الصاوي: منهج الطيب فى تجديد التراث يتخذ مساحة وسطى تعمل على نبذ الصراع
أكد الكاتب الصحفى أحمد الصاوى رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، ليس من أنصار التشبث المطلق بالتراث، مؤكداً أنه مثلما يختلف جذرياً مع الراغبين فى ترك التراث وتجاوزه، يختلف بذات القدر مع من يتشبثون به ويدعون للاكتفاء به دون التفات لمتغيرات العصروما أنتجته الحداثة من معارف، مشيراً إلى أن منهج الإمام الطيب فى تجديد التراث يتخذ مساحة وسطى تعمل على نبذ الصراع وتأسيس تيار وسطى ينهض من بين اصحاب الصوت العالى من المتطرفين على الجانبين، سواء كانوا أنصار ترك التراث أو الاكتفاء به.
وأشار الصاوى إلى أن الإمام الأكبر وضع منهجه فى كتاب «التراث والتجديد.. مناقشات وردود»، المعروض حالياً فى معرض الكتاب بجناحى الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، والصادر قبل سنوات، مع التأكيد على أن عملية التجديد يجب أن تقوم على أساس استيفاء الأصول والثوابت، وكل النصوص القطعية، مع الاجتهاد المنضبط بالنقل والعقل فى الفروع الظنية القابلة للتحرك لمواكبة ما يستجد من النوازل والقضايا، حتى لا يجىء التجديد هدماً وتبديداً للمسلمات الأولى والثوابت القطعية للتراث وأصوله، ومسخه وتشويهه، ثم تقديمه بعد ذلك للمسلمين بحسبانه طوق النجاة لحياتهم المعاصرة
وقال الصاوى: إن فلسفة الإمام فى هذا الأمر يلخصها فى معادلة محددة نصها "التجديد الذى ننتظره ينبغى أن يسير فى خطين متوازيين أولهما ينطلق من القرآن والسنة أولاً ثم مما يتناسب ومفاهيم العصر من كنوز التراث والثانى خط موازٍ ننفتح فيه على الآخرين بهدف استكشاف عناصر التقاء يمكن توظيفها فى تشكيل إطار ثقافى عام يتصالح فيه أصحاب الفكر الإسلامى مع الليبراليين".
وفى كتابه «مقالات فى التجديد»، المعروض أيضاً فى جناحى الأزهر ومجلس حكماء المسلمين بمعرض الكتاب، يؤكد الإمام الأكبر أنه يكفى دليلاً على التخبط فى تناول تجديد الخطاب الدينى أنك تسمع بعض الأصوات التى تنادى بإلغاء الخطاب الدينى جملةً وتفصيلاً، وتراه جزءا من الأزمة أو تراه هو الأزمة نفسها، وليس حلاً لها، وهؤلاء لا يُفصحون عن مقتضى دعوتهم هذه ولازمها المنطقى، وهو تحويل مؤسسة الأزهر إلى متحف من متاحف التاريخ، وفى المقابل تسمع أصواتاً تنبعث من العُدوة القصوى لا تفهم من تجديد الخطاب الدينى إلَّا العودة فقط إلى ما كان عليه سالف الأمة وصالح المؤمنين فى القرون الثلاثة الأولى، وهؤلاء أيضاً يحلمون باليوم الذى يضعون فيه أيديهم على مؤسسة الأزهر ويَجْمدون برسالته وعلومه ودعوته عند حدود التَّعبُّد بمذهب واحد واعتقاد معين وأشكال ورسوم يرونها الدين الذى لا دين غيره.
