أثر المحبة لا يزول.. خالد بشارة حي في قلوب محبيه
داخل المبنى الشاهق بشارع 105 فى منطقة المعادي، لا تزال سيرة رجل الأعمال الشاب خالد بشارة حاضرة بين محبيه وتلامذته فى شركة "لينك دوت نت" التى أسسها قبل سنوات من رحيله المفاجئ يوم الجمعة الماضي فى حادث سير بالقرب من أهرامات الجيزة.
الصدمة والذهول يسيطران على أروقة المبنى الكبير، لا أحد يصدق حتى الآن أن الشاب صاحب الابتسامة الرقيقة رحل إلى عالم آخر، عشرات القصص عن جدعنة وشهامة خالد بشارة يرويها العاملون بالشركة وهم يترحمون على روحه.
لا يهم عدد السنوات التي يقضيها الإنسان في الحياة حتى تسلم روحه إلى خالقها مرة أخرى، ولكن الأهم، ماذا يفعل في رحلته، الأثر الذي يتركه خلفه في نفوس من حوله، القيم التى يزرعها هنا وهناك فتنمو وتكبر وتصنع منه مثالا يحتذى به ويسير على دربه العشرات بل المئات من الأشخاص.
550 موظفًا بالشركة المتخصصة فى تقديم خدمات الإنترنت يحاصرهم الحزن فى كل مكان، لكنهم ورغم مصابهم الأليم قرروا تخليد ذكرى رئيس شركتهم السابق خالد بشارة من خلال "بانر كبير" بطول المبنى يظهر فيه خالد مبتسما، ويتوسط البانر عبارة "إلى معلمنا وقائدنا والمؤسس.. ارقد في سلام".
شاهد أيضًا:
مصدر أمني يكشف تفاصيل جديدة في حادث وفاة خالد بشارة الرئيس التنفيذي لشركة أوراسكوم
صباح الجمعة الماضية، استيقظ الجميع على خبر وفاة خالد بشارة المدير التنفيذي لشركة أوراسكوم ونادي الجونة سابقا وأحد مؤسسي شركة لينك، بعد أن تعرض لحادث سير أليم، حينما اصطدمت سيارته بمثلث خرساني عند أحد الشوارع الجانبية لميدان الرماية بالهرم، لكنه في مقر الشركة بحي المعادي، لم يمت بعد، ما زال الحديث عنه وإليه، ما زالت الوجوه والأعين تحمل الصدمة وتسير بها، كلما التقيت بأحد موظفي الشركة تجد الحزن مسيطرا على وجهه، ربما لم يتعافَ البعض من الصدمة بعد.
أحمد عماد مسئول المشتريات فى الشركة تحدث بكثير من الشجن عن بشارة: "أنا عرفت بخبر وفاته الساعة سبعة ونص صباح يوم الجمعة الماضي، من أحد زملائنا هنا، فى الأول مستوعبتش الكلام قلت له مستحيل أكيد إشاعة، كنت شايفه قبلها بحوالي أسبوعين وهزرنا واتكلمنا لما جه هنا الشركة عشان اجتماع المديرين".
ينخفض صوت عماد كلما تحدث عن أيامه الأولى في الشركة وأول لقاءاته بالراحل، التي كانت في عام ٢٠٠٥ حينما جاء للعمل في الشركة بعد تخرجه بأشهر قليلة، فالتقى به خالد في مكتبه، وكعادته كانت البسمة تعلو وجهه، نهر أحمد حينما ناداه بأستاذ خالد، وأخبره أنه لا أستاذية ولا رئاسة في الشركة: "قالي أنا مش أستاذ اسمي خالد وبس، علمنا إزاي يكون المدير الحقيقي، كان بسيط ومتواضع وكان بيدينا فرصة نفكر ونبتكر، كل حد تحت قيادة خالد كان مديرا لنفسه".
شاهد أيضا:
ساويرس ناعيا خالد بشارة: لا يتزعزع إيماننا لكن نعجز عن فهم حكمة الله
تخليد ذكرى مؤسس الشركة بـ "بانر كبير" على واجهة المبنى يراه عماد شيئًا بسيطًا للتعبير عن مدى حب الموظفين لمديرهم السابق: "ده شيء بسيط إننا نسهر ليلة كاملة بنصمم بانر نقدم فيه العرفان والشكر لمعلمنا والأب الروحي لينا كلنا، أنا وزمايلي مهما عملنا مش هنوفيه حقه ونرد جمايله".
موقف علق في ذاكرة مسئول المشتريات في الشركة ولم تستطع السنوات محوه قطُّ، فمنذ أكثر من ١٠ سنوات، تعرضت الشركة لضائقة مالية، ولم تستطع دفع مرتبات الموظفين كاملة، فلم يكن من خالد إلا أن باع سيارته ودفع رواتب الموظفين من ثمنها: "خالد ده إنسان يمكن مرة في العمر لما تقابل واحد زيه، علشان كدة لما غاب عننا، كان لازم نقول له أنه لسه موجود بينا وهيفضل موجود".
بعد وقوع الحادث مباشرة استدعى الموظفون محمد الكيالي مسئول التسويق والإعلانات في الشركة، لتصميم بانر كبير يحمل صورة خالد وعبارات رثاء له، كانت المطابع كلها وموظفو التصميم في إجازة: "قطعنا الإجازة ونزلنا سهرنا طول الليل نظبط البانر، كمان عملنا الويب سايت الخاص بالشركة باللون الأبيض والأسود حداد على روحه، ولسه كلنا بنفكر إزاي نخلد ذكراه بينا"، يتحدث محمد الكيالي مسئول التسويق بالشركة والذي تعرف على خالد في عام ٢٠٠٥، في أحد المطاعم وعرض عليه رغبته في العمل بالشركة: "أنا أول مرة شوفته لقيته متواضع ودمه خفيف وهادي، لما اشتغلنا مع بعض في إيفينتات، كان بيعلمني الهدوء وإزاي مهما كنت مضغوط أكون هادي علشان اركز في شغلي، علمنا كتير على صعيدي الشغل والقيم الحياتية، عمره ما حسسنا إننا شغالين تحت ايده ولا هو مدير وإحنا موظفين، صعب نلاقي شخص زيه تاني خالص".
سيرة أطول من سنوات العمر التي لم تصل للخمسين بعد، سيرة يرويها عامل الأمن وموظف الاستقبال ورجل البوفيه، كل منهم لديه حكاية نسج خيوطها في رأسه وحُفرت في ذاكرته يتذكر بها خالد كلما مرت الساعات والأيام: "أنا اسمي أسامة مدير أمن هنا، المهندس خالد مكنش ليه مكتب هنا خالص، لكن لما كان بيجي من وقت للتاني علشان يعمل اجتماعات، كان لا يمكن إنه يحسسنا إننا أقل منه، بينزل لمستوى أي شخص ويهزر معاه، كان يجي الأول يسلم على الأوفيس بوي وعمال الأمن بإيده قبل الموظفين"..
ما زالت ذاكرة أسامة مدير الأمن تخلد ابتسامة خالد الرائقة وهو يصافح كل عامل في الشركة بحرارة كأنه صديق شخصي لهم.