رئيس التحرير
عصام كامل

سانت كاترين في عيون الرحالة والحجاج الأوروبيين | صور

دير سانت كاترين بجنوب
دير سانت كاترين بجنوب سيناء

تتميز مدينة سانت كاترين بمحافظة جنوب سيناء، بخصوصية وطابع خاص فهى تعتبر من أعلى الأماكن المأهولة فى سيناء حيث تقع على ارتفاع 1600 متر فوق سطح البحر بمحافظة جنوب سيناء، وتبلغ مساحتها 5130 كم مربع، وتحيط بها مجموعة جبال هي الأعلى في سيناء وفي مصر كلها، وأعلاها قمة جبل كاترين وجبل موسى وجبل الصفصافة.

وتعتبر سانت كاترين أكثر حظًا دون غيرها لوجود دير سانت كاترين أحد أقدم الأديرة المسيحية التى يتوافد عليه الكثير من السياح الأجانب. 

 

 

الباحث فى الآثار بسانت كاترين الدكتور أسامة صالح أكد أن مدينة سانت كاترين مدينة ضاربة بجذورها فى عمق التاريخ، ويعتقد البعض خطأ بأن تلك المنطقة لم يعرفها الأوروبيون إلا بعد بناء دير سانت كاترين إلا أن ما كتبه الرحالة والحجاج الأوروبيون منذ القرن الرابع الميلادى يؤكد بما لايدع مجالًا للشك ولع الأوروبيين بزيارة تلك المنطقة المقدسة واعتبارها جزءًا رئيسيًا متممًا للحج إلى القدس.

ومن المعروف أن طرق الحجاج المسيحيين لم تؤمن إلا فى عهد قسطنطين الكبير الذى اعتنق المسيحية ونصرها وأمّن طرقها، ولم تكن للمسيحيين عادة الزيارة إلى القدس وطور سيناء إلا بعد أن زارت الإمبراطورة "هيلانة" أم الإمبراطور قسطنطين القدس باحتفال ملكى عظيم وبنت فيها كنيسة القيامة سنة 336م فأصبح الحج إلى القدس وسيناء عادة للمسيحيين. 

 

 

ومنذ ذلك الحين أصبحت جبال سانت كاترين مقصدًا للعديد من الحجاج المسيحيين الذين رأوا فى زيارة تلك المنطقة جزءًا مكملًا لعملية الحج إلى بيت المقدس، ولا يزال هذا التقليد معمولًا به إلى اليوم لدى العديد من الطوائف المسيحية التى تحج إلى بيت المقدس.

 

 

ولعل أهم ما وصلنا من أخبار عن تلك الفترة هو ما وصلنا من خلال ما كتبته الرحالة  "إيثيريا" Egeria أو "سلفيا" والتى قامت برحلتها إلى فلسطين وسيناء فى أعوام 381م – 384م وزارت الأماكن المقدسة فى سيناء، وتأتى أهمية الرحلة التى قامت بها القديسة  إيثيريا "سلفيا" أنها تركت لنا وصافًا دقيقًا لبعض مشاهداتها فى مصر بشكل عام وللأماكن المقدسة فى سيناء بشكل خاص، وقد وثقت إيثيريا رحلتها التاريخية فى مخطوط فى القرن الرابع الميلادى وسلمته لشقيقتها فى أوروبا، واكتشف هذا المخطوط عام 1884م بواسطة Gamurini J.A ونشر لأول مرة عام 1887م ثم ترجم للروسية ثم للإنجليزية عام 1891م بواسطة Bernard J.H.

 

 

 

ويضيف الباحث فى الآثار أن القديسة إيثيريا "سلفيا" تميزت بأنها من أوائل الرحالة والحجاج الذين وصفوا مدى اهتمام حكومة الإمبراطورية البيزنطية آنذاك بتأمين طرق الرحالة والحجاج بوضع حاميات عسكرية على طول الطريق لتأمينه وكذلك إنشاء العديد من المحطات على طول الطريق كى تكون استراحات للرحالة يقصدونها للاستراحة من عناء الطريق قبل الانتقال من مكان لآخر.

 

 

حيث أوردت إيثيريا وصف لبعض المواقع فى منطقة سانت كاترين ووادى فيران فبعد أن تحدثت إيثيريا عن صحراء سيناء أوردت لنا وصفًا شيقًا للعديد من المواقع بالمنطقة مثل وادى الراحة والذى لا يزال يعرف الى اليوم بهذا الاسم بعد أن استراح فيه بنو إسرائيل منتظرين نبى الله موسى عليه السلام الذى صعد إلى جبل المناجاة كى يتلقى الشرائع من الله عز وجل، وتصف إيثيريا "سلفيا" وادى الراحة بقولها "إن هذا الوادى كبير جدًا، وهو يقع أسفل جبل الله وهو نفس الوادى الذى انتظر فيه بنو إسرائيل نبى الله موسى عندما صعد إلى الجبل وقضى به أربعين يومًا ولعله هو الوادى الذى صنع فيه العجل". 

