بوتين VS أردوغان.. «ولعت»
حانت ساعة تضارب المصالح بين روسيا وتركيا، وعلى ما يبدو أن شهر العسل بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ونظيره التركى رجب طيب أردوغان، قد انتهى عمليا بعد تدشين خط السيل الذى ظل بمثابة المسير لعلاقات معقدة إيديولوجيا وعسكريا منذ عقود طويلة.
بالأمس القريب أخرج بوتين ما بنفسه تجاه أردوغان، وقت حادث إسقاط الطائرة الروسية فى الشمال السورى، ووصفه بأنه "صديق يطعن فى الظهر"، حينها اتخذ عدة إجراءات تصعيدية انتهت سريعا الأمر الذى حير المراقبون للشان الإقليمى من سر تراجع العنيد الروسى عن قراراته بصورة عاجلة، فسرها فيما بعد خط السيل التركى التى اعتبرتها روسيا بوابة عبور الغاز إلى الشرق الأوروبى، وإنهاء حلم مرورها وسط الأراضى السورية وهو السبب الذى فجر المعارك الدامية التى تشهدها دمشق على مدار العقد الماضى.
فى إطار الكيد السياسى، أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أمس الإثنين، أن بلاده ستستمر فى دعم سيادة أوكرانيا ووحدة ترابها بما فى ذلك على شبه جزيرة القرم التى ضمتها روسيا فى العام 2014، فى تصريح ينذر بتأجيج الخلافات بين البلدين الذين تربطهما علاقات اقتصادية وثيقة وتعاون فى سوريا على الرغم من وقوفهما على طرفى نقيض من الأزمة السورية.
وردا على هذه التصريحا قال وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف: "أتمنى أن يواصل جيراننا الأتراك بموضوعية علاقاتهم مع أوكرانيا من ناحية، ومع شبه جزيرة القرم من ناحية، وألا يوكبوا الراديكاليين القوميين الذين يخططون لأعمال وحملات فى القرم، بما فى ذلك استخدام القوة، وأتمنى ألا يحفز الأتراك هذه المزاجية بمحاولة اللجوء إلى خطابات بانديرا، ستيبان بانديرا زعيم القوميين الأوكرانيين، عملاء هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية.
كما جاءت تصريحات أردوغان بخصوص القرم، اثر مقتل عدد من الجنود الأتراك والسوريين فى تبادل لإطلاق النار فى محافظة إدلب المشمولة باتفاق لخفض التصعيد توصلت له كل من موسكو وأنقرة فى سبتمبر 2019 ضمن جهود التهدئة التى أقرتها جولات مفاوضات فى العاصمة الكازاخية برعاية روسيا وتركيا وإيران وهى الدول الضامنة لاتفاق أستانا.
التطورات الأخيرة تزامنت أيضا مع توتر يسود بالفعل بين البلدين على خلفية التدخل التركى فى ليبيا والاتهامات التركية لموسكو بإرسال مرتزقة للقتال مع قوات الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، إلا أن الأخيرة أوضحت مرارا أن الوجود الروسى يقتصر على بعض المستشارين العسكريين، نافية نفيا قاطعا صحة المزاعم التركية، بينما اتهم وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، الجانب التركى بنقل مئات المقاتلين من أدلب للقتال فى طرابلس لدعم من وصفهم بالعصابات.
وفى مؤشر يؤكد وجود توتر روسى مع الشريك "المخالف"، لم يتحدث الرئيس الروسى بوتين ونظيره التركى بعد الأحداث الأخيرة فى إدلب حتى ولو هاتفيا على خلاف ما كان سائدا حين تحدث توترات على الأرض فى المحافظة التى تعتبر آخر معقل بارز للمعارضة السورية المدعومة من تركيا.
وكانت موسكو قد حملت قبل أشهر الجانب التركى المسئولية عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار فى تلك المنطقة، فى الوقت الذى فشلت فيه أنقرة فى إقناع الجماعات المتشددة بالانسحاب بأسلحتهم الثقيلة من المنطقة العازلة.
وتشترط دمشق وموسكو انسحابا كاملا للفصائل السورية المتشددة من المنطقة المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدتان فى الوقت ذاته أنهما ستستمران فى ملاحقة الجماعات الإرهابية فى إدلب.
وعبرت روسيا، عن قلقها من أنشطة المجموعات الإرهابية فى إدلب وهى المجموعة التى يعتقد بقوة أن لها صلات بأنقرة وبعضها تلقى تمويلات تركية سخية فى السنوات الأولى للحرب السورية بينها جبهة تحرير الشام (النصرة سابقا).
وفى وقت سابق أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل 5 من جنودها وموظف مدنى جراء قصف مدفعى مكثف لقوات النظام السورى فى محافظة إدلب.
وما رفع من خطورة الموقف، هو تصاعد الخلافات التركية الروسية حول طبيعة الحل العسكرى فى إدلب، ومستقبل الحل السياسى فى عموم سوريا، واعتقاد تركيا الراسخ بأن النظام لا يجرؤ على القيام بأى خطوة عسكرية ضد القوات التركية بدون غطاء أو تغاضٍ روسى.
وينتشر الجيش التركى فى 12 نقطة مراقبة فى إدلب ومحيطها من أرياف اللاذقية وحماة وحلب، بموجب اتفاق خفض التصعيد مع روسيا وإيران وتفاهمات أستانا وما تلاها من تفاهمات سوتشى. كما ينتشر فى مناطق سيطر عليها بعد عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام.
واعتبر مراقبون هذه التطورات تمثل تحولا خطيرا فى قواعد الاشتباك بين القوى العسكرية النافذة فى شمالى سوريا المتشابك، وفتحا للباب أمام احتمالات حقيقية لتطور الأمر إلى اشتباك عسكرى مباشر وكبير بين تركيا والنظام السورى فى ظل تصاعد التوتر وتعقد المعادلات السياسية والعسكرية.
الخلاف بلغ مداه اليوم، بحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان، الذى نشر معلومات حصرية تقول إن وفدا عسكريا روسيا توجه صباح اليوم إلى منطقة "علوكة " لتفقد مشروع المياه الذى يغذى محافظة الحسكة بالمياه، إلا أن القوات التركية منعتهم من الدخول إلى هناك وسط أنباء عن إطلاق القوات التركية الرصاص فى الهواء لإجبار الروس على التراجع، فى إشارة إلى الخلافات المتصاعدة بين الجانبين الروسى والتركى، والتى بدأت فى الظهور إلى العلن مع المحاولات المتكررة لاستهداف قاعدة حميميم الروسية.