رئيس التحرير
عصام كامل

خبير عالمي: تغيير ثوري في نظام التعليم المصري

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أشاد الدكتور خايمي سافيدرا، المدير العالمي للتعليم بالبنك الدولي بالتجربة المصرية في بناء منظومة جديدة للتعليم قبل الجامعي، وقال – في مقال له عبر مدونة البنك الدولي-  "يستعين الإطار التعليمي 2.0 الجديد في مصر بمنهج يستند إلى الكفاءة، ويركز على تجربة الطلاب، ويجري تعميمه حالياً جنباً إلى جنب مع إصلاح المنهج الدراسي الحالي. وهذا المنهج الجديد مدعوم ببرامج لدمج تكنولوجيا المعلومات تغطي المحتوى الرقمي، وأجهزة تابلت تُوزع على الطلاب، مع تقديم تدريب داخل الفصول، وإجراء اختبارات بواسطة الكمبيوتر".

وجاء نص المقال كالتالي: نعيش حالياً أزمة تعلّم عالمية؛ حيث أن أكثر من نصف الأطفال في سن العاشرة بالبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لا يستطيعون قراءة نص بسيط وفهمه. وفي الأسابيع القليلة الماضية، أثناء انعقاد الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، استحدثنا هدف جديد: خفض "فقر التعلّم"، حيث نهدف من خلاله إلى جذب الانتباه إلى هذا التحدي الإنمائي بالغ الأهمية. ومساندة منّا لجهود مختلف البلدان الرامية إلى تعزيز مستويات القراءة والكتابة، طرحنا أيضاً حزمة لسياسات تعلم القراءة والكتابة والحساب في تقرير جديد بعنوان: القضاء على فقر التعلم: ما المطلوب؟ ويعرض التقرير الإجراءات التدخلية التي ثبت نجاحها في العديد من البلدان والهيئات المحلية، والتي يمكن تكرارها، ويمكن أن تشكل إسهاماً مهماً في تصميم الإجراءات التدخلية في سياقات أخرى.

اقرأ أيضا : " النتيجة بالأرقام أو العلامات " .. كيف تقيم وزارة التعليم طلاب الصف الثانى الثانوى ؟

وقد وجدنا أن البلدان الناجحة كانت تستثمر في تغيير الأنماط الفكرية لكافة الأطراف الفاعلة في منظومة التعليم، بحيث تركز بشكل دؤوب على التعلّم. كما يتطلب تحسين عملية التعلم إجراءات تدخلية عديدة على مستوى قاعات الدراسة والمدارس، وهي تدخلات مهمة وملحة لأن ملايين الأطفال يذهبون إلى المدارس اليوم ويستحقون التمتع بتجربة تعليمية أفضل. إلا أن هذه الإجراءات التدخلية لن تحدث أثراً واسع النطاق إلا إذا كانت جزءاً من تغيير شامل ينصب تركيز جميع الأطراف المعنية فيه على تجربة الطفل.

ومن أمثلة هذا التحول الشامل برنامج الإصلاح التعليمي الجاري تنفيذه حالياً في مصر. وهذه الجهود الإصلاحية الطموحة لا تُعد ترفاً، حسبما أشار د. طارق شوقي، وزير التعليم والتعليم الفني بمصر الذي كان يعمل مهندساً وأستاذا جامعياً في الرياضيات التطبيقية. ففي أثناء وجوده بواشنطن، ناقش مع خبراء البنك الدولي برنامج الإصلاح، الذي مضى على تنفيذه عام واحد.

ويعمل برنامج الإصلاح على إدخال أدوات وأساليب تدريسية جديدة على مستوى المنظومة بداية من مرحلة رياض الأطفال إلى المرحلتين الابتدائية والثانوية. وقد أدخل البرنامج تغييرات في نظم تقويم الطلاب واختبارهم؛ كما يعزز من قدرات المعلمين والقيادات التعليمية والمشرفين؛ ويعمل على إدخال استخدام التكنولوجيا بصورة مكثفة في التدريس والتعلم؛ ويقوم بإعداد إطار لمنهج دراسي جديد. لكن هذا ليس إلا سردا مملا للمهام التي يتضمنها البرنامج.

أما الأمر المهم، في الحقيقة، فهو روح برنامج الإصلاح المتمثل في توجيه دفة النظام التعليمي نحو التعلم. ”لقد انتهت صلاحية النظام التعليمي التقليدي،“ على حد وصف الدكتور طارق شوقي، وأصبح برنامج الإصلاح مطلوباً، ”لإعادة التعليم مرة أخرى إلى قاعات الدرس". "وأضاف: ”لقد آن الأوان (أخيراً) لتجربة شيء آخر“.

ألم يكن النظام التعليمي يتمحور حول التعلم؟ لا. لم يكن كذلك. فقد كان نظام التعليم التقليدي في مصر موجهاً نحو إنتاج خريجين مناسبين لسوق العمل في الماضي، مع التركيز حصراً على الحصول على الشهادة التي تكفل لهم الحصول على وظيفة؛ في القطاع العام غالباً. أما المهارات والكفاءات والتعلم، فلم يكن شيء من ذلك في أذهان الطلاب أو المعلمين أو أولياء الأمور أو مديري المدارس.

