الصورة الذهنية للدولة
"كنت أظن أن الطرقات مليئة بالجمال والأحصنة وقطعان الماعز.. ولم أتخيل أن الطريق من مطار القاهرة إلى الفندق بهذا العمران.. كنت أعتقد أن الصحراء القاحلة تحيط بكل شيء" كانت هذه العبارة التي وجهها لي سائح أوروبي بشأن انطباعه عن مصر قبل زيارته الأولى لها، وهي الزيارة التي كسرت هذه الصورة المليئة بالرمال والخيام، والبعيدة بقرون عن صورة الدولة الحديثة.. وفهمت أن هذه الصورة الخاطئة قد تكونت لديه نتيجة بعض الأفلام الأجنبية التي صورت مصر باعتبارها دولة تعيش في القرون الوسطى.. ورغم أن هذه الصورة الذهنية كانت خاطئة تمامًا إلا أنها كانت صادقة تمامًا بالنسبة لرأس السائح قبل قدومه إلى مصر.
تعد الصورة الذهنية بمثابة تصور يكونه أحدهم تجاه فرد أو مؤسسة أو جهة ما.. والشخص الذي تكونت لديه صورة معينة عن هذه الجهة سوف يتعامل تجاهها تبعًا لهذا التصور الذي تكون لديه بغض النظر عن مدى صدق هذا التصور من عدمه، لذلك فإن أي تغيير إيجابي يصيب هذه الصورة سوف يتبعه بالضرورة تغيير إيجابي في سلوك الفرد.
وهناك أنواع مختلفة للصورة الذهنية، بداية هناك "الصورة المرآة" والتي تعد بمثابة الصورة التي ترى المؤسسة أو الجهة نفسها من خلالها.. وهناك "الصورة الحالية" وهي التي يرى بها الآخرون المؤسسة.. و"الصورة المرغوبة" وهي التي تود المؤسسة أن تكونها لنفسها في أذهان الجمهور.. و"الصورة المثلى" وهي أمثل صورة يمكن أن تتحقق إذا أخذنا في الاعتبار الأنشطة التي يقوم بها المنافسين وتأثيرها في الجمهور.. و"الصورة المتعددة" وهي صورة تتكون عندما يتعرض الجمهور لأكثر من انطباع عن المؤسسة نفسها ولكن هذا التعدد لا يستمر طويلًا فإما أن يتحول إلى صورة إيجابية أو صورة سلبية أو أن تتكون صورة موحدة تظللها العناصر الإيجابية والسلبية.
وتهتم العديد من المؤسسات والشركات الكبرى بإدارة صورتها الذهنية من خلال شبكة متنوعة من أنشطة العلاقات العامة وذلك لضمان الحفاظ على مصالحها لدى جمهورها.. وعلى المستوى الأكبر فإنه من الضروري أن تهتم الدول بالعمل على إدارة صورتها الذهنية حيث أن تحسين هذه الصورة ينعكس إيجابيًا على السياحة والاستثمار وغيرها من القطاعات.
تحديد هوية الدولة والترويج لها عملية صعبة وطويلة وتحتاج إلى تضافر جهود العديد من الجهات لكنها في حاجة إلى البداية التي نحدد خلالها مواطن القوة بالدولة لنبدأ الترويج لها.. ولن يقتصر دور القوة الناعمة ممثلة في الإعلام والفن والأدب والرياضة وغيرها على تشكيل هذه الصورة الذهنية بل سيساهم الترويج للقوة الصلبة المصرية في صناعة هذه الصورة عبر استيعاب العالم للمشروعات القومية التي يتم تنفيذها والتطوير في منظومة التعليم والصحة وغيرها.. سوف تتضافر عناصر القوة الناعمة والقوة الصلبة في الترويج للدولة المصرية وصناعة صورتها الذهنية.. وللحديث بقية.