من قرارات "عُصبة الأمم".. إلى "صفر مفاوضات"..محطات "سلام الأوهام"..و"فهمي" صفقة القرن لن تمر إلا بموافقة فلسطين
تاريخ عريض وطويل وممل من المفاوضات، والنتائج حتى الآن لم تتجاوز «المربع صفر»، تعاقبت الأنظمة وتبدلت الوجوه وتغيرت الاتجاهات والمصالح، ولا تزال فلسطين قضية القرن «العالقة»، بين أنظمة تستخدمها لتبقى على «قيد الحياة»، وشعوب ترفع اسمها عاليًا لا لشيء إلا لأنها «سيدة الأرض.. أم البدايات.. أم النهايات.. التي كانت تسمى فلسطين.. وصارت تسمى فلسطين».
صفقة القرن
28 يناير.. يوم جديد أضيف إلى أجندة «أيام التفاوض السوداء»، حيث شهد هذا اليوم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاتفاق مع رئيس وزراء إسرائيل عن «صفقة القرن»، والتي تتضمن إقامة دولة فلسطينية «رمزية»، وإعلان سيطرة إسرائيل على 30% من الضفة الغربية ضمن المناطق التي تعرف باسم (ج)، وفق تصنيفات اتفاق أوسلو المبرم عام 1993، وستبقى مدينة القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.
قرارات النكبة في عام 1922، وضعت عُصبة الأمم فلسطين تحت الإدارة البريطانية، ودمج الانتداب البريطاني إعلان بلفور عام 1917، معربًا عن تأييده لإنشاء وطن قومي لليهودي في فلسطين، خلال فترة الانتداب من عام 1922 وحتى 1947، حدثت هجرة يهودية واسعة النطاق معظمها قدمت من أوروبا الشرقية، وتضاعفت هذه الأعداد في الثلاثينات بسبب الاضطهاد النازي، ففي عام 1930 أوصت لجنة ملكية بريطانية ووثيقة حكومية بتحديد هجرة اليهود إلى فلسطين.
وفي عام 1935 قبلت القيادة الفلسطينية مقترح المندوب السامي البريطاني لتشكيل مجلس تشريعي، ولكن مجلس العموم البريطاني في لندن رفض المقترح في السنة التالية.
الثورة الفلسطينية
واندلعت ثورة فلسطينية واستمرت حتى عام 1939، بدأت بإضراب عام في يافا، وفرضت سلطة الانتداب البريطاني الأحكام العرفية، وقتل أكثر من 5 آلاف فلسطيني وأصيب 15 ألفًا بجروح على أيدي القوات البريطانية. في عام 1947 أوصت الأمم المتحدة، من خلال قرارها 181 (أ)، بتقسيم فلسطين إلى دولتين (عربية ويهودية) وباخضاع مدينة القدس والمناطق المحيطة بها لسيطرة دولية، وذلك عقب إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها.
وحولت المملكة المتحدة مشكلة فلسطين إلى الأمم المتحدة، وأعلنت دولة واحدة عن استقلالها (إسرائيل)، وفي حربها عام 1948 مع الدول العربية المجاورة وتوسع الكيان الصهيوني ليضم 77 في المائة من أراضي فلسطين، بما في ذلك الجزء الأكبر من القدس.
اللاجئون
ونتيجة ذلك، فر أكثر من نصف السكان العرب الفلسطينيين أو طردوا. احتلال الأرض وفي حرب 1967، احتلت إسرائيل أراضي (قطاع غزة والضفة الغربية) بما فيها القدس الشرقية، وأسفرت الحرب عن هجرة ثانية للفلسطينيين تقدر بنحو نصف مليون شخص، وقد وضع مجلس الأمن في قراره 242 مبادئ السلام العادل والدائم، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة في الصراع، والتوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، وإنهاء جميع الادعاءات أو حالات القتال.
وفي أعقاب عام 1973 كان قرار مجلس الأمن 338، الذي دعا فيه إلى إجراء مفاوضات سلام بين الأطراف المعنية. وفي عام 1974، أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة والعودة.
وفي عام 1975 أنشأت الجمعية العامة اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، ومنحت منظمة التحرير الفلسطينية مركز المراقب في الجمعية وفي مؤتمرات الأمم المتحدة، ويأتي عام 1978، حيث تعهدت إسرائيل بتوسيع الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي نصت عليه اتفاقات كامب ديفيد للسلام بينها وبين مصر.
معارضة المستوطنات
في يونيو 1982، غزت إسرائيل لبنان، معلنة نيتها القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وتم ترتيب وقف لإطلاق النار، وانسحبت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ونقلت إلى الدول المجاورة، ورغم ضمانات لسلامة اللاجئين الفلسطينيين، وقعت مذبحة واسعة النطاق في مخيمي صبرا وشاتيلا.
