سيناريوهات "اتفاق الشتاء".. القاهرة تحرج أديس أبابا في واشنطن وملامح تسوية نهائية بخصوص السد الإثيوبي
منذ 9 سنوات تقريبًا، اتخذت إثيوبيا الخطوة الأولى في طريق بناء «سد النهضة»، الذي تحول بمرور السنوات إلى ما يمكن وصفه بـ«كرة الثلج» التي بدأت تتدحرج ويزداد حجمها يومًا بعد الآخر، لتهدد كل من يحاول الوقوف أمامها أو منعها من التقدم، وكانت مصر واحدة من الدول، بل الدولة الوحيدة، المهددة بـ«تسديد فاتورة السد الإثيوبى» الباهظة، لا سيما وأن أديس أبابا اختارت توقيتًا حرجًا للإعلان عن مشروعها، حيث كانت القاهرة غارقة في الأزمات التي خلفتها ثورة 25 يناير 2011، وسقوط نظام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، غير أنه وبعد مرور تلك السنوات يأتي الشتاء بالحل كما جاء بالأزمة وقت اندلاعها.
ولاحت في الأفق بوادر اتفاق شامل مكتمل النقاط حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي، وذلك بعد انتهاء جولة المفاوضات الأخيرة التي تمت في واشنطن، خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأعلنت الخارجية المصرية انتهاء مفاوضات الجولة الأخيرة حول سد النهضة مع إثيوبيا والسودان في واشنطن بتنفيذ الولايات المتحدة الأمريكية صياغة نهائية لاتفاق سد النهضة بالاستعانة بخبراء البنك الدولى، ثم تعرض على الوزراء ورؤساء الدول نهاية فبراير الجارى.
إثيوبيا تدخل مفاوضات سد النهضة في طريق مسدود وترفض اقتراح مصر
إلى هذا.. علَّق الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية في كلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، على مسار المفاوضات الأخير بقوله: «كان من المتوقع صعوبة الوصول إلى اتفاق نهائى في مفاوضات واشنطن 12 - 13 فبراير 2020 بسبب التعنت الإثيوبى، وأن الدور الأمريكي الحالي في المفاوضات حقق ما لم يحققه غيرها خلال السنوات التسع الماضية، متابعاً: «الصياغة الأمريكية المتوقعة سوف تحاول إرضاء الجميع، لكنها قد لا تحقق مطالب مصر أو إثيوبيا، وحينئذ يكون تدخل رؤساء الدول الثلاثة ضروريا بدعوة من الرئيس الأمريكى».
وكشف «شراقى» أن استمرار خلافات مصر وإثيوبيا حول النقاط الخلافية في مفاوضات سد النهضة الأخيرة مع تحسن في الموقف السودانى تجاه الموقف المصرى، وتحول أمريكا والبنك الدولى من صفة مراقب في الاجتماعات السابقة إلى وسيط عليه إيجاد حل، يضع إثيوبيا في موقف حرج سياسيا، حيث إنها تشعر بوجود ضغط من أمريكا والبنك الدولى، كما أنها تعتقد أن المفاوضات بشكلها الحالى طرف واحد أمام أربعة أطراف (مصر، السودان، البنك الدولى، وأمريكا) وهو ما نقلته الصحافة الإثيوبية على لسان مصادر مسئولة في حكومة أديس أبابا عن المفاوضات الجارية في واشنطن، مؤكدًا أن استمرار إثيوبيا في المراوغة هدفه محاولة اقتناص حصة من مياه النيل الأزرق عن طريق الزج بدول المنابع لإعادة «محاصصة» مياه النيل.
كيف ضربت إثيوبيا عرض الحائط بإعلان مبادئ سد النهضة؟
وشدد «شراقي» على أن «مشكلة سد النهضة سوف تظل على مدار السنوات القادمة محل خلافات بين مصر وإثيوبيا في كيفية تنفيذ أي اتفاق سوف يتم التوصل إليه، بل قد تشتد هذه الخلافات في المستقبل إن لم يتم تفعيل الاتفاقيات السابقة (1891 -1902 - 1993) أو وضع اتفاق شامل جديد ينظم العلاقات المائية بين مصر وإثيوبيا عند إنشاء سدود إثيوبية في المستقبل خاصة على النيل الأزرق الرئيسى».
في حين أكد الدكتور ضياء الدين القوصي، مستشار وزير الري الأسبق، أن «المفاوض المصري نجح في كسب أطراف التفاوض لصالحه في المرحلة الحالية من المفاوضات بواشنطن، حيث تمكنا بعد 9 سنوات من المفاوضات غير المجدية وإهدار إثيوبيا للوقت في اقناع العالم بتعنت الموقف الإثيوبي طوال فترات التفاوض المختلفة، وهو ما يقوي موقف مصر في أي تحركات أخرى تتخذها في سبيل حفاظها على أمنها المائي».
إثيوبيا تنشر صورا لتطورات "سد النهضة" مع اقتراب آخر جولة للمفاوضات
وأشار إلى أن التزام الولايات المتحدة والبنك الدولي بإعداد صيغة اتفاق لا يغلق أمام مصر أبواب الحلول الأخرى، ومنها اللجوء إلى مجلس الأمن ضد الرغبة الإثيوبية في الإضرار بالأمن المائي المصري، وأوضح «القوصي» أن «مصر لا يمكن أن تقدم تنازلات فيما يخص أمنها المائي فمصر تتحدث عن توفير المياه اللازمة لحياة شعبها بينما إثيوبيا قضيتها استغلال المياه في التنمية، وشتان بين المفهومين حيث تقضى الأعراف الدولية كلها بضرورة توفير الحياه الكريمة للإنسان، ومصر عرضت وجهة نظرها أكثر من مرة وهي أن يتم ملء خزان سد النهضة في أوقات ارتفاع فيضان النيل الأزرق عن متوسط إيراده حتى لا تتأثر الحصة المصرية والسودانية وفي حالة انخفاض المنسوب لا يتم التخزين إلا باتفاق مسبق يضمن عدم تضرر مصر والسودان، وهو أمر تتمسك به مصر إلى النهاية لأنه أساس قضية الأمن المائي المصري».
“نقلا عن العدد الورقي...