 

 

كما وصفت إيثيريا صعودها إلى جبل موسى وذكرته باسم (جبل الله) فتقول "والآن فإن طريقنا أولًا هو الصعود إلى جبل الله"، ثم تكمل حديثها عن الجبل قائلة: "ومن الوهلة الأولى يبدو الجبل وكأنه قمة واحدة، ولكن بعد الدخول تجده عبارة عن سلسلة من الجبال تدعى كلها جبل الله، وأهم قمة فى هذه القمم الجبلية هى القمة التى تجلى فيها الله، كما ذكرت إيثيريا (سلفيا) أنها زارت منطقة فرش إيليا بالقرب من قمة جبل موسى حيث مغارة النبى إيليا فتقول "لقد حركتنا الرغبة لزيارة مكان آخر يتصل بهذا الجبل، ألا وهو جبل حوريب حيث هرب النبى إيليا من الملك أخاب حيث كلمه الله، كما رأينا الكهف الذى اختبأ فيه النبى إيليا. 

 

 

وفى القرن السادس الميلادى زار أنطونيوس الشهيد سيناء، وكان من سكان مدينة بياتشانزا فى إيطاليا، وكانت رحلته فى الفترة من 560 إلى 570م وقد بدأ رحلته من مدينة بياتشانزا الإيطالية، ومن بياتشانزا اتجه إلى القسطنطينية ثم أبحر إلى جزيرة قبرص ثم إلى بلاد الشام متنقلًا بين مدنها ما بين طرابلس وبيروت ثم صور ثم اتجه إلى الداخل حيث طبرية ونهر الأردن والبحر الميت وأريحا ثم آيلة ومنها إلى سيناء، وكتب عن رحلته إليها وعن مغارات النساك التى رآها عند جبل سيناء وكيف أنه عندما اقترب من جبل سيناء استقبله عدد لا يحصى من الرهبان يحملون الصليب وينشدون المزامير كما وصف فى رحلته طريق الصعود لجبل موسى ومشاهداته على قمة هذا الجبل وقال "لم يكن أحد يجسر أن يقيم هناك - أى على قمة الجبل - ولكن كان من عادة الرهبان أن يتسلقوا القمة عند الفجر ويصلون".

وفى فترة الحروب الصليبية (1099- 1270م) زادت شهرة منطقة طور سيناء (سانت كاترين )، حيث كان بالدير كتيبة من الفرسان تعرف باسم كتيبة السينائيين لحماية الدير وتركوا توقيعاتهم على جدران الدير المختلفة ولا يزال الدير يحتفظ بهذه الكتابات والنقوش على جدرانه حتى اليوم وفى تلك الفترة نقلت ثلاثة أصابع من رفات القديسة (ذوروثيا) - والتى لقبها جنود الحملات الصليبية بكاترين (أى المتوجة بإكليل من الورد) إلى أوروبا ثم أعيدت لتوضع مع بقية رفات القديسة فى الصندوق المحفوظ بنهاية مذبح الكنيسة، وتبع ذلك انتشار قصة القديسة كاترين بشكل كبير فى سائر أنحاء أوروبا وروى عنها قصة الإصبع الذى يخرج منه زيت ويأتى بالمعجزات، حتى إنه فى القرن الحادى عشر الميلادى أصبحت القديسة كاترين سيدة العلماء ورجال الدين والفلاسفة، وهو الأمر الذى دفع أحد النبلاء ويدعى هوج دى مونت Hogue des Monte إلى إنشاء كنيسة صغيرة بجانب قصره فى منطقة لوريس بمقاطعة سارت بفرنسا فاصبحت أول كنيسة تحمل اسم القديسة كاترين.

 

 

 ونتيجة لذلك فقد أصبح من الصعب أن يكون هناك فى أوروبا قديس أو قديسة أشهر من القديسة كاترينا "العذراء الإسكندرانية" التى واجهت الاستشهاد فى سن مبكرة فى الثامنة عشرة من عمرها عام 307م، ويقول بارونيوس إنه لا توجد بلدة أو مدينة فى بلجيكا تخلو من كنيسة أو مذبح باسمها، كما أن عيدها كان من الأعياد الرسمية فى بعض البلاد الأوروبية مثل إنجلترا فى القرن الثالث عشر الميلادى.

هنا اعتكف بطل الحرب والسلام.. استراحة السادات أبرز مزارات سانت كاترين | صور

وفى القرن الرابع عشر الميلادى ورد أول ذكر لمسمى دير سانت كاترين على الخرائط التى أعدها المؤرخ البندقى مارينو دى سانتو عن سيناء، وكانت هى المرة الأولى التى يظهر فيها اسم سانت كاترين فى المحررات الرسمية والوثائق، وكان ذلك انعكاسًا لاهتمام العديد من الباباوات فى الغرب بدير سانت كاترين فيما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين حيث اعتبروا أنفسهم حماة للدير وممتلكاته، وبالتالى فمن المرجح أن مسمى سانت كاترين انتشر أولًا فى أوروبا وأطلق للدلالة على دير طور سيناء ولم يكن هذا الاسم مستخدمًا من قبل رهبان دير طور سيناء منذ إنشائه وحتى فترات طويلة فى ظل العصر الإسلامى، واليوم أصبح سانت كاترين هو المسمى الرسمى للدير وللمدينة بشكل عام.

الجريدة الرسمية