اليهود يفرون ويختبئون في الملاجئ والمستوطنات، وقام بالتخطيط لعدد من الهجمات بأحد الألوية المدرعة الأردنية، وأصدر أوامره بالاشتباك مع العدو الإسرائيلي على الحدود الأردنية الفلسطينية، وكانت من أشرس المعارك التي تدرس حتى الآن في جميع المعاهد العسكرية.
*هل صحيح أنك شاهدت الفريق عبد المنعم رياض يبكي يوم سقوط القدس في أيدي العدو الإسرائيلي؟
رغم ما قامت به القوات المشتركة من بطولات تحت قيادة عبد المنعم رياض إلا أن أسوأ يوم مر به في حياته كان يوم 7 يونيو يوم سقوط القدس في أيدي العدو الإسرائيلي، فقد بكى بمرارة قائلا: "القدس ضاعت اليوم إلى أجل بعيد لا يعلمه إلا الله تعالى ولن ينسى التاريخ المعارك التي خاضتها القوات المشتركة في الحفاظ عليها والتي فاقت كل الطاقات، ولن أنسي ما حييت دموعه في هذا اليوم، بالرغم من أنه كان من أعظم القادة ولكن ضياع القدس كان كارثة بالنسبة له ولكل مسلم وعربي.
*متى صدر قرار بتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة؟
أصدر الرئيس الراحل عبد الناصر قرارًا جمهوريًا بعودته إلى مصر، وتعيينه رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة، ومنذ صدور القرار لم يجلس على مكتبه، وكان يرى الواجب أن يكون وسط المقاتلين على جبهة القتال حتى استعادة الأرض التي سلبها العدو الإسرائيلي في غفلة من الزمن، وكان يؤمن أن العدو كسب جولة مؤقتة في صراعه مع القوات العربية، ولكن هذا الانتصار لن يدوم طويلًا.
*هل صحيح أن الفريق عبد المنعم رياض هوالذى وضع خطة حرب الاستنزاف؟
نعم.. وضع الفريق خطة تسمى بحرب الاستنزاف بدأت يوم 8 مارس 69 وفي صباح يوم 9 مارس صمم على الذهاب إلى الخطوط الأمامية للجبهة، ليرى بنفسه العمليات التي ينفذها أبطال القوات المسلحة هناك، وحاول الكل منعه لخطورة ذلك على حياته، لأنه يعتبر صيدًا سهلًا بالنسبة للعدو، فوجود شخصية كبيرة مثله قد يلفت أنظار العدو لاستهدافه ولكنه أصر ووصلنا بالفعل لأقرب مكان في خط بارليف يفصل الغرب عن الشرق وتحديدًا بجوار موقع المعدية نمرة 6، وبدأ يتفقد الموقع دشمة دشمة.
وطلب من أحد الجنود كوبًا من الشاي فسارع بإحضاره وشعر العدو بوجود تحرك لشخصية مهمة، فقام بضرب الموقع بالمدفعية وكنت أنا بجواره مع قائد الجيش نطمئن على أحد المواقع المجاورة، والتي تبعدنا عنه بضعة أمتار قليلة، ثم سقطت إحدى دانات مدفعية العدو على موقعه، ولبى نداء ربه عز وجل لتصعد روحه الطاهرة للسماء مبتسمًا، يؤدي واجبه وسط جنوده في الخطوط الأمامية للقتال، ليضرب أروع معاني الفداء والتضحية، وليكون المثل والعبرة لكل قائد بعده ليكون واجبه أن يكون وسط مقاتليه في الصفوف الأمامية.
*ماذا تعلمت من الجنرال الذهبي كما أطلق عليه الروس؟
لم أر في حياتي والتي قضيت معظمها أخدم كضابط بسلاح المهندسين داخل القوات المسلحة أو في جيوش العالم كله قائدًا مثل الفريق عبد المنعم، سواء في ثقافته أو علمه العسكري المتقدم، حيث كان يؤمن بالتطوير الدائم والاطلاع على كل ما هو جديد، سواء في المعدات أو العلم العسكري، والتعلم من أخطاء الآخرين وأخطاء الماضي حتى لا تتكرر.
كان رحمه الله مثلًا يحتذى به في تلقي العلم، حيث كان يجيد 6 لغات، ويحاول قراءة كل ما هو جديد وقديم في العلم العسكري، وكانت جنازته شعبية، حضرها الشعب كله في الميادين المصرية، كما تقدم الصفوف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وملوك وقادة الدول العربية وسفراء عن الكثير من دول العالم.
وعندما علمت إسرائيل نبأ استشهاد رياض شعرت بالرعب من رد الفعل المصري في الأخذ بالثأر، وفعلًا قبل مرور ذكرى الأربعين على استشهاده انتقم رجال الصاعقة والمدفعية من العدو الإسرائيلي شر انتقام، ونفذت بعد استشهاده خطة حرب الاستنزاف التي وضعها لاستنزاف العدو ماديًا ومعنويًا حتى نصر أكتوبر المجيد".
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"