رئيس التحرير
عصام كامل

دراسة تؤكد: مشروع نهر الكونغو طرح منذ 100 عام.. وتطالب بتأمين المياه بمخطط مضاد يعادل نفس التوقيت الزمني لبناء السد الإثيوبي.. وكسر العزلة المصرية عن مجتمعات دول حوض النيل

الدكتور جمال القليوبي
الدكتور جمال القليوبي

حصلت "فيتو" على دراسة أعدها الدكتور جمال القليوبى، أستاذ البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية، واستشارى قطاع البترول الأجنبى فى مصر، لتأمين المياه المصرية وحصة مصر من مياه نهر النيل عن طريق مخطط مضاد يعادل نفس التوقيت الزمنى لسد النهضة الإثيوبى.

الدراسة تقدم العديد من الاقتراحات أولها العودة إلى المشروع القديم الذى تولاه الرئيس السابق أنور السادات ودعمه فريق بحث عالمى لتوصيل نهر الكونغو بنهر النيل ابتدأ من السودان، حيث إن مشروع نهر الكونغو –كفكرة- طرحت قبل أكثر من 100 عام، وتحديدًا عام 1902، عندما طرحها "أباتا" كبير مهندسى الرى المصريين فى السودان، الذى اقترح شق قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد النيل بالسودان للاستفادة من المياه التى تهدر منه، حيث يلقى النهر ما يزيد على ألف مليار متر مكعب من المياه فى المحيط الأطلنطى، حتى أن المياه العذبة تمتد إلى مسافة 30 كيلومترًا داخل المحيط، بخلاف وجود شلالات قوية يمكن من خلالها توليد طاقة كهربائية تكفى القارة الأفريقية كلها.

وبعد 78 عامًا عادت الفكرة للظهور مرة أخرى، فى نهاية عهد الرئيس الراحل أنور السادات، عندما أمر بجولة ميدانية فى الكونغو لتقديم تصور عن الطبيعة الجغرافية للنهر، وبعد تقديم المشروع للسادات قامت الحكومة المصرية بإرساله إلى شركة آرثر دى ليتل "1" وهى شركة أمريكية عالمية متخصصة فى تقديم الاستشارات الاستراتيجية، لتحديد التصور والتكلفة المتوقعة، وردت الشركة بالموافقة، وأرسلت فى التقرير حقائق جيدة لمصر.

وبعد رحيل الرئيس السادات، تم إغلاق الملف مجددًا، ولم يفكر الرئيس السابق مبارك، فى تحقيق الأمن المائى لمصر، خاصة مع تصاعد الأزمة بين مصر وإثيوبيا على خلفية محاولة اغتياله بأديس أبابا 1995.

وفى 2011 عادت الفكرة مرة أخرى للظهور وخاصة بعد اتفاقية "عنتيبى" ومحاولة رئيس وزراء إثيوبيا السابق "ميلس زيناوى" إقامة سد النهضة وجر مصر للصدام، بسبب محاولة تقليل حصة مصر من المياه، وقام الدكتور نادر نور الدين خبير المياه العالمى وأستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة جامعة القاهرة، بعرض دراسته على رئيس الوزراء آنذاك عصام شرف، لكن الأمر لم يحدث فيه تغيير ولم يبت فيه، حتى عادت الأزمة مرة أخرى تطل برأسها هذه الأيام بتحويل إثيوبيا لمجرى النيل الأزرق وشروعها فى بناء سد النهضة، الذى سيتحكم فى حصة مصر من مياه النيل. 

وكان الدكتور عبد العال حسن، نائب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروة المعدنية، قد أعلن عن نجاح خبراء الهيئة فى وضع 3 سيناريوهات علمية وجيولوجية، تسمح بزيادة إيراد نهر النيل عن طريق نقل فواقد المياه المهدرة من نهر الكونغو فى المحيط الهادى إلى حوض نهر النيل، دون التعارض مع اتفاقيات الأنهار الدولية؛ لأن نهر الكونغو لا يخضع للاتفاقيات الدولية، حيث سيتم استخدام جزء من فاقد نهر الكونغو الذى يصل إلى 1000 مليار متر مكعب سنويًا يلقى فى المحيط الهادى، وذلك عن طريق إنشاء قناة حاملة بطول 600 كيلو متر لنقل المياه إلى حوض نهر النيل عبر جنوب السودان إلى شمالها ومنها إلى بحيرة ناصر.

