تحقيق فيتو الفائز بالجائزة الأولى من نقابة الصحفيين..منتجعات الكبار تهدد مخزون المياه الجوفية..أخطر قضية فساد على الصحراوي
فازت فيتو بجائزتين في مسابقة جوائز الصحافة المصرية وهما: الجائزة الأولي في الصحافة البيئية للزميلين دينا عاشور وأحمد ممدوح عن تحقيق خاص من 3 وزارات يكشف أخطر قضية فساد على "الصحراوى".
والثانية للزميل أسامة داود عن حملة المخالفات في مستشفى 57357.
وتعيد فيتو نشر التحقيق الفائز بالجائزة الأولي وهو :
>> تصريحات المسئولين تعكس حجم الكارثة
>> البحيرات الصناعية في قرى «أولاد الذوات» السياحية.. مخالفات بالجملة
>> المياه الجوفية المستخدمة يوميا في منتجعات صحراوى الإسكندرية تكفى لرى 400 فدان
لغة الأرقام لا تكذب ولا تعرف المجاملات، وفى أزمة المياه المتوقع أن تشهدها مصر تشير توقعات الخبراء إلى أن مصر ستتراجع حصتها في مياه نهر النيل بكميات تتراوح بين 5 و10 مليارات متر مكعب سنويًا، بعد الانتهاء من بناء سد النهضة الإثيوبي، ووفقا لتقديرات الخبراء المعنيين بالملف سيؤثر انخفاض حصتنا المائية على الإنتاج الزراعي، سواء الاستهلاك أو التصدير.
الأرقام المعلنة والأزمات المتوقعة بنقص حصة مصر المائية، دفعت العديد من المسئولين إلى التحذير علانية من الأمر، وفى أكثر من مناسبة كرر الدكتور محمد عبد العاطى وزير الرى والموارد المائية تحذيره بأن مصر دخلت مرحلة الشح المائي، تحذيرات المسئول الأول عن ملف المياه أكدت أن حصتنا المائية ثابتة وأن الزيادة السكانية مطردة، وتضغط على كافة الموارد المائية التي لا تزيد. تحذيرات عبد العاطى لم تكن الأولى لمسئول حكومى فقد سبقه الوزير سامح المغازى الذي لوح بأن المواطن المصرى أصبح تحت خط الفقر المائى بنصيب بلغ 620 مترًا مكعبًا سنويًا بفارق سلبى عن متوسط الفقر المائى بـ380 مترًا مكعبًا. تصريحات المسئولين كشفت بلا مواربة حقيقة أزمة المياه التي تعانى منها مصر، والتي من المتوقع أن تزيد وسط غموض مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وفتحت مجالا للبحث عن موارد المياه الأخرى التي يمكن اللجوء إليها مستقبلا، خصوصا المياه المحفوظة تحت سطح الأرض، وخزانات المياه الجوفية التي قامت عليها زراعات كثيرة في الصحراء المصرية وتحديدا في الصحراء الغربية فشكلت مخزونا وفيرا لزراعة أكثر من 3 ملايين فدان خلال الثلاثين عاما الأخيرة.
ما رصدناه في هذا التحقيق الذي أجريناه على جزء من تلك المساحات المستصلحة يدل أننا ربما في بداية مشكلة تهدد بخسارة جزء ليس بالقليل من المساحة الزراعية المستصلحة المتمثلة في طريق مصر إسكندرية الصحراوي، الغنى بالمزارع الكبرى التي ساهمت في زيادة الإنتاج الزراعى وتدوير عجلة تصدير المنتجات الزراعية المصرية خلال العقود الأخيرة بسبب السحب الجائر والعشوائى للمياه الجوفية في المنطقة.
وتؤدى المنتجعات المقامة بالمخالفة للقانون على جانبى الطريق الصحراوى دورا خطيرا في هدر ثروة مصر من المياه الجوفية، وتستخدم تلك المنتجعات المياه الجوفية المحدودة والمخصصة للزراعة في ملء البحيرات الاصطناعية الترفيهية وحمامات السباحة ورى ملاعب الجولف الشاسعة.
