مصر بها عمرو رشيد
سعدت بشدة ببيان هيئة الرقابة الإدارية برئاسة الوزير شريف سيف الدين؛ بشأن واقعة عرض رشوة على الدكتور عمرو رشيد نائب رئيس هيئة الإسعاف المصرية، لم يقبلها الأخير وأبلغ عنها فورا، وأدعو رئيس الرقابة الإدارية للإعلان عن كافة تفاصيلها على المجتمع والنشء.
أربعة ملايين جنيه من المال الحرام كانت تمثل المقابل لترسية "رشيد" مناقصة لصيانة السيارات التابعة لهيئة الإسعاف على مستوى الجمهورية على إحدى الشركات بمبلغ 46 مليون جنيه، لكنه بادر بإبلاغ هيئة الرقابة الإدارية عن محاولة وإصرار صاحبي شركة خاصة تعمل في مجال صيانة السيارات بإقناعه لقبول الرشوة ليحصلا على مرادهما.
كثيرا ما سمعنا عن رشاوى بقطاعات عدة بينها "الصحة"؛ تضخمت معها ثروات متهمين فيها؛ قبل أن تفضحهم الجهات الرقابية ويحاكموا أمام القضاء، وقليلا ما نرصد بينها إصرارا على فعل الامتناع عن تلقى "مزية" أو "عطية" لقاء عرض بتمرير صفقات من هذا النوع؛ دون أن يكون المسؤول رشيدا بالفعل.
اقرأ أيضا: أحزاب البطاطين والكشاكيل
الرشوة حكمت لسنوات الاقتصاد المصري باعترافات تقارير دولية قبل عقدين؛ وما كانت يناير ٢٠١١ سوى لحظة كاشفة لحجم فساد كبير مستتر؛ لم يبالغ فى وصفه واضعو تقرير لجنة الشفافية والنزاهة ووزير التنمية الإدارية السابق الدكتور أحمد درويش عام ٢٠٠٨ ، لكن لم يكن كثير منا يتوقع أن يصيب الفساد قطاعات ومؤسسات بلا حدود حتى يفقد مواطنون الثقة بقوانين تنظم عملها.
فى أوراق قضايا الرشوة تفاصيل أكبر مما تعلنه بيانات الجهات الرقابية وخيال أعلى مما يذهب به عقلك تجاه أموال يمكن تمريرها إلى جيوب موظفين عموميين أو غيرهم من الحرام؛ دون أن تشعر بما فعلوا ولا كيف تضخمت ثرواتهم وتغيرت أوضاعهم الاجتماعية.
يوما ما؛ وجدنا نائبا حاملا لقب "المحارب" ضد الفساد يضبط ويحاكم ويسجن بتهمة الاتجار بالنفوذ لأنه ليس من الموظفين العموميين، وصحفيا يطلب رشوة من زملاء مهنته لنفسه وآخرين يدعى صلاته به يمكنهم حفظ بلاغه ضدهم، وفى الجريمتين أجاز المشرع الحبس المخفف بمحاكمة مرتكبيهما أمام محكمة الجنح؛ وليست محكمة الجنايات التى تقضى بالسجن المشدد ضد الموظف العام طبقا للمادة ١٠٦ من قانون العقوبات.
اقرأ أيضا: مؤتمر رئاسى لإنقاذ الأسرة المصرية
فى سنوات التاريخ الانتقالي للأمم والشعوب وبعد انتفاضات وثورات؛ تفرز المجتمعات أسوأ ما فيها وتصدر للمشهد أسوأ من فيها بالفعل، وتقدم للصدارة الطبقة الانتهازية من أفرادها، لكن بين سطور تاريخها يكتب الشرفاء لبلادهم تاريخا يليق بها وبهم؛ تحترم كلماته دماء الشهداء وتضحيات الحالمين بالتغيير وآمال الأجيال الجديدة فى حياة أفضل.
هكذا فعل عمرو رشيد؛ وهكذا فعل آخرون يحبون هذا الوطن ويحترمون أنفسهم ويفخرون بأصولهم وتنشئتهم، فى زمن باتت الفكاهة أكثر تسخيفا من أفعال المناضلين بمواقف تسجلها وتحتفظ بأسرارها أوراق قضايا فجروها بوجوه المفسدين، فكاهة ضالة تزعم أن مصر ليس فيها من امتنع عن الرشوة إلا لأن فرصة الحصول عليها لم تتح له.
عمرو رشيد؛ هو أحد هؤلاء الذين ضربوا بمواقفهم أروع الأمثلة على أن نعمة العزة والقناعة تكفى لحماية نفسه ووطنه من شرور المفسدين؛ وقصور التشريع فى حماية المال العام وسد أبواب الفساد، وليكن موقفه مجرد بداية لتاريخ مكتوب ومعلن يسطره لنفسه ووطنه فى مواجهة قوى لا تقل خطرا عن الإرهاب نفسه. شكرا رشيد.. ولتستمر محاربا.