أبو "الثقافة المصرية"!
هل قرأتم مذكرات ثروت عكاشة؟ هل قرأتم كيف أخذ المهلة بعد المهلة ليفكر في قبول الوزارة؟! وكيف كان الحوار بين هذه "المهلات" بينه وبين جمال عبد الناصر؟ إن هذا الحوار الذي يشكل قطعة أدبية فريدة تحتاج إلى إعادة قراءتها من جديد لنعرف أن الثقافة.. كقيمة وكوزارة أهم أدوات خلق المجتمعات الجديدة وأن الأشخاص قادرون على تغيير التاريخ متى أرادوا وأن الجيش العظيم قدم من أبنائه من أعاد صياغة وعي المصريين بشكل أفضل مما قدمه المدنيون عكس ما يروج اعداء الجيش العظيم!
غير مرة نحاول جمع ما أنجزه ثروت عكاشة ونفشل! فالتفاصيل كثيرة وأكثر مما نتخيل بل أن العموميات نفسها كثيرة أيضا.. فهذا الرجل.. ثروت عكاشة.. لو أسس لهيئة الثقافة الجماهيرية وحدها لكفاه ذلك نظير ما قدمته الهيئة التي تتبعها قصور وبيوت الثقافة فيما بعد.. ولو أسس لمسرح البالون والسيرك القومي ومجموعة المسارح النوعية من الطليعة إلى العرائس وما بينهما لكفاه.. ولو أسس الهيئة العامة للكتاب ودار الوثائق القومية والقومي للترجمة وما استفاده المجتمع من ذلك لكفاه. ولو أسس أكاديمية الفنون وتأثيرها على مجتمعنا بل والمجتمع العربي كله من تخريج كوادر في الإخراج والنقد والسيناريو والديكور لكفاه.. ولو قدم مراسم وزارة الثقافة وبيوتها الشهيرة زينب خاتون ومجموعة المتاحف محمود مختار وغيره لكفاه.. ولو أطلق منح التفرغ للمثقفين ومعها إصدارات وزارة الثقافة التي اختفت الآن لكفاه.. ولو أنجز مشروع الصوت والضوء في الجيزة. أسوان والأقصر لكفاه.. ولو أنجز فقط.. فقط.. ملحمة نقل آثار النوبة من أجل بناء السد العالي.. لكفاه!
تحت كل بند من ذلك كلام كثير جدا.. وتفاصيل كثيرة جدا.. فالهيئة العامة للكتاب مثلا قدمت معرض الكتاب الدولي السنوي وقدمت مئات المبدعين وعشرات الألوف من عناوين الكتب.. فضلا عن نفوذنا الناعم عربيا وأفريقيا وعالميا.. وهكذا!!
رحم الله رجلا عظيما من بلدنا. يستحق أن نظل نكرمه إلى ما شاء الله أن نكرمه.. وأن ندرس تجربته ونستفيد منها.. ومنها مثلا: كيف كان يرسل المكتبات للقرى قبل بناء بيوت الثقافة بها وكيف كان يرسل آلات السينما إلى الريف والأحياء الشعبية لتقديم عروض سينمائية لتثقيف الناس وتوعيتهم!!
رحم الله ثروت عكاشة.. وقد رحل زي النهاردة قبل عدة سنوات بعد عطاء حافل. ومجيد. وأسطوري!