وخلال عمليات البحث عن الهدر المتعمد للمياه الجوفية على طريق مصر إسكندرية الصحراوى صدمتنا جرأة المخالفات واستخدام رجال الأعمال المالكين للمنتجعات للمياه بلا مبالاة في أغراض الترفيه رغم أن المنطقة تعانى من محدودية المياه وزيادة الملوحة في الأرض، وفق ما كشفته دراسات لباحثين في مركز بحوث الصحراء.
بداية الخيط في أزمة المياه الجوفية واستغلالها بشكل غير قانونى في المنتجعات، كانت من وزارة العدل، فبعد سنوات من التبديد المستمر للثروة المائية في منطقة مصر إسكندرية الصحراوى تحركت أخيرا جهة في الدولة لاستقصاء حقيقة الأوضاع داخل منتجعات الصحراوي، وفتحت لجان فنية التحقيق تحت رئاسة المستشار صفاء الدين أباظة المنتدب للتحقيق في قضايا فساد وزارة الزراعة.
منتجع الريف الأوروبي لصاحبه رجل الأعمال عبد الله سعد، أحد الكيانات التي كشفت اللجنة عن مخالفاتها في استنزاف الخزان الجوفى من المياه، أن التعدى لم يتوقف فقط عند حد تغيير نشاط الأرض من زراعى إلى سكنى واستثماري، لكنه امتد إلى مخالفة أحكام القانون المتعلقة بإنشاء آبار الرى وتشغيلها، من خلال حفر آبار وتشغيلها دون الحصول على ترخيص أو تجديد من الجهة المختصة بوزارة الري، مما ترتب عليه إهدار شديد وتبديد لمياه هذه الآبار التي تعتمد على المخزون المائى الموجود في هذه المنطقة.
أوراق التحقيقات في تجاوزات “الريف الأوروبي” كشفت أيضا أن الشركة ارتكبت مخالفة جسيمة تتمثل في عدم وجود منظومة صحية للصرف الصحى داخل هذه المنتجعات التي أقامتها الشركة، حيث إنها مقامة بطريقة لا تمنع التسرب وغير معزولة، ما يخشى معه وصول هذا التسرب إلى مياه الآبار أو المخزون فيصيبها بتلوث يصعب استغلالها فيما بعد وقدرت لجنة تثمين أراضى الدولة قيمة المخالفات المستحقة على شركة الريف الأوروبي بما يتجاوز الـ300 مليون جنيه، إلا أن الشركة لم تسدد أي من هذه المبالغ.
التجاوزات لم تتوقف عند شركة “الريف الأوروبي”، فمنتجع شركة وادى النخيل المملوك لرجل الأعمال مجدى مصطفى السيد وتبلغ مساحته 900 فدان،و الكائن بالكيلو 52 غرب طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، كان له نصيب من تبديد المخزون الجوفي، فإن لجان التحقيق كشفت عدم قيام أصحاب تلك المنتجعات بتوفير المقومات الأساسية والبنية التحتية التي يمكن إقامة هذه المشروعات السكنية عليها.
وكشفت التحريات والتحقيقات واللجان الفنية المختصة التي تقوم بمعاينة تلك الأراضى للوقوف على حجم مخالفاتها، تحايل أصحاب تلك المنتجعات باستغلال العديد من العناصر في محاولة لتوفير بعض الأساسيات التي تؤهل المكان للسكن والمعيشة، ومن أهم هذه العناصر والأدوات “المياه”، إذ إن أغلب تلك المنتجعات لم تتعاقد مع شركة مياه الشرب لتوصيل المياه إلى هذه الفيلات التي أقامتها، وقامت ببيعها بملايين الجنيهات، وتحايلت من خلال حفر عدد من الآبار الجوفية التي تعتبر مصدرا أساسيا للري، دون الرجوع إلى وزارة الري، وهى الجهة المختصة بمنح تصاريح حفر الآبار الجوفية، ومد الفيلات بمياه الآبار للاستخدام الآدمى والمعيشي، ولجأ ملاك المشروع إلى الترخيص لحفر بئر لمرة واحدة باعتبار أن الأرض التي يملكونها مخصصة للزراعة، والمشاريع التي ستقام عليها زراعية، ولم يقم بتجديد الترخيص لتغييره نشاط الأرض من الزراعى إلى السكنى والسياحي، واستخدام المياه الجوفية بالمخالفة للقانون في الأغراض المعيشية والآدمية، وهو تعامل وصف بالعشوائى مع مياه الآبار الجوفية دون تنظيم يضمن حمايتها والمحافظة عليها، لأن غياب الترخيص للآبار الجوفية يحرم وزارة الرى من متابعة عمل هذه الآبار، وكيفية استعمالها بطريقة تمنع إهدار الماء الصادر أو المستخرج منها.
