رئيس التحرير
عصام كامل

مصير مصر بين الأمن القومي والأمن المائي


ليس هناك شك في أن مصر تمر بمنعطف أكثر من خطير وأن هناك رياحا عاصفة تكاد تقتلع أوتاد ذلك الوطن وأنها بالفعل قد خلخلتها ولم يعد أمامها سوى القليل لتقتلع اقتلاعاً ..هذه الرياح تتمثل فى العديد من الأزمات المتعاقبة، بعضها أزمات "بنيانية" ذات طابع سياسي واقتصادي تتعلق بطبيعة السياسة والحكم فى مصر وغياب الحد الأدنى من التوافق ما بين القوى السياسية مع غياب رؤية واضحة لكيفية حكم مصر وإدارتها وفى ذات العلاقة ما بين المؤسسات السياسية الأساسية كالمؤسسة القضائية ومؤسسة الرئاسة..


مع فشل أو عدم قدرة الحكومة على إنهاء الأزمات أو إدارة مصالح البلاد..والأزمة الاقتصادية معروفة بكل أبعادها تروى فى الأوضاع الاقتصادية وانخفاض المعدلات الاقتصادية على نحو كبير مع نفاذ الاحتياطي النقدي وتراجع المخزون السلعي لما يزيد عن النصف وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية مع شيوع حالة من عدم الرضاء بين قطاعات كبيرة من الشعب فى الحصول على حقوقهم ..

على الرغم من تلك الاستجابات لبعض المطالب الفئوية والتي يلتهمها ارتفاع الأسعار الجنوني .. ذلك الإخفاق الاقتصادي يقترن بإخفاق سياسي مع حالة من الاحتقان ما بين القوى السياسية ومؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة قد انتقلت إلى قطاعات كبيرة من الشعب وهو ما تعبر عنه حركة "تمرد" .. كل ذلك ينذر بوقوع صدام وشيك قد تحدد له موعد 30 يونيو..

ولكن إرهاصات ذلك الصدام قد بدأت وهو ما يعني أن هناك حالة من التأخر فى التصرف لتهدئة الأوضاع واحتواء الموقف كما يرى الكثير من المحللين السياسيين والمراقبين للأوضاع فى مصر..ناهيك عن أزمتين كبريين أو هي بتعبير أدق "عن مصدرين رئيسيين" لتهديد الأمن القومي المصري وهما يعدان مصدري تهديد خارجي وهما: 

الأوضاع الأمنية المتردية في سيناء وحالة الانفلات الأمني والتي كان آخرها الاعتداء على أحد الضباط وقتله وهو ما يعني سكب المزيد من الوقود على الأوضاع المتأزمة داخلياً ..وأن مثل هذه الأحداث المتفرقة التي تعد أو تمثل نوعا من الاعتداء على السيادة المصرية سوف تأجج الوضع بالداخل..وقد رأينا من قبل قضية اختطاف سبعة جنود وعودتهم مع عدم وجود تصرف رادع أو رد فعل وقائي من قبل الدولة لمنع تكرار مثل هذه الأحداث التي تخص صميم الأمن القومي المصري .. 

المصدر الثاني هو سد النهضة وعلاقته بمسألة المياه فى مصر وهي تعد من الثوابت الأساسية في الأمن القومي المصري..وهناك تقاليد وقواعد في التعامل مع ملف المياه قد يكون النظام السياسي من قد أهمل ذلك الملف أو تعامل معه بطريقة أنه مجرد ملف عادي واكتفت فيه ببعض اللقاءات الاحتفائية دون أن يركز على الجوانب العملية ذات الطابع التنموي لإقامة المزيد من المشروعات مع الدول الأفريقية تحت التوجيه المصري بما يخدم مصالح الدول الأفريقية وأيضاً مصالح مصر وزيادة حصتها من مياه النيل وقد كان هناك بعض المؤسسات التي تعمل فى ذلك المجال ومثل مشروع " التكنونيل " ومشروع "الهيدور فيت" ولكنها مشروعات لم ترق إلى ذلك المستوى ..

وقد كان هناك فراغ شاغر قد أدى إلى فتح المجال أمام إسرائيل لتلعب في دول العمق في أفريقيا وتلك الورقة الرابحة أو ورقة الضغط التي طالما استخدمها الكثير من الدول الاستعمارية وعلى رأسها ملوك الحبشة ذاتهم..

نخشى أن يكون الوقت قد تأخر وأن الحديث عن التفاوض لحل مشاكل دول الحوض يكون قد فات..وأن أوضاع مصر الداخلية ( السياسية والاقتصادية ) تزيد الأمر تعقيداً وتنذر بعواقب أكثر من وخيمة لأن مصر فى حاجة إلى معجزة حقيقية قد تفوق القدرات البشرية لكي تخرج مما هي فيه ولكي تسترد عافيتها وذلك ليس ببعيد على الله  .
الجريدة الرسمية