رئيس التحرير
عصام كامل

«طبول الحرب» تدق بين «الخرطوم وجوبا».. «النفط» أزمة متواصلة بين البلدين.. البشير يتهم سلفاكير بدعم متمردي الجبهة الثورية..النفط يوفر 98% من العملة الصعبة لـ «الجنوب&

الرئيس السوداني عمر
الرئيس السوداني عمر البشير

أثار قرار الرئيس السوداني عمر البشير وقف ضخ نفط جنوب السودان عبر أراضي السودان أزمة كبيرة في علاقات البلدين تهدد بإشعال النزاع بينهما وعودة القتال من جديد.


وكان الرئيس البشير قد أصدر قرارا بوقف تصدير نفط الجنوب عبر الموانئ السودانية اعتبارا من يوم الأحد الماضي، وذلك بسبب اتهام الخرطوم لجوبا بتقديم الدعم العسكري للجبهة الثورية المتمردة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، والتي ترفع السلاح في وجه حكومة الخرطوم. ولم يقف الأمر على وقف العمل باتفاق النفط فقط بل ألغت السلطات السودانية أيضا الاتفاقات الأمنية والاقتصادية مع جنوب السودان التي أبرمتها.

من جانبها تنفي جوبا تقديم الدعم للمتمردين الذين يسعون للإطاحة بالبشير معتبرة أن قرار وقف تصدير النفط عبر موانئ السودان يعتبر قرارا "غير حكيم"، ومن شأنه أن يتسبب في حدوث كارثة بيئية قد تمتد آثارها إلى دول الجوار.

في مقابل ذلك تؤكد الخرطوم أن جوبا كثفت خلال الأيام الماضية من تجهيز وإمداد قوات الجبهة الثورية بتوفير العربات والوقود والذخائر وقطع الغيار وكميات متنوعة من الأسلحة، إضافة إلى عمليات التشوين عبر الحدود مع السودان وبإشراف مباشر من ضباط في استخبارات الجيش الشعبي بدولة الجنوب.

كما تؤكد أن هناك اعترافات متنوعة حصل عليها جهاز الأمن والمخابرات من مصادر داخل دولة الجنوب وعدد من المتمردين الذين تم إلقاء القبض عليهم، تؤكد إصرار دولة جنوب السودان على دعم حركات التمرد أملا منها في إحداث تغيير في الخرطوم.

ومع ذلك أعلنت الخرطوم استعدادها للعودة عن قرار وقف تصدير النفط في حال كفت جوبا عن دعم المتمردين، في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة الجنوب أنها ستلجأ إلى وسطاء الاتحاد الأفريقي لحل الخلافات.

وكانت جوبا قد أوقفت إنتاجها النفطي في يناير 2012 بعد خلاف مع الخرطوم حول رسوم عبور النفط عبر الأراضي السودانية. وفي السابع والعشرين من سبتمبر الماضي وقعت الخرطوم وجوبا حزمة من اتفاقات التعاون من بينها اتفاق لاستئناف النفط، وظلت تلك الاتفاقات عدة أشهر حبرا على ورق ولم تدخل مرحلة التنفيذ.

وفي مارس الماضي نجح الاتحاد الأفريقي في التوصل إلى اتفاق يسمح باستئناف ضخ نفط الجنوب عبر أراضي السودان وذلك بعد تسوية النزاع بشأن رسوم نقل النفط الخام عبر خطوط الأنابيب في السودان غير أنه لم يستأنف ضخ النفط إلا في السابع من مايو الماضي، حيث تم تصدير أول شحنة من نفط الجنوب عبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.

وأثار قرار الخرطوم بوقف مرور نفط الجنوب عبر أراضيها سخطا دوليا واسعا حيث انتقدت الصين - المستثمر الأول في صناعة النفط في السودان - هذا الإجراء ، معتبرة أنه غير مبرر على الإطلاق.

كما انتقدت فرنسا القرار ، مشيرة إلى أن هذه التدابير قد تؤثر سلبا على عملية التطبيع بين البلدين واقتصادهما. أما الاتحاد الأوربي فقد حذر من خطورة تصعيد النزاع بين دولتي السودان ، مؤكدا أن منع تصدير النفط الجنوبي سيكون له "عواقب خطيرة" على قدرة البلدين على البقاء وعلى العلاقات الثنائية بينهما وعلى المنطقة بأسرها.

بينما عبرت الولايات المتحدة عن أسفها من قرار الحكومة السودانية مطالبة الخرطوم بالعدول عن هذا القرار. ونظر فريق واسع من المراقبين نظرة متشائمة إلى مستقبل العلاقات بين دولتي السودان.

فمن ناحية رأى المراقبون أن قرار وقف نقل النفط من شأنه قطع إيرادات التصدير ورسوم العبور التي يعتمد عليها البلدان كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى أزمة اقتصادية واسعة المدى ، خاصة أن جوبا لم تكن تتوقع هذا القرار في هذا التوقيت ، وهو ما شكل صدمة لها وقضى على آمالها في تحقيق الانتعاش الاقتصادي المنشود.

ويحظى النفط بأهمية كبيرة لدولتي السودان، فهو يشكل 98% من الدخل القومي لجنوب السودان، كما أنه يشكل موردا اقتصاديا أوليا للسودان ، الذي تضرر ضررا كبيرا من إيقاف إنتاج النفط الجنوبي ، مما أدى بدوره إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وتدهور الأحوال المعيشية في البلاد.

من ناحية أخرى، قد يتسبب هذا القرار في تجدد المواجهات بين دولتي السودان، المتخاصمتين السابقتين، واللتين كادتا أن تخوضا حربا في أبريل 2012 بسبب احتلال قوات الجنوب لمنطقة هجليج الحدودية الغنية بالنفط ، وهو ما أدى إلى تجدد القتال بين البلدين، غير أنه تمت تسوية الأمر عقب قيام القوات السودانية باسترداد المنطقة.

وأجمع المراقبون على أن لجوء البلدين إلى خيار الحرب في مثل هذه المرحلة يعد خيارا انتحاريا ، حيث أن كلفة التورط في حرب شاملة أكبر بكثير من قدرتهما على تحملها ، وهو ما يوضح خطورة التوتر الذي تشهده العلاقات في المرحلة الراهنة ، ويؤكد الحاجة إلى احتواء الأمر في أسرع وقت ممكن.

وفي ضوء أهمية تحقيق ذلك ، لابد أولا من توافر الإرادة السياسية ، القادرة على تخطي الخلافات الحادة والمتراكمة بين الدولتين ، واحتواء أي توترات محتملة من المتوقع حدوثها، ووقف الاتهامات المتبادلة التي يطلقها الطرفان ، بدعم المعارضة لدى الأخرى.

ويأتي بعد ذلك إدراك أهمية التعاون الاقتصادي بين البلدين ، واعتبار النفط عنصر اتفاق وتقارب بين الدولتين ، وليس سببا للتوتر أو الخلاف ، لأن دولة الجنوب دولة حبيسة ، وكل البنى التحتية لتسويق النفط موجودة في السودان، هذا بجانب احتياج الأخيرة إلى العائد المادي جراء تصدير نفط الجنوب ، والذي يشكل موردا هاما من موارد الحكومة السودانية.
الجريدة الرسمية