معاينة للمنتجعات المخالفة من خلال اللجان الفنية المتخصصة والمشكلة بقرار من المستشار صفاء الدين اباظة، كشفت إنشاء بعض المنتجعات بحيرات صناعية للترفيه باستخدام المياه الجوفية من هذه الآبار، والتي تعتبر جريمة في حق الدولة؛ لأنها تهدر المخزون المائى الجوفى بصورة متجاوزة- وفقا لتقارير الخبراء - بسبب أن هذه البحيرات إنما تحتاج إلى ملئها لكميات ضخمة من المياه وتشغيل مواتير الكهرباء لساعات طويلة لسحب كميات ضخمة من المياه لتعبئة هذه البحيرات التي لا تستخدم إلا للزينة. المخالفات الصارخة لم تتوقف فقط عند ملء البحيرات الصناعية بالمياه الجوفية، بل كشفت تقارير الخبراء أن ملء البحيرات يحتاج إلى تشغيل الآبار يوميًا لساعات طويلة لتجديد مياه هذه البحيرات بضخ مياه جديدة فيها، حتى لا تركد المياه وتنبعث منها الروائح الكريهة، وبالتالى يقوم أصحاب تلك المنتجعات باستغلال مياه الآبار الجوفية أسوأ استغلال لتحقيق أكبر قدر من الربح في مبيعاتهم، على النحو الذي يضر بالغ الضرر بالمخزون الجوفي. التحقيقات الجارية من قبل قاضى التحقيق في فساد وزارة الزراعة، أشارت إلى أن أصحاب المنتجعات على الطريق الصحراوى لم يكلفوا أنفسهم جهدا في توصيل المياه من شركة المياه بفيلات للاستعمال المنزلي، بل إنهم سحبوا المياه من الآبار من أجل الاستعمال المنزلى بالمخالفة للقانون والقرارات المنظمة لاستعمال مياه الآبار.
“فيتو” التقت عددًا من الكوادر الفنية المختصة لمعرفة طبيعة هذه المخالفات التي قاموا برصدها خلال الفترة السابقة، خلال عملهم ضمن اللجان التي شكلها المستشار صفاء الدين أباظة قاضى التحقيق في قضايا فساد وزارة الزراعة لحصر كافة المخالفات المتعلقة باستخدامات مياه الآبار الجوفية في الطريق الصحراوي.
ووفقًا لشهادات أعضاء اللجان المشكلة لفحص 11 مشروعًا استثماريًا لمنتجعات سياحية على الطريق الصحراوى أهمها، الريف الأوروبي، صن ست هيلز، وادى النخيل، فيردي، وأخرى، حيث إن هناك عددا كبيرا من المخالفات تم رصدها خلال عمليات الفحص أهمها وجود آبار دون ترخيص في المنتجعات، وكذلك وجود آبار منتهية التراخيص، وعدم وجود تنظيم لاستهلاك مياه الآبار الجوفية وفقا للقواعد المنظمة للاستهلاك والصادرة من وزارة الري، بالإضافة إلى استعمال مياه الآبار الجوفية في غير الغرض المخصص لها، والإهدار الشديد لمياه الآبار بإقامة بحيرات صناعية للزنية، وحمامات سباحة.
وخلص تقرير اللجنة الفنية إلى أن البحيرات القائمة بالمنتجعات تمثل ضررا بالغا على الخزان الجوفي، حيث إنه للحفاظ على منسوب المياه بالبحيرة، فإنه يلزم تشغيل الآبار القائمة التي تغذيها وغير المرخصة، لساعات طويلة تصل إلى 20 ساعة يوميا، مما يتسبب في استنزاف المخزون الجوفى وحدوث أضرار به.
