الكنيسة في عهد مبارك.. بين المسكنات والتحفظات
توفي في الساعات الأولى من صباح اليوم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، عن عمر ناهز الـ92 عاما، عقب صراع مع المرض.
مبارك وصل إلى حكم مصر في فترة شديدة التوتر، حيث علاقات متأزمة بين الرئاسة وكافة الأطياف، وصلت إلى حد الخصومة، بسبب اعتقالات سبتمبر، لكن كانت واقعة اعتقال البابا شنودة الثالث، هي القضية الفريدة من نوعها، لم تحدث في تاريخ الكنيسة المصرية.
وحاول مبارك أن يلاطف الجميع، حيث أفرج عن كافة المعتقلين السياسيين واستقبلهم في القصر الجمهوري، بعد أيام من توليه الحكم، إلا أن البابا شنودة ظل في ديره حتى عام 1985 .
وأصدر مبارك قرارا بإلغاء إجراءات السادات وإعادة البابا شنودة إلى منصبه.
وأرجئ مبارك الإفراج عن البابا شنودة، خوفا من الشارع المشحون، والقوة الدموية التي اكتسبها الإسلاميين بعد اغتيال الرئيس السادات، بالإضافة إلى ضبابية موقف بابا الكنيسة من تولي مبارك الحكم، حتى تبينت حسن النية في أولى زيارات مبارك إلى واشنطن.
تعامل مبارك مع ملف الاقباط بالمسكنات، حيث أن الصدام بين الكنيسة والنظام تراجع نوعا ما، الا أنه في عهده شهدت البلاد أكثر من 1500 حادثة هجوم على الأقباط.
وفي عهد مبارك تغيرت الصياغة من البابا والرئيس، إلى الكنيسة والدولة، وهو ما يعكس كيف انتقلت العلاقة من المنطقة الشخصية إلى المؤسسية، لكن أيضا يعكس شكل العلاقة بين مبارك والبابا شنودة، وأنها كانت ليس في أفضل حالاتها.
وكتب البابا شنودة الثالث عن الرئيس الاسبق حسني مبارك قائلا: "أما عن علاقته بنا نحن الأقباط، فهي علاقة طيبة، نابعة من روحه السمحة، التي لا تعرف التعصب إطلاقاً. فهو حاكم للمصريين كل المصريين ويتقابل معنا بكل مودة.. فإن حدثت مشكلة ما، فإنها ما أن تصل إليه، حتى يبدأ في حلها فوراً. ونحن – من جانبنا – لا نطلب تدخله إلا في الأمور المهمة جداً، التي لم يستطع المسؤولون حلها، أو بقيت بلا حل لسبب ما، فنلجأ إلى الرئيس مبارك ونقدم له كل الوثائق التي تثبت أحقية ما نطلبه".
وغازل مبارك الاقباط عندما قرر منح يوم 7 يناير عيدا رسميا، الا أنه لم يضبط مرة يحضر عيدا في الكنيسة طوال فترة حكمه، بل كان يرسل مندوبين.
وزار مبارك الكنيسة مرتين، الأولى كانت عام 2000 عندما ذهب لتقديم العزاء فى رحيل الفريق فؤاد عزيز غالى، بينما كانت الثانية عام 2006 لتقديم العزاء فى رحيل حنا ناشد عضو المكتب السياسي للحزب الوطني.
البابا شنودة الثالث كان يؤمن أن مبارك هو معين من الله، لذا فهو حامل رسالة، وهي ما تكشفها الكلمات التي قالها البابا شنودة الثالث قبل ذلك آثر محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا سنة 1995، "نؤمن بيد الله في الأحداث، لقد كان الموت قريباً منك جداً، ولكن يد الله كانت أقرب إليك منه فصدته عنك. كانت أسلحة الموت في أيدي الناس، أما حياتك فكانت في يد الله، ويد الله أقوى. وقد استبقاك من أجل رسالة تؤديها وستبقى حتى تؤدي رسالتك".
البابا شنودة كان يرى أن مبارك نجح في التخفيف من حدة التوتر، وهو ما ذكره في افتتاحية مجلة الكرازه فى اكتوبر 2010 عندما قال ان الرئيس حسني مبارك نجح باقتدار في تهدئة التوتر الديني بعد ان تدخل بصفته راعيا لهذه الامة وحريصا علي سلامتها واكد حرصه علي وحدة النسيج الوطني وانه لا توجد ادني تفرقة بين ابناء الوطن الواحد بسبب العقيدة او الدين، واننا جميعا ـ مسلمين ومسيحيين ـ نعيش تحت علم واحد لوطن واحد يحكمه مبدأ المواطنة.
يؤخذ على الرئيس السابق حسني مبارك، أنه اعتبر ملف الاقباط ملفا أمنيا، ويعود القرار فيه إلى جهاز مباحث أمن الدولة وهو ما ساهم في زيادة الاعتداءات الطائفة، والتي كانت تنتهي إلى جلسات عرفية تضيع فيها حقوق الجميع بما فيها الدولة وانتهاك القانون.