الكفر بـ"بشار" والإيمان بالمقاومة
الإيمان بالمقاومة الإسلامية وبدورها في لبنان وفي فلسطين هو جزء لا يتجزأ من مقاومة العدو الإسرائيلي، لكن جمهور حزب الله يعتبر أن الإيمان بالمقاومة يلزمه بالضرورة الإيمان ببشار الأسد، وكما أن القوى المؤيدة لبشار الأسد تعتبر أن هناك مؤامرة كونية ضده، رغم مواقف الصين وروسيا التي تحفظ له التوازي الدولي, فإن اعتبار أن سوريا هي الأسد دليل أيضا على كونية بشار الأسد.
لم نسمع من قبل ومن بعد أن الإيمان ببشار الأسد هو جزء من عقيدة المقاومة، المحزن أن حزب الله أصبح يتعبر أن من يكفُر ببشار الأسد يكفُر بالمقاومة، بل ويمكن تصنيفه على أنه تكفيري ومن مؤيدي جبهة النصرة، بالرغم أن بشار الأسد يدفع بالمقاومة لمخاطر القضاء عليها ذاتياً.
لا يعترف حزب الله بأن اتهام الناس بالكفر بالمقاومة وفكر المقاومة لأنهم يكفرون بنظام بشار الأسد هو خطأ استراتيجي، لأن "القاعدة" في أفغانستان تعتبر أن "الكفر" بالظواهري ومن قبله بن لادن هو كفر بالجهاد.
ويراهن حزب الله على أن إسرائيل تخطط حالياً للقضاء عليه، ويراهن العبد لله – كاتب هذا المقال – أن إسرائيل لن تقترب قيد أنملة تجاه حزب لله طالما استنفذ الحزب طاقته وشبابه في سوريا. معركة إسرائيل القادمة ضد إيران.
وقد كرر النائب محمد رعد، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة والمتحدث الرئيسي باسم حزب الله في لقائه بميشيل سليمان رئيس الجمهورية ما كتبته الأسبوع الماضي عن الأسباب الرئيسية لتدخل حزب الله في سوريا من وحي خطاب السيد حسن نصرالله، وكرر ما قلته من أن المعركة في سوريا هي معركة وجود، غير أن كلامي لم يأت على هوى جمهور حزب الله لأنني حذرت من أن معركة حزب الله في سوريا أصعب من معركته مع إسرائيل، لأنه يدافع عن نظام سياسي ديكتاتوري حتى وإن جَمّله حزب الله وزينه للناس فهو لن يستطيع أن يغسل يده من أيدى الكثير من الأبرياء، فهو نظام معروف بوحشيته.. فنظام الأسد أكثر بشاعة من الأنظمة التي سبقته كنظامى مبارك وبن على في تونس.
إحدى النكات التي تدلل على بشاعة نظام بشار الأسد أن أباً وابنه الصغير جلسا على قارعة الطريق فشاهد الطفل صورة كبيرة لبشار الأسد فسأل والده عن صاحب الصورة فرد الأب قائلاً: هذه صورة سيادة الرئيس بشار الأسد فقال الطفل بصوت مسموع: نفسي يا بيي ( يا أبي) أكون رئيس، فقام أبوه منتفضاً صارخاً: يا عالم.. يا ناس فيه طفل هون تايه حدا بيعرف يكون لمين"، هكذا كان الحال في سوريا الأسد لم يكن في سوريا رجلاً يسمح لنفسه أن يسمع ابنه وهو يتمنى يوماً أن يكون رئيساً مثل الأسد، هذه حقيقة وليست نكتة يعرفها ويحفظها عن ظهر قلب جمهور حزب الله. لم يكن نظام الأسد نظاماً له أخطاء ولكن خطيئة في شكل نظام حكم. ثم إن تبرير ديكاتورية بشار وجعلها حلالاً طالما أن الأنظمة العربية كلها ديكتاتورية مردود عليه بحقيقة أن انتشار الفساد لا يحلله وأن انتشار السرقة لا يحللها.
كتبت منذ فترة مقالاً بعنوان "بعد التكفير والإخراج من الملة.. ماذا بعد؟" منتقداً ومشمئزاً من التكفيريين في مصر والمخاطر التي يمكن أن تحل على مصر بسببهم، ولا أحد يختلف عن أن جبهة النصرة أو التكفيريين أكثر خطورة على الإسلام من أي شىء آخر، بل إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال فيهم: "هلك المتنطعون"، قالها ثلاثاً ويقصد بهم المتشددين المغلظين في الدين وليس بعد قتل النفس وتكفير الناس لاختلافهم في الرأي من تنطع أو غلظة.
وعلى حزب الله أن يقطع أيدي وأرجل "جبهة النصرة" عندما تدخل لبنان وألا يسعى لقتالهم في سوريا حتى لا يقدم لهم ذريعة دخول لبنان, فهو لم يفعل الشىء نفسه بالعراق.
إن الكفر ببشار الأسد ليس كفراً بالمقاومة، وحتى إذا كان بشار الأسد رسول المقاومة فإن سقوطه أو موته لا يعني موت المقاومة, فمن كان يؤمن ببشار فإن بشار قد يسقط أو يموت (هذه هي سنة الحياة على الأقل)، ومن كان يؤمن بالمقاومة فإن المقاومة حية لا تسقط ولا تموت.
بل إن السؤالين اللذين قد يشكلا هاجساً لحزب الله هما: ماذا سيفعل حزب الله إن غاب بشار الأسد عن الصورة لأي سبب بشكل مفاجئ؟ وهل هناك بدائل استراتيجية في حالة سقوطه؟ أتمنى أن يكون لدى حزب الله إجابة عن السؤالين السابقين.
هناك كثير من الناس يؤمنون بالمقاومة ويكرهون نظام الأسد، وهم ينتقدون تدخل حزب الله في سوريا خوفاً على المقاومة، فالقتال من أجل عيون بشار لم يكن الحل، كان الحل السياسي منذ البداية أن يحافظ الأسد على سوريا وعلى المقاومة وأن يقدم البدائل للمحافظة على محور الممانعة والمقاومة، وأن يجعل من نفسه بطلاً يضحى بعرشه في سبيل عزة المقاومة، وقتها كان السوريون سيعتبرون الأسد نبي سوريا الذي يتنازل عن الملك في سبيل المقاومة.
وآخر القول إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية أو كما قال نعوم شومسكي: إذا كنت لا تؤمن بحرية الرأي لمن تختلف معهم فأنت في الغالب لا تؤمن بالحرية على الإطلاق.