اللجان كشفت أيضا أن ما يتم سحبه من المياه الجوفية هو مخالف ويعامل معاملة تبديد مياه الري، طبقا لنص المادة 53 من اللائحة التنفيذية لقانون الرى والصرف رقم 12 لسنة 1984، والمعدلة بالقرارات الوزارية أرقام 14885 لسنة 1992، ورقم 54 لسنة 2008، والقرار الوزارى رقم 1634 لسنة 2015، حيث نصت المادة بعد التعديل على “يحظر تبديد مياه الرى بصرفها في مصرف خاص أو عام أو في أرض غير منزرعة أو غير مرخص بريها وفى زراعة الأرز بدون ترخيص، ويحصل مبلغ 60 قرشا على كل متر مكعب من المياه قام زراع الأرض بسحبها زيادة على ما هو مقرر لرى أرض أو تسبب في تبديدها”.
و أسندت اللجان المختصة مخالفات هدر المياه الجوفية على طريق إسكندرية الصحراوى لنص المادة رقم 6 من القانون رقم 48 لسنة 1982 في شأن حماية المجارى المائية من التلوث، التي تنص على أنه “لا يجوز الترخيص في صرف أي مخلفات آدمية أو حيوانية أو مياه الصرف الصحى إلى خزانات المياه الجوفية وهو ما تفعله تلك المنتجعات، وهو ما ينطبق عليه عقوبة الحبس مدة لا تزيد على 3 أشهر وغرامة لا تقل عن 100جنيه أو بإحداهما وفق المادة 18 من الباب الرابع بقانون العقوبات”، كما خلصت اللجان إلى وجوب إزالة الأعمال المخالفة، وعلى ذلك فيجب أن يتم التأكد من أن نظام الصرف بالمنتجع لا يؤثر على مياه الخزان الجوفي. وأكد تقرير اللجنة أن المخزون الجوفى هو مخزون وثروة مائية قومية يجب أن تتضافر جميع الجهود والمؤسسات والأفراد للحفاظ عليها كما ونوعا، مطالبين بضرورة سن تشريع يغلظ العقوبات بشأن حماية المياه الجوفية والتي تعتبر في القانون الحالى هزيلة وغير رادعة، خاصة أن السحب الجائر للمياه الجوفية يؤثر على جودة المياه مثل زيادة الملوحة، ويجعلها غير صالحة للزراعة.
وأكدت التقارير أيضا أن وزارة الرى غير مختصة بترخيص آبار للبحيرات الصناعية باعتبارها ليست موردا للحياة، وإنما مخصصة للزراعة فقط.
المهندس خالد إبراهيم رئيس اللجنة تحدث لـ”فيتو” عن عمل لجنته والمخالفات التي رصدتها، مؤكدا أنه فور تشكيل اللجنة تم الانتقال لمعاينة 11 مشروعا الصادر بها قرار من قاضى التحقيق، المستشار صفاء الدين اباظة وتبين من المعاينات أن معظم هذه الأراضى سياحية سكنية، وهناك فيلات محاطة بمساحات خضراء، وكثير منها يضم حمامات سباحة يتم ملؤها كل عام، وتوجد أربع بحيرات صناعية في البعض منها، مثل صن ست هيلز التي تضم ثلاث بحيرات.
ووفقا لرئيس اللجنة تبين من المعاينة أن أصحاب هذه المنتجعات قاموا بإنشاء شبكتين للمياه، شبكة لتغذية الزراعات، والأخرى لتغذية الفيلات من استخدامات آدمية ومنزلية، باستخدام مياه الآبار الجوفية التي تضخ في شبكة واحدة للمياه يتفرع منها هاتان الشبكتان، للزراعة والاستخدام الآدمى ويوجد على كل شبكة عداد للمياه، بالإضافة إلى تغذية الزراعات القائمة الموجودة في المساحات البينية بين الفيلات، ومصدرها أيضًا الآبار الجوفية.
وأوضح أن متوسط عدد الآبار في المنتجعات التي تم معاينتها 10 آبار، بينما الريف الأوروبي وحده يضم ما يقرب من 70 بئرا، ويختلف عدد الآبار في كل منتجع على حسب مساحة كل منها، حيث إن كل 100 فدان يحتاج إلى بئر واحدة.
