محمود أبو زيد: تشغيل سد النهضة دون اتفاق يهدد الأمن المائى المصرى .. ويهبط ببحيرة ناصر إلى ما دون منسوب توليد الكهرباء ( حوار )
الكلام عن تساهل مصر مع إثيوبيا عند بنائها سد تاكيزي في 2008 سبب تجرؤها ببناء سد النهضة دون إخطارنا غير صحيح
30 مليار متر مكعب فواقد من مياه النيل يمكن جلبها من جنوب السودان وإثيوبيا.. ونسب انهيار السد «ضعيفة» لكنها قائمة
لا يوجد سد أقيم على النيل دون الحصول على موافقة مصر إلا سد النهضة
نحتاج إلى تنظيم عملية حفر الآبار حتى لا تكون تكون قريبة من بعضها بشكل كبير
«المخاطر المتوقعة والسيناريوهات المطلوبة»، قضيتان رئيسيتان تحدث عنها الدكتور محمود أبو زيد، وزير الرى الأسبق، باستفاضة وتفاصيل كاملة، في حواره عن أزمات سد النهضة الإثيوبى، مؤكدًا أن السد الذي توجد نسبة «ضعيفة» تشير إلى احتمالية انهياره، يمثل خطرًا أيضا منسوب بحيرة ناصر والأمن المائى المصرى بشكل عام.
كما شدد وزير الرى الأسبق، على ضرورة التوصل إلى اتفاق واضح بين مصر وإثيوبيا والسودان لوضع قواعد توافقيه حول تشغيل السد، موضحًا أن مرحلة التشغيل الكامل، تعتبر هي هي الأخطر خاصة في حالات الجفاف والجفاف الممتد على الحصة لمائية لمصر من مياه النيل.. وعن نوعية الاتفاقيات المطلوبة، والإجراءات الواجب اتخاذها والسيناريوهات البديلة لمواجهة «كارثة السد الإثيوبى» وأمور أخرى.. كان الحوار التالى:
*بداية.. ما التهديد الحقيقي الذي يمثله سد النهضة الإثيوبى على مصر؟
من خلال الدراسات التي أجريناها في المجلس العربي للمياه مع جامعة الفيوم، اتضح أن فترة ملء السد لن تكون مؤثرة بشكل كبير على مصر من ناحية الأمن المائى، لكن الأهم هنا فترة التشغيل، لا سيما في مراحل الجفاف والجفاف الممتد، ومن خلال المجلس العربي أجرينا دراسة تقدير لفيضان النيل في المائة سنة السابقة بالنسبة لحالة النهر، وظهر أن فترات الانخفاض ستتكرر بنفس تفاصيلها خلال المائة عام المقبلة، لكن لن تكون هناك طريقة لتوقع وقت تكرار تلك السنوات، والتي تمثل الجفاف الممتد، وهو ما يجب أن نضعه في الحسبان للتعامل مع تلك السنوات خلال فترة تشغيل سد النهضة.
*بشكل عام.. متى يمكن أن نحدد أن إيراد النهر منخفض وأننا في مرحلة جفاف؟
انخفاض إيراد النهر يكون عندما يكون حجم الفيضان في النيل الأزرق 30 مليار متر مكعب فأقل، بينما الإيراد المتوسط وفوق المتوسط يبدأ من 50 مليار متر مكعب فأقل، ويجب أن يتضمن الاتفاق على قواعد تشغيل سد النهضة بنودا واضحة بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سنوات الجفاف والجفاف الممتد.
*إلى أي مدى يمكن لبحيرة ناصر أن تعوض فقدان مصر جزءا من حصتها المائية بسبب سد النهضة؟
بحيرة ناصر هي بنك المياه بالنسبة لمصر، وقدرتها الاستيعابية الحالية تقريبا 161 مليار متر مكعب، ويمكن أن نعوض منها بمعدل سحب 5 مليارات، لكن الدراسات التي أجريناها في المجلس العربي للمياه بالتعاون مع بعض الجهات البحثية الدولية، تشير إلى أن مناسيب بحيرة ناصر مرتبطة بسد النهضة.
وهناك سيناريوهات تكشف أن حالات الجفاف الممتد التي من الممكن أن تتزامن مع تشغيل سد النهضة واستمرارها لفترات طويلة تصل إلى 10 سنوات بالتأكيد ستؤثر على منسوب بحيرة ناصر وتهبط به إلى دون منسوب توليد الكهرباء، لذلك طالب المفاوض المصري في المفاوضات الجارية مع إثويبيا بربط السد العالي بسد النهضة، خاصة وأن سد النهضة أضاف إلى معادلة المياه في حوض النيل فواقد جديدة تتعلق بـ«البخر والتسريب في المياه المخزنة خلفه» وهو ما سيؤثر على حجم المياه خلفه.
*وفقًا لما سبق.. هل يمكن القول إن أحد أغراض إثيوبيا من بناء «السد» مناكفة مصر سياسيًا؟
الأرقام لها دلالات كبيرة فيما يخص سد النهضة، فمثلا رقم الـ 74 مليار متر مكعب وهو منسوب خزان بحيرة سد النهضة هو مجموع حصتي مصر والسودان من مياه النيل، وهو أمر له دلالة سياسية ترغب إثيوبيا في تمريرها إلينا، لأنه وفقا للدراسات الأولية التي وضعها الخبراء الأمريكان لسد النهضة فإن مخزونه كان 14 مليار متر مكعب فقط، وبهذا المنسوب كان سيوفر لهم 65% من الكهرباء التي ستولد من سد النهضة بسعته الحالية ودون أن يسبب أضرار بمصر.
*هل تساهل مصر مع إثيوبيا عند بنائها سد تاكيزي في 2008 سبب تجرؤها ببناء سد النهضة دون إخطارنا؟
هذا كلام ليس صحيح فدول حوض النيل أنشأت عدد من المشروعات المائية على النيل، وكانت إثيوبيا ترسل إلى مصر إخطار ببناء السدود، وترسل الدراسات الكاملة عنها وغيرها من دول الحوض، ومنها سد تاكيزي الذي درسناه في وزارة الري، وتبين أنه لن يسبب ضرر لمصر، ولا يوجد سد أقيم على النيل بدون موافقة مصر إلا سد النهضة، مع الأخذ في الاعتبار أن غالبيتها كانت سدود صغيرة.
*خلال الفترة الماضية تناثرت أقاويل حول احتمالية «انهيار سد النهضة».. هل هناك مؤشرات لإمكانية حدوث هذا الأمر؟
تقرير اللجنة الدولية عام 2013 بشأن سد النهضة قال إن دراسات أمان السد ليست كافية ويجب تحديثها والمكتب، لكننى اعتقد أن إثيوبيا أجرت دراسات تكميلية، كما أعتقد أن مخاطر الأمان لن تصل إلى حد الانهيار، لكن تبقى هناك نسبة ضعيفة وشكوك حول انهيار السد بسبب بناءه فوق منطقة فالق أرضي.
*بالعودة إلى الداخل المصرى.. كم يبلغ حجم المياه الجوفية واستهلاكها في مصر؟
هناك نوع من الخزانات غير المتجددة، وهناك خزانات متجددة، وفي الصحراء الغربية والشرقية الخزانات غير متجددة، وبعض الأرقام تقول أننا نستغل 7 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية في المناطق الصحراوية، ومن الممكن في حالة التوسع الزراعي والعمراني أن نصل إلى 11 مليار متر مكعب، وثروة مصر من المياه الجوفية في الصحاري لا تقدر بحجم المياه بشكل كامل، ولكن بالمدة التي سينخفض فيها منسوب الخزان، ونحتاج إلى تنظيم عملية حفر الآبار حتى لا تكون تكون قريبة من بعضها بشكل كبير، وذلك حتى لا تتداخل الأبار وتزداد ملوحتها وينخفض منسوبها.
*هل يمكن جلب فواقد إلى مجري النهر من دول حوض النيل؟
بالتأكيد.. فمن أهم الدراسات التي أجرتها وزارة الرى كانت عن جنوب السودان ومناطق هضبة البحيرات ومستنقعات بشار وبحر الغزال وجونجلي، وتم تخطيط مشروعات بعد دارستها بالكامل، وأظهرت أن هناك 18 مليار متر مكعب فواقد مياه في جوب السودان يمكن جلبها لمصر والسودان منهم 4 مليارات متر مكعب كان مقرر جلبهم بقناة جونجلي، وأيضا إثيوبيا فيها نهر السوباط يمكن أن يجلب بحصاد الأمطار على المرتفعات المحيطة ومن المستنقعات قرابة 12 مليار متر مكعب لمصر وإثيوبيا والسودان وهو مشروع مدروس وجاهز.
*من واقع خبرتك.. لماذا لم توقع مصر على قانون الأنهار العابرة للحدود؟
القانون رغم فائدته لمصر بنصه على مبدأ الإخطار المسبق من دول المنابع إلى دول المصب حال إقامة أي مشروعات مائية على النهر، لكن الاعتراض عليه هو أنه يعني بمياه الأنهار التي تجري في النهر فقط وليس التي تتساقط على الحوض بشكل كامل، وهو ما يظلم مصر، لأن المياه التي تسقط على دول الحوض تقدر بسبعة آلاف مليار متر مكعب وما يتساقط في حدود الحوض فقط 1600 متر مكعب وما ينزل منها في مجرى النهر 84 مليار متر مكعب.
وهو أيضا نفس المبدأ الذي يمثل لنا مشكلة في اتفاقية عنتيبي، وهى إنكار الحصة المصرية والحديث عن المياه الجارية في النهر دون المياه المتساقطة على الحوض، وأثناء تواجدى في وزارة الري كنت أثير نقطة أن مصر لا تأخذ المياه كلها فهم يأخذون الكمية العظمي من المياه، فإثيوبيا وحدها يتساقط عليها 400 مليار متر مكعب من مياه الأمطار، غير أن المواشي في إثيوبيا والسودان تعتبر نصف الماشية في أفريقيا، وهى تستهلك كميات كبيرة من المياه.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"