"أرض فلسطين".. قارب نجاة "ترامب" من العزل.. وتُنقذ "نتنياهو" من الفساد.. وظروف المنطقة عجَّلت بإعلان خطة السلام المزعومة
مشهد ظهور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفقة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أثناء المؤتمر الصحفي الذي عُقد منذ أيام لطرح خطة السلام الأمريكية والمعروفة إعلاميا باسم صفقة القرن، أثار العديد من التساؤلات حول الصفقة الخفية التي عقدتها إدارة الرئيس الأمريكى مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وأيضا حول الهدف من إعلان هذه الصفقة في هذا التوقيت الحرج، تزامنا مع المأزق السياسي الذي تعيشه كلا الإدارتين.
ففي الوقت الراهن، في تل أبيب يحاكم نتنياهو بتهمة الفساد وبات مستقبله السياسي على المحك، ويترقب انتخابات ثالثة في مارس المقبل على أمل البقاء بمنصبه، وعلى الضفة الأخرى من ثنائى الصفقة، يحاكم ترامب في مجلس الشيوخ الأمريكى، وأراد إلهاء وسائل الإعلام باستعراض إعلامي خلال حديثه عن صفقة سلام لحل القضية التي فشل سكان البيت الأبيض في حلها على مدار العقود الماضية، وبات واضحًا أن اللوبى اليهودي والأفكار اليمينية السمسار الذي سهل عقد البيع بين البائع والمشتري لوطن لا يملكونه.
دعم غير محدود
في المؤتمر اعترف الرئيس الأمريكي في أكثر من مناسبة علانية عن دعم إدارته غير المحدود لدولة الاحتلال، حيث أكد ترامب أنه أكثر رئيس أمريكي قدَّم دعمًا غير محدود لإسرائيل، من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال تارة، ونقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، فضلًا عن توقيع الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أراضي الجولان السوري المحتل.
ولم يتبق سوى كارت أخير للرئيس الأمريكي يضمن به الخروج من دائرة المحاكمة، وضمان الولاية الثانية بالبيت الأبيض، ألا وهو الاعتراف بأراضي غور الأردن بالضفة الغربية - تحت السيادة الإسرائيلية، من أجل شرعنة المستوطنات الإسرائيلية من أجل كسب ثقة اللوبي اليهودي بأمريكا، وكسب دعم غير محدود قد يساعده في مواجهة خطر الحزب الديمقراطي الذي يسعى إلى عزله وربما إلى خسارة منصبه كرئيس لولاية ثانية.
أسباب الإعلان
تساءل العديد من المحللين عن المسارعة في الإعلان عن الصفقة الأمريكية في هذا التوقيت، خاصة مع دعوة الطرف الإسرائيلي وتجاهل الطرف الفلسطيني مع الاكتفاء بإعلانه بالصفقة فقط دون مراعاة ما يترتب عليه من تبعات ربما تكون كارثية، حيث يرى مراقبون أن أحد أهم أسباب الإعلان عن هذه الصفقة في ذلك التوقيت يرجع إلى أن ترامب ونتنياهو يواجهان اتهامات كبيرة، فالأول -ترامب- بدأت محاكمته قبل أيام في مجلس الشيوخ الأمريكي بتهمة إساءة استخدام السلطة الرئاسية وعرقلة عمل الكونجرس، وهو ما جعله يواجه خطر العزل من منصبه.
والثاني - نتنياهو- متهم في ثلاث قضايا فساد، وسيجري الكنيست مداولات حول رفع الحصانة عنه من هذه التهم من عدمها، فضلا عن فشله في تشكيل حكومة مرتين متتاليتين، وهو الأمر الذي وضع إسرائيل في مأزق سياسي باللجوء للانتخابات الثالثة، وهو ما يكشف المصالح المتبادلة بين ترامب ونتنياهو، حيث يريد الرئيس الأمريكي كسب ثقة اللوبي اليهودي بأمريكا لصالحه.
أما نتنياهو فيحاول كسب ثقة الوسط السياسي في إسرائيل للفوز بالولاية الخامسة والهروب من شبح المحاكمة، كما استغل كل من الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء الاحتلال حالة الانقسام الداخلي التي تعيشها فلسطين بين حركتي فتح وحماس، وهو الأمر الذي يراه المراقبون ساعد في الإعلان عن الصفقة الأمريكية دون دعوة الطرف الفلسطيني، وهي الحجة التي أظهرتها واشنطن وتل ابيب أمام العالم، لتبرير سبب عدم دعوة الرئيس محمود عباس، على الرغم من إعلان موقفه الرافض لتمرير هذه الصفقة بصيغتها الحالية والمتحيزة لدولة الاحتلال.