وأكد أنه يتم ترخيص الآبار بغرض الاستزراع طبقا للعقود الصادرة من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية “صاحبة الولاية على الأرض”، إلا أن أصحاب تلك الأراضى قاموا بتغيير النشاط من زراعى إلى استثماري، مما دفع وزارة الرى إلى إلغاء التراخيص الصادرة لتلك الآبار بسبب تغيير النشاط.
وأكد أن قيمة المخالفات المائية والتي تسمى مخالفة تبديد المياه واستخدام المياه في غير الغرض المرخص من أجله وهى الزراعة واستخدامها لتغذية مشاريع سكنية وسياحية وبحيرات صناعية، تتراوح في المتوسط ما بين 7 إلى 14 مليون جنيه في كل منتجع محل الفحص وعددها 11 منتجعا، أي أن إجمالى مخالفات المياه في الـ 11 منتجعا يتجاوز الـ140 مليون جنيه تقريبا.
وأوضح رئيس اللجنة الفنية أنه يتم حساب قيمة المخالفة من خلال قياس صرف البئر في الطبيعة أثناء المعاينة، ويتم حساب كمية المياه المستخرجة منه في اليوم الواحد من تاريخ انتهاء ترخيص البئر وحتى تاريخ المعاينة، من خلال عدادات المياه الموجودة على كل بئر، ويتم حساب الآبار التي لا يوجد بها عدادات، بنفس الطريقة، ويتم محاسبة غرامة تبديد المياه في حدود 60 قرشا للمتر المكعب الواحد.
وتابع: “كل بئر تعمل في المتوسط من 12 إلى 15 ساعة يوميا، ويخرج 1500 متر مكعب مياه للبئر الواحدة في اليوم”. وأشار إلى أنه تبين من المعاينة أن كمية المياه اللازمة لملء البحيرة الكبيرة بأحد المنتجعات السكنية المخالفة، تبلغ ما يقرب من 261450 مترا مكعبا من المياه الجوفية، أي أنها تحتاج إلى تشغيل الآبار بصورة يومية لحفظ منسوب المياه بالبحيرة وتعويض الفواقد بسبب البخر خاصة في الصيف، وكمية المياه اللازمة لملء البحيرة الصغيرة ضمن نفس المشروع تبلغ في المتوسط نحو 77962.5 مترا مكعبا من المياه الجوفية، وتحتاج إلى تشغيل الآبار بصورة متواصلة يوميا لحفظ منسوب المياه داخل البحيرات، وقد يصل تشغيل الآبار إلى 20 ساعة في اليوم مما يعد إهدارا للمياه الجوفية.
ولمعرفة دور وزارة الرى في حماية المخزون الجوفى من استنزاف رجال الأعمال له واستخدامه بشكل جائر في منتجعاتهم بالمخالفة للقانون، والإجراءات التي تتخذها لمواجهتهم والتصدى لتجاوزاتهم، أكد مسئولون بالرى أنه يوجد في مصر ما يقرب من 80 ألف بئر، ما بين آبار مرخصة وأخرى غير مرخصة.
وتحدث مسئولو “الري” عن طريقة ترخيص الآبار، وشروط وضوابط الترخيص، وأوضحوا أنه يتم ترخيص الآبار من خلال الإدارات الخاصة بالمياه الجوفية التابعة لوزارة الرى في المحافظات، ويتم تقديم طلب الترخيص لبئر أو أكثر على قطعة أرض محددة، طبقا للوائح التي وضعتها وزارة الري.
ومن ضمن مستندات الترخيص التي حددها مسئولو الوزارة، تقديم دراسة فنية أيديولوجية لتقنين إمكانيات المياه الجوفية في المكان المراد تخصيصه لتحديد مدى صلاحيته لحفر الآبار من عدمه كما ونوعا، وتقوم الإدارات التابعة لقطاع المياه الجوفية المنتشرة على مستوى الجمهورية بتجميع ودراسة كافة المستندات ورفعها إلى اللجنة العليا لترخيص الآبار والتي تضم أعضاء من كافة الجهات المعنية ذات الصلة بالأمر، وتقوم بإصدار قرارها بالموافقة أو الرفض أو استيفاء بعض المستندات، ويتم اعتماد قرارات هذه اللجنة من وزير الموارد المائية والرى ثم استخراج التراخيص اللازمة، ولا يعتد بأية موافقات أخرى إلا بعد إصدار الترخيص ودخوله حيز التنفيذ.
