من أين جاءت كلمة الوسطية في الإسلام؟ المفتي السابق يجيب
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، إن كلمة الوسطية في الإسلام أُخذت من قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) وهذه الآية تجعل الوسط في مكان عال يستطيع منه الراصد أن يشاهد من تحته وأن يشاهدوه أيضًا في نفس الوقت، وهذه الحالة تذكرنا بمن كان في أعلى الجبل؛ وحيث إن المسافة من الوادي إلى قمة الجبل صعودا تساوي تقريبا المسافة من قمة الجبل إلى الوادي وراء هذا الجبل هبوطا، فيمكن أن يصدق على الواقف على قمة الجبل أنه يقف في وسطه.
وأوضح المفتي السابق، أن كلمة الوسط في لغة العرب تطلق على الخيار، وعلى الأعلى، كما في قول رسول الله ﷺ في وصفه للجنة : (والفردوس أعلى الجنة وأوسطها) وقوله ﷺ : (فإذا سألتم الله عز وجل فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة) ويزيد في التأكيد ما ذهب إليه المفسرون في تفسير قوله تعالى: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) أي من أعلاها.
وأشار إلى أن كلمة شهيد على وزن فعيل في لغة العرب، وهو وزن يفيد معنى اسم الفاعل ومعنى اسم المفعول جميعا، وعلى ذلك فشهيد معناها شاهد ومشهود، فهو يشاهد من في الوادي وأيضا يشاهده من في الوادي، وإذا نقلنا هذا المعنى من الحالة الحسية إلى الحاسة الحضرية، فإنه يجب على الأمة وجوبا محتما أن تشارك في الحضارة الإنسانية، وأن يكون لها الريادة والقيادة، وأن لا تمنع نفسها عن العالم بعزلة أو تقوقع، وعلى ذلك فنسقها الحضاري الثقافية نسق مفتوح، ومن هنا جاءت فكرة أمة الإجابة وأمة الدعوة عند الإمام الرازي؛ حيث إن المسلمين يعتقدون أن كل الأرض هي أمتهم إلا أن بعض البشر قد آمن بما أنزل على محمد ﷺ، وبعضهم لم يؤمن، فمن آمن أسموه بأمة الإجابة، ومن لم يؤمن أسموه بأمة الدعوة، فهم في حالة شهادة دائمة، ومشهودية دائمة، يأخذون ويعطون في حراك مستمر، أو هكذا أوجب الله عليهم.
ولفت إلى أن هذا النسق المفتوح يفرض علينا أن نفهم العلاقة بين التكليف والتشريف، فالآيات التي تشرف الأمة وتعلي قدرها هي في ذات الوقت تكليف لها، فقوله تعالى : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ). تشريف وتكليف، (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ).