القصة الكاملة لـ«توبة» شيوخ السلفية.. من «حسان» إلى «الحويني».. أحمد كريمة: هؤلاء صنيعة قوى مخابراتية عالمية لإثارة القلاقل
«أفسدنا كثيرًا بحماس الشباب.. ولا أنكر أني كنت متسرعًا بحب الشهرة».. بصوت خافت غلفته نبرة ندم، ظهر الداعية السلفي أبو إسحاق الحويني في فيديو انتشر له الأيام الماضية، وهو يعترف بأخطائه التي وقع فيها في بداية حياته الدعوية، في محاولة منه -كما اعترف- أن يبرئ نفسه من بعض الأحكام والمسائل الخاصة بعلوم الحديث التي تخصص فيها على مدار السنوات الماضية، والمتتبع لتاريخ مراجعات شيوخ الدعوة السلفية يجد أن «الحوينى» لم يكن الداعية السلفى الأول الذي يخرج ويعترف بأخطائه التي وقع فيها عند التعرض للأحكام الشرعية، فقد سبقه لذلك الداعية السلفي محمد حسان الذي صرح قبل ذلك بأنهم كدعاة وقعوا في أخطاء خلال السنوات الماضية لا تليق بمن ارتبطوا بمنهج والدعوة إلى الله عز وجل.
والباحث في السير الذاتية لهؤلاء الدعاة يجد أنهم ليسوا خريجى إحدى الكليات الشرعية في الأزهر الشريف أو غيره، وأن حياتهم العلمية تقتصر على بعض القراءات والدراسات الخاصة التي عمدوا إليها، وهو ما جعلهم يفتقرون إلى الوسائل الصحيحة التي تؤهلهم لإيصال الخطاب الديني الوسطي والصحيح للناس، وهو ما اعترف به «الحوينى» في الفيديو ذاته، حيث قال «لم نكن نعلم بتدرج الأحكام وكنا نعتقد أن كل سنة نعرفها عن النبي-صلى الله عليه وسلم- نعتقد أنها واجب»، وبحسب مراقبين فإن ما حدث من هؤلاء يؤكد على أن الالتزام بالمنهج الأزهري الوسطي هو الحصن المنيع للشباب من الوقوع في براثن التطرف والغلو.
خالد الجندي يهاجم السلفيين: "ابتلاء"| فيديو
من جانبه يرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، أنه ينبغي على الناس أن تعلم أن هناك فرقا بين المراجعات والمراوغات، فالمراجعات تكون لأهل العلم الحقيقيين، بحيث إذا اتضح لهم في فتوى أو أمر اجتهادي خطأ وتبين لهم الصواب، فهؤلاء يرجعون إلى الحق ولو على أنفسهم، وهذا عرف لدى الأئمة الكبار في الأزهر الشريف وغيره.
أما المراوغات فهي حيل لحظوظ الدنيا يمارسها دخلاء متطفلون على موائد العلوم الإسلامية، فمن يوصفون إعلاميًا بـ المنشقين عن جماعة الإخوان، حقيقة الأمر أنهم أنشقوا ليس من باب المراجعات إنما من باب المراوغات وكذلك الحال للمنشقين من الجماعة الإسلامية والسلفيين.
وأشار إلى أن «هناك مجموعة من أتباع السلفية، الذين أعلنوا خلال الأيام الماضية توبتهم عن بعض الأحكام التي أفتوا بها جاء هذا بعد اختلافهم مع قياداتهم في بلاد منشأ مذهبهم الذي يعتمدون عليه، فانقلبوا من النقيض إلى النقيض، وتراجعوا حفاظًا على مكتسبات تأتيهم دعمًا لهم، ومسايرة للتغييرات الكبيرة التي حدثت في الدول التي يأتي منها تمويلاتهم، موجهًا سؤالا للحويني قائلا «أين اعتذارك للعلامة الدكتور على جمعة؟» حينما صرحت إبان حكم جماعة الإخوان بأن علي جمعة "ولد ميتًا" وكذلك ابنك حاتم الحويني الذي تعدى أكثر من مرة على دار الإفتاء واتهمها بالجهل نظرًا لاختلافه معها في بعض الفتاوى التي أصدرتها الدار مؤخرًا، وأنا أقول إن هذا الوضع الذي عليه هؤلاء ينطبق عليهم قول «انقلب السحر على الساحر».
حقيقة وفاة الشيخ محمد حسان..أول رد من الداعية السلفي (فيديو)
وأضاف «د.كريمة»: هناك تساؤل هام في هذه المسألة وهو هل ما سببوه من تغرير بالشباب منهم من قتل ومنهم من سجن ومنهم من شرد.. هل ما أعلنه السلفيون والمنشقون من جماعة الإخوان كاف لهؤلاء أم لا بد من الضمان الشرعي؟، والقاعدة تقول «من أتلف شيئًا فعليه إصلاحه»، وهؤلاء هم صنيعة قوى مخابراتية عالمية لإثارة القلاقل في المجتمعات المسلمة ولذلك انقلبوا من النقيض إلى النقيض، والحقيقة المرة أن هؤلاء في وضعية لا يحسدون عليها فلا يستطيعون أن يفتحوا أفواههم أو أن يطلقوا ألسنتهم على التحولات والتغيرات التي تحدث في موطن «المنشأ» وفي نفس الوقت نجد ألسنتهم طويلة على علماء الأزهر وعلى الهجوم على مصر، وهذه التحولات والتغييرات تدل على الخواء الفكري.. والإفلاس العلمي، وأنهم كانوا مجرد أبواق وجهت لأهداف ليس من ضمنها الدعوة الإسلامية الحقيقية.
ومن جهته أكد الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين السابق جامعة الأزهر بأسيوط، أنه يرحب بعودة كل إنسان إلى الحق في الأحكام الشرعية، وهذا الأمر يعد من الشجاعة بأن يعترف كل إنسان بأنه أخطأ في بعض الأحكام وأنه سيعود إلى الحق، وإلى المذهب الوسطي الذي عليه الأزهر الشريف، لكن هذا الأمر يحتاج إلى عدة أمور أولها بيان الأحكام التي أخطأ فيها هذا الشخص، لأن الرجوع العام لن يفيد في تلك الأمور، ونحن أمامنا بعض القضايا التي أفتى بها بعض المتشددين الذين التزموا عند التعرض لهذه القضايا بمنهج واحد ولم يلتزموا بوسطية الأزهر الشريف، فمن هذه الأحكام مثلا الحكم على كل تارك للصلاة بأنه كافر دون التفرقة بين من تركها جحودًا بفرضيتها وبين من تركها كسلًا مع إقراره بفرضيتها، وكذلك الحكم بتكفير كل من حكم بغير ما أنزل الله عز وجل أنه كافر وهو ما دعا بعض المتطرفين إلى قتال المسلمين في بعض الدول، وكذلك ما أفتى به بعضهم بجواز الخروج على الحاكم لأسباب لا تجيز الخروج عليه، ولم يلتزموا بمنهج الأزهر الوسطي في هذه الأمور وغيرها من الأحكام.
وأضاف: إذا رجع الإنسان عن بعض الفتاوى المتشددة التي أفتى بها في وقت سابق فيجب عليها أن يصحح تلك الأخطاء التي وقع فيها، وأن يبين للناس الأحكام والمسائل التي تعرض لها، خاصة وأننا نعانى من التزام بعض الشباب بفتاوى متشددة أو خاصة بمذهب واحد ولا يريدون أن يأخذوا بالمذهب الوسطي، فيجب على كل من يرجع ويعترف بخطئه في بعض المسائل أو الأحكام سواء داخل مصر أو خارجها أن يوضح للناس في بيان واضح تلك الأحكام والمسائل حتى يخرج من الإثم، وإذا لم يفعل ذلك فليس هناك فائدة من توبته ورجوعه.
وعن الدور الذي يقوم به الأزهر الشريف لتمكين طلابه من الأدوات التي تؤهلهم لامتلاك القواعد الخطاب الديني الوسطي والسليم، أوضح أن «الدراسة الأزهرية هي التي تعصم الإنسان من الوقوع في الخلل الفكري، وذلك لأن الأزهر الشريف يدرس لطلابه جميع النحل والملل فالطالب الأزهري يدرس عقائد المسلمين وعقائد غير المسلمين، كما أن الأزهر الشريف يدرس لطلابه فقه المذاهب الأربعة، ومن هنا يخرج طالب الأزهر الشريف وهو دارس للأحكام الشرعية المتنوعة، وبناءً عليه فإنه يستطيع أن يجد المخرج فيما يعرض عليه من مسائل من فقه المذاهب الأربعة، وليس الالتزام بمنهج واحد، ولذلك نجد أن الأزهري في أي مكان يفتي بالمذهب الوسطي، فالعصمة في الأحكام الشريعة تأتي لاتباع الإنسان للمذاهب الأربعة التي تدرس في الأزهر الشريف».
وتابع: إن الرجوع إلى الأزهر الشريف في القضايا التي يختلف الناس فيها هو عصمة ونجاة للأمة من الوقوع في براثن التطرف والتشدد، وهو ما يحدث من هؤلاء المتشددين، ونحن نقول للعالم أجمع «إذا أردتم النجاة بشبابكم والعصمة من الوقوع في الأخطاء فعليكم بالدراسات الأزهرية الشريفة التي أخرجت لنا أجيالًا في كل زمان ومكان يدعون إلى ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة».
“نقلا عن العدد الورقي...”