ويعتبر الترخيص ملغيا من تلقاء نفسه في حالة تغيير النشاط المخصص لها البئر، ويتم وقف العمل بالترخيص تحصيل ما تم استغلاله من مياه بالمخالفة للقانون تحت بند “تبديد المياه الجوفية”. كما يعتبر الترخيص ملغيا من تلقاء نفسه في حالة عدم تجديد الترخيص في المواعيد المقررة قانونا. وأكدت وزارة الرى أنها لا تسمح بمنح تراخيص باستخدام الآبار الجوفية للمنتجعات السياحية، وتقوم بعمل حملات مرورية ودورية على الآبار المرخصة؛ ليتم التأكد من مدى مطابقتها لاشتراطات الترخيص وكميات السحب المرخص بها، وفى حالة وجود تجاوز يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اتجاه المخالف.
وأشار المسئولون بوزارة الرى إلى أن الوزارة قامت بإجراء تعديل على القانون رقم 12 لسنة 1984 لتغليظ العقوبات الخاصة بمخالفات استخدامات المياه الجوفية سواء الحبس أو الغرامة المالية لتكون رادعة للمخالفين، يهدف إلى حماية المخزون الجوفي، وتناقش تعديلات القانون حاليا بمجلس النواب تمهيدا للموافقة عليه وإصداره.
وأوضحوا أن المياه الجوفية في قطاع الصحارى مخزون جوفى غير متجدد ويعتبر ثروة، وبالتالى يجب التعامل معه بحذر شديد لضمان استدامة التنمية من هذا المصدر، مضيفين أن معظم الخطط الخاصة بقطاع المياه الجوفية تتم على استدامة 100 سنة، وهذا لا يعنى نضوب الخزانات الجوفية، ولكنها تحتاج إلى طاقة أكبر لاستخراج المياه الجوفية من أعماق بعيدة بتكلفة اقتصادية مناسبة، ويتوقف جدواها على مدى التطور التكنولوجى المحتمل في المستخدم.
وأكد المسئولون أن استخدام المنتجعات للمياه الجوفية واستنزافها قد يؤدى إلى تأثيرات سلبية على المخزون الجوفى من حيث الكم والنوع.
وأشارت “الري” إلى أن الوزارة تتخذ جميع الإجراءات لمنع إهدار المياه الجوفية، فضلا عن عمل دوريات مستمرة على الآبار للمراقبة أو التفتيش على ترخيص الآبار واستخدامها في الغرض المرخص لها، وكذلك إلزامها تركيب عدادات لقياس التصرف على الآبار ومراقبة التصرفات المرخص بها وعدم تجاوزها، بجانب إدخال نظام المراقبة عن بعد بالتحكم المركزى ومتابعة التصرفات الخارجة من الآبار من خلال الإدارات القائمة بالترخيص، وإصدار قرارات بإزالة الآبار المخالفة وغير المرخصة أو منتهية الترخيص.
المهندس علاء الدين صلاح رئيس الإدارة المركزية للمياه الجوفية بهيئة التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة التي كانت مسئولة عن دراسات المياه الجوفية في الأراضى تحت ولاية الهيئة قبل أن تحل محلها وزارة الرى في تحديد المقننات المائية لكافةالمشروعات الزراعية الجديدة منذ عام 2015، أكد أن استغلال طريق مصر إسكندرية الصحراوى في الزراعة بدأ فترة الثمانينيات وبدأت المشروعات الزراعية هناك بحفر هيئة التعمير لـ10 آبار فقط لمساحة 1000 فدان تم تخصيصها للمصريين في الخارج بقيمة 2000 دولار للفدان فترة وجود الدكتور يوسف والى وزيرا للزراعة. وأضاف: “عمق السطح الساكن للمياه بتلك الآبار كان من 65 إلى 75 مترا وهو العمق الآمن للسحب ومنع تملح البئر، لكننا الآن لا يمكننا إحصاء عدد الآبار التي حفرت على طول طريق مصر إسكندرية الصحراوى وحتى مدينة النوبارية ومدينة السادات وهو بالتأكيد عدد كبير جدا عندما نعرف أن عمق السطح الساكن للمياه في آبار تلك المنطقة انخفض «إلى انخفاض 85 مترًا».