وفي سبتمبر 1983، اعتمد المؤتمر الدولي المعني بقضية فلسطين المبادئ التالية: ضرورة معارضة المستوطنات الإسرائيلية والإجراءات الإسرائيلية لتغيير وضع القدس، وحق جميع دول المنطقة في الوجود داخل حدود آمنة ودولية وحدود معترف بها، وإعمال الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
وجاء عام 1987، معلنًا عن انتفاضة شعبية فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، وأسفرت الأساليب التي استخدمتها القوات الإسرائيلية عن إصابات جماعية وخسائر فادحة في الأرواح بين السكان المدنيين الفلسطينيين، وفي عام 1988، أعلن المجلس الوطني الفلسطيني خلال اجتماعه في الجزائر العاصمة إقامة دولة فلسطين.
أوسلو والسلام
أما فترة التسعينيات فقد شهدت عملية السلام، حيث عقد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، بهدف التوصل إلى تسوية سلمية من خلال المفاوضات المباشرة على مسارين: بين إسرائيل والدول العربية، وبين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك استنادا إلى قراري مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973). وتقرر أن تركز مفاوضات المسار متعددة الأطراف على قضايا على مستوى المنطقة «البيئة وتحديد الأسلحة واللاجئين والمياه والاقتصاد».
وتوجت سلسلة من المفاوضات اللاحقة في عام 1993 بالاعتراف المتبادل بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كممثل للشعب الفلسطيني، والتوقيع على إعلان المبادئ المتعلق بترتيبات الحكم الذاتي المؤقت (اتفاق أوسلو)، بالإضافة لاتفاقات التنفيذ اللاحقة والتي أدت إلى الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية، وإلى انتخابات المجلس الفلسطيني، ورئاسة السلطة الفلسطينية، والإفراج الجزئي عن السجناء، وإنشاء إدارة فعالة في المناطق الخاضعة للحكم الذاتي الفلسطينين وأرجأ مؤتمر عام 1993 بعض القضايا إلى مفاوضات الوضع النهائي اللاحقة، التي عقدت في عام 2000 في كامب ديفيد وفي عام 2001 في طابا، ولكن ثبت أنها غير حاسمة، حسبما أكدت الأمم المتحدة.
الانتفاضة الفلسطينية
عام 2000 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بسبب زيارة أرييل شارون من حزب الليكود إلى الحرم الشريف في القدس، وبدأت إسرائيل ببناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية الذي بني معظمه في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقضت محكمة العدل الدولية بعدم شرعيته، وكانت الورقة الأوروبية «ورقة طابا» أعدت من قبل الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية سلام الشرق الأوسط السفيير موراتينوس، وفريقه بعد مشاورات من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في طابا في يناير 2001.
ومع أن الورقة ليست ذات صفة رسمية، فقد أقر الجانبان بأنها تمثل، نسبيًا، وصفًا منصفًا لحصيلة المفاوضات بشأن قضايا الوضع الدائم في طابا، واتفق الجانبان على أن خطوط الرابع من يونيو 1967 هي أساس الحدود بين إسرائيل ودولة فلسطين، طبقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 وجاء عام 2002، بتأكيد مجلس الأمن رؤية حل الدولتان، إسرائيل وفلسطين.
كما اعتمدت الجامعة العربية مبادرة السلام العربية، وأصدرت اللجنة الرباعية التي ضمت (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) مبادرة خارطة طريق لحل الدولتين عام 2003.
اتفاق جنيف
في العام ذاته عقدت شخصيات إسرائيلية وفلسطينية بارزة اتفاق جنيف غير الرسمي للسلام. وسحبت إسرائيل مستوطنيها وقواتها من قطاع غزة وحافظت على سيطرتها على الحدود والشاطئ البحري ومجال الجوي للقطاع في عام 2005.
وفي أعقاب الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، قدمت اللجنة الرباعية مساعدة للسلطة الفلسطينية على التزامها بنهج اللاعنف والاعتراف بإسرائيل وقبول الاتفاقات السابقة. لكن إسرائيل فرضت حصارًا على غزة عام 2007، بعد سيطرة حماس على القطاع. وفشلت عملية أنابوليس للمحادثات التي عقدت في الفترة من عامي 2007 و2008 في التوصل إلى اتفاق بشأن الوضع الدائم.
وفي عام 2008، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية موجهة صواريخها للقطاع فيما عرف بعملية «الرصاص المصبوب»، وتبنى مجلس الأمن الدولي القرار 1860، وتم التحقيق في انتهاكات القانون الدولي خلال النزاع في غزة من قبل الأمم المتحدة من خلال تقرير «جولدستون».
