منتصر عمران يكتب: ردًّا على التنويريين.. الإسلام لا يهمل العقل (1 - 2)
هناك مقولة أو مصطلح يدندن حوله من يريدون القدح في الدين هذه المقولة أو هذا المصطلح هو (أن الدين الإسلامي يعطل العقل!!!) ونسي هؤلاء أن القرآن طالب في أكثر من آية باستعمال العقل ووردت مثل آيات "أفلا تتفكرون".. "أفلا تعقلون"..
ويريد هؤلاء ومن سار على دربهم أن نسلك مع الدين وعقائده طريقة الفلاسفة من أمثال ديكارت الفرنسي الذي أثبت وجود نفسه عن طريق الشك!!! فقال قولته المشهورة: (أنا أشك فأنا أفكر فأنا إذن موجود!!)
فمثل هذه الفلسفة وجدت بسبب الجمود الكنسي وانحراف العقائد وزيغ الأفهام.. فقام الفلاسفة الأوربيون بالثورة على الكنيسة ونقض مسلماتها من خلال الاعتماد على العقل وإعلاء مكانته.. فهذا له ما يبرره.
أما في الإسلام فلا وألف لا فإنه دين عظيم يعلي من شأن العقل ويرفع من مكانته، ويخاطبه بالتكاليف الشرعية.. ويجعله مناطا لها.. ويجعل العلاقة بينه وبين الدين علاقة وفاق ووئام.. فلا يمكن أن يتعارض صريح المعقول مع صحيح المنقول.
منتصر عمران: الخطاب الديني له أسس وقواعد شرعية ولايجدد حسب «العرض والطلب»
ومما درست في كلية الحقوق من القانون الوضعي أن الإنسان له أهلية وجوب وأهلية أداء فأهلية الوجوب تدور مع الروح وجودا وعدما.. أما أهلية الأداء الكاملة فهي تدور مع العقل وجودا وعدما..
لذا أسقط الشرع التكليف عن المجنون فهو كمن فقد روحه فلا تكليف في الدنيا ولا محاسبة في الآخرة وكل ذلك لأن الإسلام عظم العقل في حياة الإنسان ورفع شأنه به.
فدور العقل في الدين الإسلامي يتمثل في التفكر في النصوص وتدبر الوحي المعصوم.. لا التحكم في النصوص ولا تحكيم العقل فيها.. والحقيقة أن هذا من وسطية الإسلام في موضوع إعمال العقل ودوره.. فلا هو يجعله أصلا توزن به أحكام الشرائع وأمور الإيمان.. ولا أهمله وأغفله ولم يلتفت إليه.
وقد تعرض شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا فقال: لما أعرض كثير من أرباب الكلام والحروف وأرباب العمل والصوت عن القرآن والإيمان تجدهم في العقل على طريق كثير من المتكلمة يجعلون العقل وحده أصل علمهم ويفردونه ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له. (وهذا ما أرفضه) والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن.
وكثير من المتصوفة يذمون العقل ويعيبونه ويرون أن الأحوال العالية والمقامات الرفيعة لا تحصل إلا مع عدمه ويقرون من الأمور بما يكذب به صريح العقل ...
وأضاف بن تيمية بقوله: كلا الطرفين مذموم.. بل العقل شرط في معرفة العلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلا بذلك، بل هو غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار.
وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أمورا حيوانية قد يكون فيها محبة ووجد وذوق كما قد يحصل للبهيمة.
فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة والأقوال المخالفة للعقل باطلة، والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، لم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه، لكن المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقا وهي باطل وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدقوا بأشياء باطلة ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم، وقد يقترب من كل من الطائفتين بعض أهل الحديث تارة بعزل العقل عن محل ولايته، وتارة بمعارضة السنن به.