وأوضح أن الخزان الجوفى الذي يتم السحب منه في منطقة طريق “مصر إسكندرية الصحراوي” هو خزان سطحي، وأن أقصى عمق لحفر الآبار في تلك المنطقة ومنها منطقة وادى النطرون يصل إلى 250 مترا في بعض المناطق و350 مترا في منطقة الوادى الفارغ بوادى النطرون. وأكد أن هناك مخالفات في تلك المنطقة تتمثل في الرى بالغمر من جانب عدد من أصحاب المزارع وهى ممارسة أنهكت الخزان الجوفى في المنطقة وتسببت في زيادة أعماق الآبار، وأدى ذلك لزحف المياه المالحة على الخزان الجوفى وتملح مناطق كاملة، كما حدث في المنطقة من الكيلو 52 إلى الكيلو 84 على طريق “مصر إسكندرية”، فزادت الملوحة إلى نحو 1050 جزءا في المليون في بعض المناطق كحد أقصى، وهو ما قد يجعلها غير صالحة للاستغلال الزراعي.
علاء الدين كشف أن المنتجعات المخالفة على طريق “مصر إسكندرية الصحراوي” تسببت في استنزاف وتملح الآبار وتهديد كافة المناطق المحيطة، والتي بها استثمارات زراعية كبيرة، حيث يصل استهلاك الآبار الموجودة في تلك المنتجعات إلى 200 متر مكعب في الساعة بمعدلات تشغيل تصل إلى 12 ساعة يوميا لتغطية استهلاك رى المساحات الزراعية الملحقة بالوحدات السكنية إلى جانب تغذية حمامات السباحة والبحيرات الصناعية الموجودة هناك، وهو استهلاك غير طبيعى للخزان الجوفى في منطقة طريق مصر الإسكندرية الصحراوي.
عدم الاكتراث بوجود كارثة تهددنا يتجلى في المخالفات الصارخة تجاه استخدام المياه الجوفية في منطقة طريق “مصر إسكندرية الصحراوي”، والتي رصدتها الدكتورة سوسن مصيلحى محمد إبراهيم، بمركز بحوث الصحراء خلال رسالة دكتوراه نشرت عام 2005 عن إدارة موارد المياه الجوفية بمنطقة الوادى الفارغ ومنتجعاتها بالطريق الصحراوى الواصل بين القاهرة والإسكندرية.
“مصيلحي” كشفت خلال رسالتها عن وجود 71 فدانا من البحيرات الصناعية بمنتجع السليمانية السكنى في الكيلو 52 تعتمد على البئر الجوفية بالمنطقة التي خصصت للزراعة في الأصل منذ فترة الثمانينيات.
في رسالتها أشارت مصيلحى إلى أن منطقة البحيرات الصناعية عمقها 3 أمتار وحفرت على ذلك العمق لتستوعب الألعاب الترفيهية المخصصة لسكان المنتجع، حيث تحتاج تلك البحيرة لتمتلئ عند الحد المطلوب إلى أكثر من 894 ألف متر مكعب من المياه، وذلك حتى فترة إجراء الدراسات عام 2005 هذا بخلاف مساحات الجولف المنتشرة في هذا المنتجع وتروى بالمياه الجوفية أيضا ليس لشيء سوى الترفيه وليس الزراعة التي خصصت المنطقة لها بالفعل، بل إن ملاك المنتجع خططوا وفقا للدراسة لزيادة مساحة البحيرات الصناعية إلى 159 فدانا خلال المراحل المتتابعة من مشروعهم السكنى الترفيهى بعمق 3 أمتار أيضا وهو ما يعنى أن كميات المياه المهدرة في تلك البحيرات سيصبح 2 مليون متر مكعب، لكن لم يتم إلى الآن رصد مقدار الزيادة في مساحة البحيرات منذ رسالة دراسة الدكتوراه تلك.
