صفقة القرن.. والحلم الصهيوني المزعوم
ليست المرة الأولى التى نكتب فيها عن صفقة القرن, وليست المرة الأولى أيضا التى نكتب فيها عن الحلم الصهيوني, فقد كتبنا كثيرا وتحدثنا طويلا عبر شاشات الفضائيات التى يسمح لنا بالظهور عليها, وغالبيتها تنتمى للإعلام الوطنى أو الإعلام المقاوم, وخلال الأسبوع الفائت كنت ضيفا دائما على عدد من الشاشات للحديث عن صفقة القرن المزعومة سواء قبل إعلان ترامب ونتنياهو عنها أو بعد إعلانهما.
وعلى عكس غالبية المحللين السياسيين الذين تناولوا الحدث كنت أذهب دائما بعيدا فى محاولة تقديم قراءة مختلفة للحدث, حيث اعتبرت ما يطلق عليه صفقة القرن هو جزء من الحلم الصهيونى الذى بدأ منذ أكثر من قرن من الزمان.
وما يتم اليوم هو استمرار لمحاولات العدو الصهيونى فى تحقيق حلمه المزعوم بدولة تمتد من الفرات إلى النيل, وهى العبارة المدونة فوق باب الكنيست الإسرائيلي, ويتجاهلها للأسف الشديد الرأى العام العربى المغيب دائما.
اقرأ ايضا: 25 يناير خطوط تماس وخطوط فاصلة!!
وإذا عدنا للبدايات فسوف نكتشف أنه منذ أصبح العدو الصهيونى واقعا على الأرض العربية فى فلسطين والأمة العربية مفككة ومفتتة ومحتلة, وعندما أعلن العدو عن دولته المزعومة تحركت الجيوش العربية بدعوى الدفاع عن الأرض المغتصبة, لكنها وللأسف الشديد نالت هزيمة منكرة فى حرب 1948, ومنذ ذلك التاريخ أصبحت القضية الفلسطينية هى القضية المركزية للأمة العربية , فالشعب العربى أصبح مهموما بإنتاج قيادة عربية قوية ومؤمنة بالمشروع القومى العربى لتحرير فلسطين عبر جيش قوى يمكنه دخول الحرب والانتصار فيها, ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الكيان الصهيونى أكد مؤسسه ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء "أن إسرائيل لا يمكن أن تعيش وتحيا آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية هى الجيش المصرى والعراقى والسورى " ومن هنا ندرك مدى وعى العدو وقياداته بمشروعهم المضاد.
وحين أفرز الواقع العربى هذه القيادة المؤمنة بمشروع الوحدة لمواجهة العدو الصهيونى وهو الزعيم جمال عبد الناصر، بدأ العدو فى التخطيط لمواجهته وإجهاض مشروعه الوحدوى بكافة الوسائل والطرق وكانت أحد أهم الآليات هى التحالف مع الرجعية العربية لضرب المشروع من الداخل، ثم محاولة جرجرة الجيوش العربية لخوض حروب وهى غير جاهزة لخوضها فكانت النتائج مزيد من الاستنزاف للجيوش ومزيد من الانتصارات للعدو وكسب أرض جديدة تضم إلى الأراضى العربية المحتلة، وعندما نجحنا فى المواجهة العسكرية فى أكتوبر 1973 قام العدو باستخدام آلية جديدة للتفرقة والتقسيم والتفتيت وهى معاهدات السلام المزعومة التى بدأت بكامب ديفيد، ثم أوسلو، ثم وادى عربة.
وإذا كانت مقولة ديفيد بن جوريون يتم العمل عليها منذ قام بإطلاقها حيث يسعى العدو الصهيونى طوال الوقت لاستهداف الجيوش العربية وسحبها فى معارك بعيدة عن المعركة الأساسية معه، فكانت الحرب العراقية الإيرانية التى استمرت ثمانى سنوات تم فيها إنهاك الجيش العراقى بشكل كبير، ثم الغزو العراقى للكويت الذى استنزف جزء كبير من قوة الجيش العراقى التى انتهت بشكل نهائى بعد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003, ثم جاء الربيع العربى المزعوم ليدخل الجيش السورى فى معركة كونية مع العصابات الإرهابية المسلحة المدعومة صهيونيا ليستنزف قوته التى كانت مستعدة لدخول المعركة مع العدو الصهيونى، ونفس الأمر يتم مع الجيش المصرى الذى يواجه الإرهاب بالداخل وعبر حدوده الشرقية مع العدو الصهيونى فى سيناء والغربية مع ليبيا والجنوبية مع السودان.
لذلك لا عجب مما يحدث اليوم بإعلان صفقة القرن المزعومة دون أن يتحرك ساكنا للحكام العرب وأيضا الشعب العربى باستثناءات رمزية هنا وهناك لا تتجاوز التنديدات الكلامية وهذه هى المصيبة الأكبر التى أكدت عليها منذ زمن بعيد جولدا مائير رئيسة وزراء العدو الصهيونى فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات حيث قالت: "عندما أحرقنا القدس.. لم أنم طيلة الليل وتوقعت أن العرب سيأتون نازحين من كل حدب وصوب نحو إسرائيل.. فعندما بزغ الصباح علمت وأيقنت أننا أمام أمة نائمة " وبالطبع هذا النوم ليس طبيعيا بل بفعل فاعل وهو العدو الصهيونى الذى يتحرك بوعى تام لتمزيق وحدتنا وتشتيت جهودنا واستنزاف جيوشنا, لذلك لا عجب أن تجد بعض المسئولين الأعراب حاضرين اجتماع إعلان صفقة القرن المزعومة.
ومن خلال نظرة سريعة ومتفحصة لحصاد الربيع العربى المزعوم يمكننا أن نؤكد بما لا يدع مجال للشك أنه ربيعا عبريا بامتياز تمكن من خلاله العدو الصهيونى أن يحقق جزء كبير من أحلامه وطموحاته أولها وأهمها هو اضعاف الجيوش العربية واستنزافها فى صراعات ونزاعات وحروب داخلية خاصة الجيوش الثلاثة التى أشار إليها ديفيد بن جوريون (المصرى – العراقى – السورى) وهو ما يعنى أن إسرائيل يمكنها أن تعيش وتحيا آمنة وهو ما جعلها تقوم بتهويد القدس، والاعتداء على الأقصى، ثم إعلانها للقدس عاصمة أبدية لدولتهم المزعومة خلال سنوات الربيع العبري، وأخيرا الإعلان عن صفقة القرن المزعومة دون أن يتحرك ساكنا للحكام العرب الذين لا تشغلهم إلا المحافظة على كراسيهم، والشعوب العربية المنهكة بفعل الفقر والجهل والمرض.
وعلى الرغم من الصورة القاتمة بل حالكة السواد التى أوضحتها معركة صفقة القرن خلال الأيام الماضية والتى جعلتنا نرى بوضوح حصاد الربيع العبري، إلا أن هذه الصورة لم تخلو من نقطة ضوء تمثلت فى نموذج المقاومة الذى يعمل له العدو الصهيونى ألف حساب، لذلك يجب أن تعى الأمة العربية أن قوتها فى وحدتها أولا وفى بندقيتها ومدفعها وجيوشها ثانيا، فما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، فمعركتنا مع هذا العدو الصهيونى معركة وجود وليست حدودا، فصفقة القرن جزء من حلمهم المزعوم دولة من الفرات إلى النيل، اللهم بلغت اللهم فاشهد.