عادل عبد الحفيظ يكتب: الفراعنة "غاضبون".. ووزارة الثقافة غائبة
قديما وكما قال المؤرخ الشهير "هيردوت": إن المصريين القدماء اهتموا بالمعابد أكثر مما اهتموا بالقصور لأنهم شعب متدين بطبعه وكانوا يقصدون المعابد ثلاثة أيام أسبوعيا ليتقربوا للآلهة بحضور أسرهم كاملة، وكانوا يحافظون عليها أكثر مما يحافظون على منازلهم".
والحقيقة إنني لا أعلم لو كان "هيرودوت" حيا بيننا الآن وشاهد واقع معابدنا الأثرية ماذا كان سيقول؟!
أكتب هذا بعد إعلان وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم عن انطلاق مهرجان غنائي يضم مطربين وفرقا موسيقية شبابية بأحد أهم المعابد الفرعونية بصعيد مصر وخاصة بمحافظة قنا "الحزينة" وهو معبد "دندرة" دون أن تلتفت لأي قدسية لهذا المعبد ودون حتى أن ترى وقع مكبرات الصوت وتأثير أجهزة الليزر على حوائط المعبد!!
معبد "دندرة" يا سادة من المعابد القليلة التي يعبد فيها ثالوثان؛ الأول ثالوث حتحور والثاني لأوزير.. ويشتهر المعبد بالمناظر الفلكية المصورة على السقف، وكذلك المناظر العديدة التي تصور الملوك والأباطرة يقدمون القرابين للآلهة.
ويعود بناؤه إلى عصر الملك خوفو الذي شيد مقصورة الرئيسية للمعبودة حتحور، وقد قام بعض ملوك الدولة القديمة بالعديد من الإضافات ومنهم الملك ببي الأول الذي دُون اسمه ضمن أحد النقوش.
والحقيقة أن إصرار وزيرة الثقافة على الإساءة إلى دور العبادة الفرعونية، وتحويلها إلى أماكن للغناء وخاصة لفرق شبابية هو أمر محير للغاية، فكان يمكنها أن تقيم مهرجاناتها الغنائية في أحد الأماكن الكثيرة المفتوحة على نهر النيل بقنا وهناك قاعات وفنادق مملوكة للمحافظة بالمنطقة كانت هي الأنسب.
وأما عن حاجة محافظة قنا نفسها لمهرجان غنائي فهو أمر مضحك بالفعل, فلك أن تعلم أن محافظة يعيش أكثر من نصف سكانها دون صرف صحي، ويعتمد أكثر من 35% من سكانها على التوكتوك كوسيلة مواصلات ويعاني سكانها مر المعاناة في الحصول على مياه شرب صالحة, فهل هي بحاجة لمهرجان يتم صرف مئات الألوف عليه.
ألم يكن جديرا بالقائمين على الأمر أن يوفروا مسئولين بها حتى يسمحوا للمواطن بأن يشكو إليهم ويحترمون حاجته ويردون على هواتفهم بدلا من الأبراج الخشبية وبيوت العنكبوت التي نسجوها بالفعل حولهم وهي لا تحمي إهمالهم ولا تغطي أخطاءهم ولا تحجب شعاع حزن المواطن.
نقدر تماما توجه القيادة السياسية في الصعيد وتعليمات الرئيس "السيسي" المباشرة بتحقيق التنمية هناك, ونقدر صرف 4 مليارات جنيه على محافظتي قنا وسوهاج خلال آخر عامين بتوجيهات وأوامر رئاسية مباشرة أيضا, ونقدر جهد حكومة الدكتور مصطفى مدبولي في رفع المعاناة بقدر الإمكان عن الناس في جنوب الصعيد.. ولكننا كسائر أهل الأرض نرفض الإساءة لتاريخنا وحضارتنا وماضينا على واقع فرقة "وسط البلد" وغيرها في مكان بناه الأجداد للعبادة فقط.