وتقوم فكرة المشروع على تماس حوضى نهر النيل ونهر الكونغو، حيث ستتم الاستعانة بكل البيانات المتاحة من خلال البيانات التى رصدتها الأقمار الصناعية المرئية والرادارية والخرائط الطوبوغرافية والخرائط الجيولوجية والبيانات المناخية، لدراسة أنسب مسار لتوصيل المياه من نهر الكونغو إلى نهر النيل عبر خط تقسيم المياه وصولًا إلى جنوب جوبا "جنوب السودان".

وتمت دراسة 3 سيناريوهات مقترحة لتحديد مسار المياه، طول الأول 424 كيلومترًا وفرق منسوب المياه سيكون 1500 متر وهو ما يستحيل تنفيذه، والسيناريو الثانى على مسافة 940 كيلومترًا وارتفاع 400 متر، والثالث ينقل المياه على مسافة 600 كيلومتر وفرق ارتفاع 200 متر، وهو السيناريو الأقرب إلى التنفيذ من خلال 4 محطات رفع متتالية للمياه.
وكشف المقترح عن إمكانية توليد طاقة كهربائية تبلغ 300 تريليون وات فى الساعة، وهى تكفى لإنارة قارة أفريقيا، لافتًا إلى أن الكونغو تصنف أن لديها 16% من قدرات الطاقة الكهرومائية فى العالم لتوليد المياه من المساقط المائية.

وفى دراسة المشروع أن ما يميز نهر الكونغو عن غيره من الأنهار هو عدم وجود دلتا له، بل تنساب المياه المحملة بالطمى فى خندق عميق وتمتد بعيدًا داخل المحيط الأطلسى، ويبلغ طول نهر الكونغو 4700 كيلومتر، ولديه قوة هائلة فى دفع الماء إلى البحر، ويدفع قرابة 41700 طن من المياه فى الثانية. 

ومشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو يبلغ إيراده السنوى من المياه 1900 مليار متر مكعب، وقناة الربط تكلفة إنشائها 8 مليارات دولار وهى كفيلة بضخ كمية من المياه فى الصحراء الغربية تعادل 3 أضعاف حصة مصر، من نهر النيل بما يعيد إحياء المجرى القديم، والذى كان يبدأ من جنوب توشكا ويمر بالواحات، ولن تغرق هذه المياه مصر لأنه يمكن تخزين الفائض فى منخفض القطارة، واستغلال مساقط المياه فيه لتوليد الكهرباء، وإنشاء دلتا جديدة حوله أكبر من دلتا النيل الحالية.
إن اختيار نهر الكونغو كحل ممتاز للأزمة المائية المصرية، فنهر الكونغو هو الأغنى فى أفريقيا والعالم، من حيث تدفق المياه والأمطار الغزيرة طوال العام، وشعب الكونغو من أغنى شعوب العالم بالموارد المائية، ونصيب الفرد من المياه فى الكونغو 35000 متر مكعب سنويًا، بالإضافة إلى ألف مليار متر مكعب سنويًا، تضيع فى المحيط دون أن يستفيد منها أحد. 
فكرة وفلسفة المشروع تقوم على توليد طاقة كهربائية من المساقط المائية تكفى لإنارة القارة الأفريقية، والمشروع سيجعل الكونغو من أكبر الدول المصدرة للطاقة فى العالم، ويحقق لها عائدًا ماديًا ضخمًا من توليد وتصدير الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الكهرباء لمصر والكونغو والسودان أيضًا.
وأكدت الدراسة أن مصر مقبلة على أزمة مياه وطاقة فى الأعوام الــ50 المقبلة، والمشروع يوفر الماء والكهرباء ودون مقابل، وأن رجال أعمال مصريين وعرب وافقوا على تمويل المشروع ذاتيا، دون أن تتحمل خزينة الدولة أى أعباء أضافية تزيد من معاناة الموازنة العامة الضعيفة نسبيًا.
وجاء بالمشروع أنه بإمكان السودان إنشاء خزانات عملاقة لتخزين حصتها من المشروع، أو بحيرة عملاقة تكون كاحتياطى استراتيجى من المياه السودانية، أو إنشاء بحيرة عملاقة لتحويل المياه الأضافية مع إمكانية توليد طاقة كهربائية من المشروع فى جنوب السودان، إذا أقيم سد لتوليد وتخزين المياه الكونغولية الغزيرة، التى ستوفرها القناة للسودان ومصر، أى أن هناك فائدة ستأتى لمصر والسودان وجنوب السودان وحتى الشركات المصرية المحلية العملاقة. 
وكما أن المشروع لا يوجد بند واحد فى القانون الدولى، أو فى اتفاقيات دول حوض النيل تمنع إقامة هذا المشروع إلا فى حالة واحدة، إذا عارضت أو رفضت الكونغو المشروع، وأن هناك بندًا فى القانون الدولى يسمح للدول الفقيرة مائيًا مثل مصر، أن تعلن فقرها المائى من خلال إعلان عالمى، وفى تلك الحالة يحق لمصر سحب المياه من أى دولة حدودية، أو متشاطئة معها، غنية بالمياه، والكونغو وافقت مبدئيًا على فكرة المشروع ولم تبد أى اعتراض؛ لأن الاستفادة الكونغولية ستفوق الاستفادة المصرية من المشروع، مع إمكانية إقامة حياة زراعية ضخمة على ضفتى القناة التى ستربط نهر الكونغو بنهر النيل، سيستفيد سكان تلك المناطق الفقيرة داخل الكونغو المتعطش للتنمية.
وأكدت صفحات المشروع أن تلك الموارد المائية الضخمة ستحول مصر إلى جنة خضراء، وتستطيع زراعة ملايين الأفدنة، مع كميات هائلة من المياه، التى يمكن تخزينها فى منخفض القطارة، بدلًا من المياه المالحة التى تهدد خزان الماء الجوفى فى الصحراء الغربية، ونسبة البخر من منخفض القطارة ستزيد من كمية هطول الأمطار فى الصحراء الغربية.
وأشارت الدراسة إلى أن تكلفة عام واحد من الحرب فى أدغال أفريقيا، ستكلف خزينة مصر أكثر من تكاليف المشروع، الذى لن تنفق عليه مصر مليمًا واحدًا ما عدا منخفض القطارة، والمشروع سينقذ مصر من الصراعات والنزاعات الإقليمية، والمفاوضات التى سيطول أمدها، وأنه بإمكان سلاح المهندسين بالجيش المصرى، وشركات المقاولات المحلية العملاقة، إنجاز مشروع منخفض القطارة فى 5 سنوات.
وعلى الرغم من التصريحات الرسمية، وبعض الدراسات المائية التى لا تزال تؤكد أن مصر لن تتضرر من بناء إثيوبيا لـ"سد النهضة"، فإن الواقع العملى يحتم على مصر أن تتحرك لمواجهة الخطر المحتمل، ومشروع نهر الكونغو هو المشروع البديل والذى يتماشى السعى الزمنى فى إنشائه مع التوقيت الزمنى لبناء السد الإثيوبى.
أما الاقتراح الثانى هو تحويل مصبى النيل عند البحر المتوسط وتدوير المياه فى اتجاهى الصحراء الغربية وكذلك سيناء لإنشاء دلتا الصحراء الغربية (المحور القديم للنيل) ودلتا مدخل سيناء.
أما الاقتراح الثالث هو إنشاء وزارة معنية للتعاون المصرى الأفريقى، ويكون التركيز المستهدف من هذه الوزارة المعنية بالشئون الأفريقية فى المجالات التى من شأنها الوصول إلى الفكر الأفريقى ناحية مصر، وتغييره بكسر العزلة المصرية عن المجتمعات لدول حوض النيل.
الجريدة الرسمية