معدلات التشغيل التي يتبعها أصحاب بعض المنتجعات الواقعة على طريق “مصر إسكندرية الصحراوي” وصلت إلى السحب لمدة 12 ساعة وأزيد في اليوم بكمية تصل إلى 200 متر مكعب من المياه لكفاية ملء البحيرات الصناعية وحمامات السباحة ورى أراضى الجولف والمياه المستخدمة لأغراض المعيشة، تكفى لرى نحو 400 فدان زراعى بالمقننات المائية الحديثة لوزارة الرى في المنطقة المعتمدة بـ 6 م مكعب للفدان في اليوم بإجمالى 1800 متر مكعب للفدان في السنة وفقا لقرار اللجنة العليا لتقنين الأراضى عام 2015، وهو تراجع في تحديد المقننات المائية للزراعة في الصحراء والتي حددها من قبل القرار الجمهورى رقم 395 لسنة 1994 بـ15 مترا مكعبا للفدان.
خطورة مخالفات المنتجعات في ملف المياه الجوفية تبدو واضحة للعيان بعد أن تسببت في انخفاض المنسوب العام للمياه الجوفية في بعض المناطق التي أجرت عليها الدكتورة سوسن مصيلحى الدراسات من 8 إلى 9 أمتار في الفترة بين أعوام 1991 و2002، وهو ما يعنى أن نسبة الانخفاض بلغت أقل من متر مكعب في العام الواحد، وارتفعت في الفترة ما بعد 2002 إلى متر مكعب من منسوب المياه في المناطق التي أجرت عليها الدراسات عام 2005، لكن تدهور الخزان الجوفى في بعض مناطق طريق “مصر إسكندرية الصحراوي” لم يتوقف عند ذلك بل وصل منسوب الانخفاض إلى 1.7 متر مكعب وهو ما كشفه بحث للدكتورة سوسن مصيلحى بالتعاون مع الدكتور أحمد يوسف بمركز بحوث الصحراء على منطقة الكيلو 80 من الطريق.
البحث المسجل برقم V 61 في الجمعية الجيولوجية راقب خلال الفترة بين أعوام 2003 و٢٠١٥ تقييم المياه الجوفية في منطقة الكيلو 80 على طريق “مصر إسكندرية الصحراوي” باستخدام عدة تقنيات علمية وتحديد التغيرات في مستوى سطح المياه الجوفية ونوعيتها وتغذية الخزان الجوفى للفاقد منه من عدمه، وكانت إحدى نتائج الدراسة هو وجود 6 فوالق في طبقة البازلت الفاصلة بين طبقة الخزان الجوفى السطحية المسماة بخزان المغرة وطبقة المياه الموجودة أسفل طبقة البازلت التي تكون في العادة أكثر ملوحة وتسمى بالأيلوجيسين، وبسبب السحب العشوائى غير المراقب اختلطت مياه طبقة الأيلوجيسين بمياه خزان المغرة وزادت ملوحتها عن المعدل الطبيعى نسبيا في بعض الأماكن إلى جانب انخفاض مستوى سطح المياه من 2003 إلى 2015 بنحو 6 : 30 مترا بمعدل انخفاض سنوى يصل إلى 1.7 متر مكعب وهو ما لفتنا إليه سابقا.
من النتائج الخطيرة التي كشفها البحث أن تلك المنطقة تعانى حفرا عشوائيا للآبار أدى لوجود آبار بمسافات بينية تصل إلى 200 متر فقط، وتسبب في هبوط وبسحب جائر يصل إلى 180 مترا مكعبا في الساعة بمعدل تشغيل للآبار لمدة 22 : 24 ساعة في اليوم، وهو ما أدى أيضا إلى هبوط شديد في مستوى سطح المياه الجوفية وسمك طبقة المياه في خزان المغرة الذي كان أعلى سمك له 175 مترا عام 2003 وانخفض سمك طبقة المياه إلى 153 مترا عام 2015 وإلى 75 مترا في بعض المناطق. النتيجة الأكثر سوءًا في البحث الذي أجراه علماء مركز بحوث الصحراء هو زيادة نسبة الأملاح الصلبة في المياه الجوفية في منطقة الكليو 80 إلى 2485 ملى جراما في اللتر بعد أن كانت 234 ملى جراما في اللتر عام 2003.