29 رسالة من علماء الأمة في ختام مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر الإسلامي
وأشار فضيلة شيخ الأزهر فى هذا الكتاب إلى أن الصنف الأخير يهددون سماحة هذا الدين الحنيف وشريعته التى تأسست على التعددية واختلاف الرأى فى حرية لا نعرف لها نظيراً فى الشرائع الأخرى، ولا يطيقون أن يتسع الأزهر فى عصره الحديث لما اتسع له عبر عشرة قرون من إجماع واتفاق على الأصول وقواطع النصوص وكليات الدين، فإذا تجاوز النظر هذه الأصول والقواطع والكليات فبابُ الاختلاف وحرية الرأى والأخذ والرد بين العلماء مفتوح على مصراعيه، وبوحى من هذا المنهج التعددى اتسعت أروقة الأزهر وكلياته - وما زالت تتسع ليوم الناس هذا - لدراسة المذاهب الفقهية السُّنيَّة وغير السُّنيَّة دراسة علمية، لا انتقاص فيها من مذهب ولا إغضاء من شأنه أو شأن أئمته.
وأكد فضيلة الإمام الأكبر فى فصل من الكتاب بعنوان "ضرورة التجديد" أن التجديد الذى ننتظره ينبغى أن يسير فى خطين متوازيين، أولهما: خط ينطلق فيه من القرآن والسنة أولاً، وبشكل أساسٍ، ثم مما يتناسب ومفاهيم العصر من كنوز التراث بعد ذلك، وليس المطلوب بطبيعة الحال خطاباً شمولياً لا تتعدد فيه الآراء ولا وجهات النظر، فمثل هذا الخطاب لم يعرفه الإسلام فى أى عصر من عصور الازدهار أو الضعف، وإنما المطلوب خطاب خالٍ من الصراع ونفى الآخر، واحتكار الحقيقة فى مذهبٍ، ومصادرتها مذهباً آخر مماثلا.
وثانى هذين الخطين المتوازيين للسير فى التجديد هو: خط موازٍ ننفتح فيه على الآخرين، بهدف استكشاف عناصر التقاء يمكن توظيفها فى تشكيل إطار ثقافى عام يتصالح فيه أهل الفكر الإسلامى مع الليبراليين، ويبحثون فيه معاً عن صيغةٍ وسطى للتغلب على المرض المزمن الذى يستنزف طاقة أى تجديد واعد، ويقف لنجاحه بالمرصاد، وأعنى به: الانقسام التقليدى إزاء التراث والحداثة إلى تيار متشبث بالتراث كما هو، وتيار متغرب يدير ظهره للتراث، ثم تيارٍ إصلاحى خافت الصوت لا يكاد يُبينُ.
وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أننا قد لاحظنا فى تجارب القرن الماضى أن أصحاب التيار الأول - المقلدين - كانوا يراهنون على أنه «بالإمكان العيش فى إطار التقليد الضيق الموروث عمن سلفهم، بإيصاد الأبواب فى وجه أمواج الحضارة الغربية وثقافتها المتدفقة»؛ غير أن إصرارهم هذا لم يحقق لهم الأهداف المرجوة، وما لبثوا أن تراجعوا دون أن يهيئوا المجتمع لأن يتعامل مع المتغيرات العالمية بأسلوب مدروس؛ وكانت النتيجة أن أصبح المجتمع أعزل أمام ثقافة الغرب المكتسحة. وأكد فضيلة الإمام الأكبر - بحسب الصاوى - أن الشىء نفسه يُقال على المتغربين الذين أداروا ظهرهم للتراث، ولم يجدوا فى الاستهزاء به والسخرية حرجاً ولا حياء، وأعلنوا مقاطعة التراث شرطاً لا مفر منه فى حداثة التجديد والإصلاح، وكانت النتيجة أن أدارت جماهير الأمة ظهورها لهم، بعدما تبينت أنهم لا يعبرون عن آلامهم وآمالهم، بل كانوا يغردون وحدهم خارج السرب، هؤلاء خسروا المعركة أيضاً، ولم يحلوا مشكلة واحدة من مشكلات المجتمع، إن لم نقل: «زادوا الأمور ظلاماً على ظلام»؛ أما التيار الإصلاحى الوسطى فإننا نحسبه التيار المؤهل لحمل الأمانة، والجدير بمهمة التجديد المقدس الذى تتطلع غليه الأمة، وهو وحده القادر على تجديد الدين، لا تشويهه أو إلغائه، ولكن شريطة أن يتفادى الصراع الذى يستنزف طاقته من اليمين ومن اليسار.