توافق إسرائيلي أمريكي
من المؤكد أن هناك توافقا وصفقة بين نتنياهو وترامب، هذا ما أكد عليه السفير محمد مرسي سفير مصر السابق بقطر، حيث قال إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منحاز لإسرائيل انحيازا تاما ليس فقط من بداية حكمه بل من بداية طرحه لبرنامجه الانتخابي لتولي الرئاسة، مشيرا إلى أنه نفذ ما وعد به في حملته الانتخابية، مشيرا إلى أن ترامب يواجه صعوبات ومشكلات داخلية أدت إلى بدء إجراءات محاكمته ومحاولة عزله، ويخوض حربا ضروس من أجل الخروج من تلك المعركة مع الديمقراطيين.
ويعول كثيرا على هذه الصفقة من أجل الخروج من هذا المأزق، من خلال إرضاء اليهود داخل أمريكا لضمان كسب دعمهم، ومن ثم لابد وأن يوجه الدعم الكامل لإسرائيل، وفيما يتعلق بـ "نتنياهو"، أشار مرسي إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه صعوبات كبيرة سواء بفشله في تشكيل حكومة إسرائيلية حتى الآن، وشبح السجن الذي يطارده نتيجة اتهامات الفساد التي وجهت له بشكل رسمي من قبل المدعي العام الإسرائيلي، وهو ما جعل نتنياهو يأمل في تحقيق إنجاز شخصي يساعده في تحقيق الفوز بالانتخابات المقبلة، وبالتالي تفادي إمكانية محاكمته وسجنه بخسارته منصب رئيس الوزراء، وهذا ما يترتب عليه توافق مصالح بين ترامب ونتنياهو من أجل الإعلان عن هذه الصفقة – صفقة القرن- التي تم الإعداد لها منذ فترة طويلة، بهدف تحقيق إنجاز ما يساهم من تحسين وضعهم الداخلي.
ظروف المنطقة
“مرسي” أكد أن الظروف في منطقتنا العربية مواتية تماما لإسرائيل وواشنطن من أجل الضغط على الجانب العربي بشكل عام وفلسطين بشكل خاص لتمرير هذه الصفقة، وأوضح أن ترامب يريد حسم القضية الفلسطينية ولكن بطريقة "رجال الأعمال" المعهودة، وبالتالي بادر بطرح هذه الصفقة، مشيرا إلى أن الصفقة حين طرحت كانت في إطار البرنامج الانتخابي للرئيس الأمريكي فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية.
وأن المسارعة في الإعلان عنها في هذا التوقيت، جاء من أجل الظروف السياسية التي يمر بها كل من ترامب ونتنياهو من ناحية والظروف التي تمر بها المنطقة العربية من ناحية أخرى، ولكن لو كانت الظروف بشكل عام تسير بشكل مستقر كانت ربما كانت سوف تستغرق عاما آخر من أجل الإعلان عنها، وكان سوف يتم تطويرها من أجل إرضاء الجانب العربي والفلسطيني.
وبالحديث عن الخطة الأمريكية ودورها في تقسيم وبيع الأراضي الفلسطينية لصالح إسرائيل، شدد “مرسي” على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك حق بيع فلسطين، مشيرا إلى أنه حتى هذه اللحظة ما طرحه ترامب ونتنياهو تحت ما يسمى بـ "خطة سلام" هو مجرد طرح من الأطروحات الأخري التي شهدناها في السنوات الماضية، مثلها مثل المبادرة العربية التي طرحها الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، وتبنتها الجامعة العربية، شأنها شأن أطروحات كثيرة طرحها العديد من الدول منذ اتفاق أوسلو، وبالتالي فهي مجرد طرح جديد قابل للقبول أو الرفض.
وأوضح أنه من المبكر جدا الحكم على الصفقة بأنها نجحت أم لم تنجح أو تستحق هذه الضجة أو لا تستحق، مشيرا إلى أن الأيام القادمة حبلي بالمفاجآت والتطورات، وبالتالي من غير العلمي أو السياسي الحكم عليها في الوقت الراهن، وحول الحديث عن الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، ما ساعد على إعلان الخطة بدون ظهور الطرف الفلسطيني، أكد أنه لا يوجد انقسام فلسطيني حول ما يسمى بـ"صفقة القرن" مشيرا إلى أن الفلسطينيين جميعا توافقوا على موقف واحد وهو رفض الصفقة، لافتا إلى أنه وحتى لو كانوا داخليا على قلب رجل واحد ما كانت أمريكا لتدعوهم لحضور إعلان الصفقة، وذلك لعلم الرئيس الأمريكي برفض الرئيس الفلسطيني لهذه الصفقة متسائلا: لماذا يدعو ترامب الرئيس عباس لحضور هذا الإعلان وهو يعرف ما سيقوله عن هذه الصفقة؟.
وعن الدور الأوروبي، توقع السفير مرسي عدم قبول أوروبا لهذه الصفقة في صيغتها الحالية، لافتا إلى أنه لا يوجد دولة أوروبية أعلنت تأييدها لهذا الإعلان غير بريطانيا، مشيرا إلى أن الدول الأوروبية مازالت متمسكة بالشرعية الدولية، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالملف الفلسطيني الإسرائيلي.