محمد فودة يكتب: أعمدة السماء (1)
استوقفني قول الحق سبحانه وتعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) الآية 2 سورة الرعد، وتوقفتُ أكثر عند قوله عز وجل (ترونها).. فكيف تجتمع الرؤية وهي بغير أعمدة ؟! لأهل التأويل واللغة والعلم الكوني آراء متعددة ومتباينة في تلك الجزئية؛ هل السماء رُفعت بعمد أم لا؟!
في البداية أهل التأويل اختلفوا على قولين: أحدهما: أنها مرفوعة بغير عمد ترونها؛ وقال بذلك قتادة وإياس بن معاوية وغيرهما.. (مرفوعة كما ترونها).
اقرأ أيضا..
محمد فودة يكتب: مغامرة الصعود لجبل سانت كاترين (1)
الثاني: لها عمد، ولكنا لا نراه.. قال ابن عباس: لها عمد على جبل قاف! ويمكن أن يقال على هذا القول: العمد قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض، وهي غير مرئية.. أهل اللغة قالوا ذلك يرجع لموقع جملة (ترونها) من الإعراب.. وذكروا فيها ثلاثة أقوال: أ- أنها استئنافية: وجيء بها للاستشهاد على أن السماء مرفوعة كذلك وهذا القول يرجح الفرضية الأولى، أي أنكم ترونها مرفوعة بغير عمد.
ب- أنها حاليه من السموات ويعود الضمير في “ترونها” على السماء أي رفعها مرئية لكم بدون عمد.
ج- أنها صفة للعمد، أي بغير عمد مرئية، فالضمير يعود للعمد، واستدل لذلك بقراءة أبي بن كعب (ترونه) بعودة الضمير مذكرًا على لفظ عمد.. فعلى تقدير الاستئنافية والحالية تكون السموات مرفوعة بغير عمد، أما على تقدير الوصفية فيحتمل توجه النفي إلى الصفة والموصوف لأنها لو كان لها عمد لكانت مرئية ويحتمل توجهه إلى الصفة دون الموصوف فيفيد أن للسموات عمدا لكنها غير مرئية، ثم قالوا إن كلمة (غير) هنا تأتي للمغايرة بين الشيئين.. ويأتي النفي بها على أوجه: منها أن يكون متناولا للذات إذا كانت غير موصوفة كقولة تعالى: (ويقتلون الأنبياء بغير حق) فغير الحق الذين قتلوا به الأنبياء هو الباطل وذلك معنى المغايرة.. أما إذا تناولت الذات الموصوفة كما في آية (بغير عمد ترونها) كان النفي واقعا بها على الذات ليكون المنفي بغير في الآية السابقة هو (ترونها)، لا العمد وعليه تكون السموات مرفوعة بعمد لا ترونها.
وهذا من دقة وقمة الإعجاز البلاغي في تلك الآية وجمال ما اشتملت عليه.. فلك أن تفهم معناها الظاهر وهو أن الله رفع السموات بغير عمد كما تراها وتشاهدها أو بمعنى أنه رفعها بعمد لا ترونها وهو ما تحدث عنه أهل العلم الكوني.