يقول الدكتور شوقي معلقاً، ”نريد طلاباً يتعلمون من أجل النجاح في الحياة، لا من أجل الاختبارات فحسب“. ويساعد مشروع دعم إصلاح التعليم في مصر، الذي يسانده البنك الدولي بمبلغ 500 مليون دولار، عملية الإصلاح الطموحة الجارية في مصر.

ويستعين الإطار التعليمي 2.0 الجديد بمنهج يستند إلى الكفاءة، ويركز على تجربة الطلاب، ويجري تعميمه حالياً جنباً إلى جنب مع إصلاح المنهج الدراسي الحالي. وهذا المنهج الجديد مدعوم ببرامج لدمج تكنولوجيا المعلومات تغطي المحتوى الرقمي، وأجهزة تابلت تُوزع على الطلاب، مع تقديم تدريب داخل الفصول، وإجراء اختبارات بواسطة الكمبيوتر.

ويجري نشر نظام التعليم 2.0 بين تلاميذ الصف الثاني، في العام الدراسي الحالي 2019/ 2020، حيث يطرح منهجاً جديداً في الصفوف الأولى، فضلاً عن تدريب المعلمين، وتقديم دليل للمعلم. وفي الوقت ذاته، أطلق في عام 2016 بنك المعرفة المصري، بوصفه أكبر مكتبة رقمية ومركزاً إلكترونياً للمعرفة، يستمد مصادره من العديد من الناشرين الرقميين. ويهدف برنامج الإصلاح إلى إتاحة موارد التعلم الرقمي في جميع المواد الرئيسية لجميع الطلاب والمعلمين، من رياض الأطفال والصفوف الدراسية من الأول إلى الثاني عشر.

ولإحداث تغيير مجدِ في النظام بأكمله، تم تعميم نظام جديد للاختبار بواسطة الكمبيوتر، على المستوى الوطني، يهدف إلى تحويل تركيز الطلاب بعيداً عن الحفظ. وسيطبق نظام الاختبارات الجديد للمرحلة الثانوية على طلاب الصف الحادي عشر في العام الدراسي 2019/ 2020. وعن ذلك يقول الدكتور طارق، ”نريد اختبار فهم الطلاب وليس حفظهم“. ويتيح نظام المحتوى الرقمي الجديد للطلاب اجتياز الاختبار حيثما كانوا، مع إمكانية وصولهم إلى جميع الموارد؛ الأمر الذي يمثل تحولاً كبيراً من النظام السابق الذي كانت تحفظ فيه الإجابات، وتتسرب فيه الأسئلة قبل إجراء الامتحان.

ونظراً لأهمية المعلمين ودورهم لنجاح الإصلاحات ، يجري حالياً تدريب المعلمين وإصدار رخصة لمزاولة المهنة. والهدف من ذلك تحديث استراتيجيات التدريس، وتغيير الأنماط الفكرية، ليتحول المعلمون إلى مدربين؛ وليس مجرد ملقنين.

إن المنظومة التعليمية في مصر ضخمة ومعقدة، حيث تخدم 22 مليون طالب، ويعمل بها 1.3 مليون معلم في 50 ألف مدرسة – ولهذا، يواجه برنامج الإصلاح نصيباً لا بأس به من التحديات؛ إحداها، إقناع أولياء الأمور والطلاب والمعلمين أن التعليم لم يعد ينطوي على اجتياز الاختبارات للحصول على الشهادات. وواجه تطوير المنهج الجديد للصفوف الأولى، والكتب الدراسية وأدلة المعلمين، وتصميم نظام التقويم التعليمي الجديد للمرحلة الثانوية، تحديات كما هو متوقع. كما يواجه النظام تحديات في إجراء الاختبارات بواسطة الكمبيوتر لنصف مليون طالب في 2500 مدرسة ثانوية في وقت واحد. وهذه التحديات التي واجهت التنفيذ، على الرغم من كونها متوقعة، يتعين معالجتها سريعاً، لضمان نجاح برنامج الإصلاح. ويرى الدكتور شوقي أن الأطراف المعنية جميعها عليها أن تتحمل مسئوليتها لإتمام ذلك.

وسيستغرق إصلاح النظام بالكامل بضع سنوات، ولا سيما ما يتعلق بالتطوير الوظيفي والمهني للمعلمين، إلا أن الأسلوب المرحلي المتبع سيتيح للطلاب أن يلمسوا التغيير في تجربتهم التعليمية بوتيرة سريعة. ويحدونا الحماس لكوننا جزءاً من هذه الرحلة، التي يمكنها أن تحدث تأثيراً إيجابياً دائماً في حياة الملايين من الشباب المصري، في السنوات المقبلة.  

الجريدة الرسمية