وحظي برنامج السلطة الفلسطينية لعام 2009 لبناء مؤسسات الدولة بدعم دولي واسع النطاق. وانهارت جولة جديدة من المفاوضات في عام 2010 نتيجة الاستمرار في عمليات الاستيطان الإسرائيلي.
اعتراف اليونسكو
وفي عام 2011 قدم الرئيس محمود عباس طلب فلسطين للحصول على العضوية في الأمم المتحدة، واعترفت منظمة «اليونسكو» بفلسطين كعضو فيها.
ثم عقدت مباحثات إسرائيلية فلسطينية استكشافية في عمان أوائل عام 2012، وفي 29 نوفمبر 2012 مُنحت فلسطين مركز دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. لتعلن الجمعية العامة عام 2014 سنة دولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وفي أبريل 2014، علقت إسرائيل جولة جديدة من المفاوضات التي بدأت في عام 2013، عقب إعلان حكومة وطنية فلسطينية عن توافق الآراء، ليأتي عام 2015، ليعلن الفاتيكان رسميًا أنه سيعترف بدولة فلسطين.
في 15 أبريل 2018 اجتمع قادة الدول العربية في المملكة العربية السعودية، في الدورة العادية الـ29 لمجلس جامعة الدول العربية، ودعا الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى تبنى خطة السلام، التي طرحها في فبراير 2018 في مجلس الأمن الدولي، التي تستند إلى المبادرة العربية، وتدعو لعقد مؤتمر دولى للسلام عام 2018، يقرر قبول دولة فلسطين عضوًا كاملًا في الأمم المتحدة، وتشكيل آلية دولية متعددة الأطراف، لرعاية مفاوضات جادة تلتزم بقرارات الشرعية الدولية، وتنفيذ ما يتفق عليه ضمن فترةٍ زمنيةٍ محددة، بضمانات تنفيذ أكيدة، وتطبيق المبادرة العربية كما اعتمدت.
وأكد إعلان «الظهران» الصادر عن القمة العربية في أبريل 2018 مركزية قضية فلسطين للأمة العربية، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة، معلنًا بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكى بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مع تأكيد الرفض القاطع للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأنها ستبقى عاصمة فلسطين العربية، وطالب إعلان الظهران بتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقدس المؤكدة على بطلان جميع الاجراءات الإسرائيلية الرامية لتغيير معالم القدس الشرقية ومصادرة هويتها العربية الحقيقية، داعيًا دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
مشروعات مشابهة
وفيما يتعلق برؤيته لمستقبل «صفقة القرن» قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، رئيس وحدة إسرائيل بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط: «أيًا كان طرح الرئيس ترامب ورفاقه وخبراء الإدارة في مراكز البحوث، وهم من صاغوا المشروع، لن ينجح أبدًا بدون موافقة فلسطينية بالأساس، والخطورة فقط في استثمار إسرائيل المشهد الأمريكي الراهن بمواقفه غير المسبوقة في تبني واتخاذ إجراءات انفرادية.
لكن في كل الأحوال ستبقي السلطة الفلسطينية راسخة في الضفة الغربية على جزء من أرض الدولة الفلسطينية المقبلة وفقًا للقرار الدولي الشهير ١٨١، الذي يقضي بإعلان دولتين على الأرض دولة يهودية تم تأسيسها ودولة عربية لابد أن تقام، ولا يمكن لإسرائيل أن تتذرع برفض القرار أو التشكيك في مضمونه لأن إسرائيل قامت بمقتضي هذا القرار، ولا يمكنها الطعن في قرار قيامها أصلًا».
وتابع: لدينا الخيارات والبدائل الفلسطينية ولم نحرق بعد كل أوراقنا وأقدامنا ثابتة وإرادتنا قوية ولن تلين، والرسالة للأشقاء الفلسطينيين مصر ستبقي وأبدًا الظهير الأمن والداعم الأول والأخير للشعب الفلسطيني، والحل لمواجهة ما أعلنه الرئيس ترامب ليس تبني خيار الدولة الواحدة، والانتظار حتى ٢٠٢٤ موعد رحيل إدارة ترامب، بل الدخول في أي مفاوضات مع الجانب (الإسرائيلي- الأمريكي) وتضييع الوقت في التفاوض منطق عبثي، لأنه بدون دراسة للمشروع الأمريكي ستتجه إسرائيل لشرعنة المستوطنات وضم الأغوار بقرارات انفرادية ولن تنتظر ٤سنوات للتفاوض.
نقلًا عن العدد الورقي...،